مع كورونا.. صار وجود الإنسان هو الإرهاب! - مواقع عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 6:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مع كورونا.. صار وجود الإنسان هو الإرهاب!

نشر فى : الأحد 30 يناير 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : الأحد 30 يناير 2022 - 8:30 م
نشر موقع 180 مقالا للكاتب الفضل شلق، يقول فيه إن فى زمن الكورونا لم يعد الإرهاب وحده سببا وحيدا لإغلاق المطارات، بل أصبح الإنسان مصدرا للهلع والإرهاب وسببا لإغلاق المطارات إذا لم يتقيد بالإجراءات الاحترازية. قائلا فى ختام مقاله أن مسيرة التحرر البشرى أُجهضت والاتجاه يسير نحو عبودية من نوع جديد.. نعرض منه ما يلى.
لا نعرف أصل وباء الكورونا. هناك عدة نظريات حول الأصل: هل هو تلقائى فى الحيوان أو النبات أو الإنسان، أم جاء بمؤامرة بشرية فى مكان من العالم؟
أصحاب النظريات يحبون اتهام الصين، وأن الوباء جاء منها. مصدر الوباء والشر هو الشرق. الغرب مصدر الخير. ما يهمنا هو المعرفة بأن هذا الوباء غير الرأسمال المالى الكبير وشركات الأدوية الكبرى وأخواتها، وله مهام سياسية فى خدمة الاستبداد.
أما المهام السياسية فهى تتلخّص فى كم الأفواه، والتباعد الاجتماعى. الأهم من ذلك هو التعمية حول هذا الفيروس. فما من أحد يعرف حقيقته. إلا أنه فيروس يتحوّل حسب استجابات لحواضر لا نعرفها، ولا نعرف أين هى المنطقة التالية التى سوف يضرب فيها، ولا مدة الانتشار؛ فكأنه مطلوب من البشر الهلع من بعضهم البعض. مجرد التوقّع لوقوعه كفيل بأن يؤدى الى الهلع، ثم التدافع، ثم الانعزال، وصراخ المستشفيات والفرق الطبية، وشركات التجهيزات الطبية، وشركات التأمين. أصحاب مصانع الكمامات يصيبون نتائج جيدة، وكذلك مختبرات فحوصات الكورونا. نشأت صناعة كاملة حول الكورونا.
الجدل فى مختلف بلدان العالم معظمه سياسى يتعلق بالحرية الشخصية والاعتداء عليها، وتدخل الدولة فيها. عدد من لا يريدون التطعيم كبير. لا يثق الناس بالنظام ولا بما يعلنه حول الوباء واتجاهات انتشاره. وهناك من يشكّك فى حقيقة وجوده، وهل هو مجرد إنفلونزا، أو ما يشبهها. الشك بأرقام الإصابات كبير، وبأرقام الوفيات أكبر. فى البلدان ذات المجتمعات المفتوحة والرقابة الاجتماعية على السلطات، الأرقام كبيرة. فى بلدان الاستبداد عادة ما يذيعون أرقاما تتناسب ووجهات نظرهم السياسية. يفضّلون القول والإيحاء أن كل شيء تحت السيطرة؛ حتى الوباء.
يحذر علماء الكورونا من التواجد فى أمكنة مغلقة مع آخرين. وباء الكورونا يحب الانغلاق. وهناك أوبئة أيديولوجية لديها حساسية ضد المجتمع المفتوح. الانغلاق، بجميع أنواعه، يجر الويلات. الويلات المرضية والأمراض الفكرية. وباء الانغلاق المجتمعى يظهر أحيانا على ألسنة حداثية تخدم أيديولوجيات دينية كما يظهر الكورونا فى مختبرات بيولوجية تتمتّع بأحدث التجهيزات. الرأسمالية والإمبريالية تنتجان هذا وذاك. على الداعين للثورة أن يكمّموا أفواههم ويتناثروا، وألا يتظاهروا ولا يصدر عنهم أى احتجاج. عجيب كيف تأتلف الثورة المضادة مع الوباء. هى ذاتها وباء وإن كان دعاتها ليسوا من أصحاب الحجاب أو العمامة. حجاب التعمية يستخدمه علماء الكورونا وأنصار الرأسمالية وشذاذ آفاق اليسار العلمانى الذين يخدمون أسيادا رجعيين ومحافظين أيديولوجيا.
• • •
أكثر ما يتعلّق بشأن وباء الكورونا أنك لا تعرف من أين، وكم، وما هو، ومتى، وكيف تسلك، إلا بالطاعة لأولى الأمر. طغيان يعكس ديكتاتورية الكورونا. هنا فى سبيل الربح وهناك فى سبيل السيطرة. الذى يمكن أن يصاب يقع تحت سيطرة الآخرين (من يعملون لدى النظام). كما غير المصاب الذى عليه أن يُكمّم فمه ويبتعد عمن يجاوره. برغم تقدم الطب لا يعرف العلماء ماهيته ولا تطوّر متحوراته. عليهم انتظار مصير يقرره غيرهم. المهم أن الفرد سواء كان مواطنا أو من جملة الرعايا فى مجتمع يحكمه استبداد ما، لا يعرف ولا يراد منه أن يعرف. هناك أشياء كثيرة يتعرّض لها الفرد فى حياته، كالسيارة مثلا، ولا يفهمها. لا يفهم آلية عملها. لكن يستطيع أن يقودها ويسوقها. وهناك من يصنعها ويصونها ويصلحها ويفهم آلية عملها. لكنك تختار أن تبتاع سيارة أو تركب سيارة أجرة أو لا تركب السيارة مطلقا. الكورونا تركبك. تتغلغل فى جسدك وروحك. تعرف أنها ليست من طبيعة الأشياء. تفرض عليك نفسها، أو تُفرض عليك. تدخل إليك. تنغرز بالقوة. ليس الوباء من الأمراض التى تصيب كل الناس. هلع يصيب كل الناس أو كل المجتمع. تنظر إلى الأرقام فتصاب بالهلع، لما يفترض أن يكون عدد الإصابات كبيرا. تنظر إلى عدد الإصابات المميتة، فكأن الأمر يتعلّق بإنفلونزا تعوّد عليها البشر. فتصاب بالشك. تساورك الوساوس. أحلام تتحوّل إلى كوابيس. تعرف أن سبب الكورونا من صنع الإنسان. لا بدّ وأن هناك مؤامرة. قضوا فترة طويلة فى جهود إلغاء نظرية المؤامرة المتعلقة بالرأسمال والإمبريالية. تعود المؤامرة إلى الأذهان. أنت تتباعد اجتماعيا. تتفكك الروابط الاجتماعية لا بسبب تطوّر مألوف فى تطوّر نحو الديمقراطية أو ما يشبهها. بل تساورك الشكوك عمن يجلس بجانبك. يصير هو العدو. ربما كان عدوا افتراضيا عندما لا تصاب منه. لكن تصوّر العدو لا يفارقك. هناك شيء ما يُفرض عليك. ينعكس مسار الحياة البشرية من المزيد من الانفتاح إلى المزيد من الانغلاق على الذات. أيديولوجيا جديدة تفوق عنفا كل الأيديولوجيات السابقة. كنا ننتظر العنف من اليمين الفاشى، أو الدين السياسى، أو الحرب، محلية كانت أو إقليمية أو عالمية، فإذا العنف يخترق ذواتنا فيزيائيا ومعنويا. يصيب الفرد ذهان النظافة. ربما يغتسل كل يوم أو يومين أو أسبوع، حسب الإمكانيات ومتطلبات التطوّر الاجتماعى. مع هذا الوباء، عليه تطهير يديه كلما لامس شيئا، أو يدا غريبة. يصير كل شيء غريبا. يصير الفرد غريبا حتى فى بيته. الويل له إذا سعل أو عطس بحضرة زوجته أو أولاده أو ضيوفه. يخشى الضيوف. يخشى استقبالهم. وحدة قاتلة. حضور احتفال بمناسبة رأس السنة كان العادة وصار اختراقا للعادة والمعتاد. القوانين التى تُفرض والعادات التى تُعتمد فى السلوك اليومى تصير وسيلة لبعثرة المجتمع وتشتيته وتذريره بعد أن كانت وسائل لانتظام المجتمع. تختفى الطوعية. تزول التلقائية. كل شيء يُدار بالأمر. فى الحروب تدار مجتمعات البلدان بما سُمى اقتصاد الأمر. إذن هو وباء الأمر. الصحة بالأمر. أنت متطوّع بالحياة بالقسر. لا تعود الحياة معطى طبيعيا. تصير كسبا يوفرها لك نظام الحكم. يترك الكثيرون وظائف العمل لأنهم لم يعودوا يطيقون العيش مع الغير، لا لوظيفة أخرى بل للانفراد عن الناس. فى البلدان الفقيرة والطبقات الدنيا، أنت مضطر للعمل بجانب الغير. لكنه اضطرار قسرى بحكم الحاجة للعمل. توقف العمل عن كونه وسيلة لتحقيق الذات. صار مغامرة تعنى فى بعض نتائجها فناء النفس وخواء الروح.
لا يُسمح بالسفر إلا مع بى سى آر (PCR) يزيل اللعنة مؤقتا إلى حين تقعد بالطائرة. تعود اللعنة حين تنزل منها. ربما خلال الرحلة تتفاقم اللعنة. ما عاد الإرهاب المعتاد سببا كافيا لاتخاذ إجراءات قسرية فى المطارات ومحطات السفر والموانئ، وكل أمكنة التجمّع، ولا وجود شنطة متروكة. صار الإنسان مصدر خوف وهلع إذا لم تتقيّد بالإجراءات المفروضة. صار وجوده الإرهاب بعينه.
• • •
تهميش الإنسان هو ما يحدث. وقد كان الاتجاه فى السابق عكس ذلك إلى أن جاءت النيوليبرالية. كان الإنسان قبل ذلك يناضل لاستعادة مركزية فى المجتمع عن طريق النقابات والديمقراطية. مع زوال الاتحاد السوفيتى تحطّم الحلم بذلك. وزال خوف النظام الرأسمالى من الشيوعية. وكرّست البلدان الشيوعية سابقا نفسها لرأسمالية فجة. أمسكت الرأسمالية الفرصة وعاد اتجاه التهميش للصدارة. ربما كان وباء الكورونا يحقق حلما رأسماليا قديما بإلحاق الإنسان بغيره؛ إلحاقه بالآلة وحاجات الرأسمال. هو الآن ملحق بالكورونا. حياته يعاد صنعها من جديد. أسلوب عيش يتبدّل على أساس متطلبات الكورونا. عفوا، مكافحة الوباء. لا تترك الرأسمالية فرصة إلا وتستغلها. أجهضت مسيرة التحرر البشرى. الاتجاه يسير نحو عبودية من نوع جديد.

النص الأصلى:

التعليقات