هل يعطل صعود الجمهوريين المتشددين سياسات بايدن؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يعطل صعود الجمهوريين المتشددين سياسات بايدن؟

نشر فى : الإثنين 30 يناير 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : الإثنين 30 يناير 2023 - 8:35 م
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب كريم القاضى، تناول فيه التنازلات التى قدمها كيفين مكارثى، رئيس مجلس النواب، للفصيل المحافظ المتشدد، وتأثير هذه التنازلات على العملية التشريعية... نعرض من المقال ما يلى.
تابع المراقبون باستغراب شديد عملية التصويت على اختيار النائب الجمهورى كيفين مكارثى رئيسا لمجلس النواب الأمريكى. ولعل سبب الاستغراب هو أنه على الرغم من فوز الحزب الجمهورى فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فى نوفمبر 2022 بأغلبية مقاعد مجلس النواب أو ما يعادل 222 مقعدا من أصل 435 مقعدا، فإن التصويت لصالح مكارثى بدا متعسرا وبالتالى مخالفا لتقاليد الحزب الفائز بالأغلبية فى مجلس النواب، وتحول الأمر من إجراء روتينى يخلو من العراقيل، كما هو المُعتاد، إلى أزمة صعُب التكهن بنهايتها، فى حادثة تُعد الأولى من نوعها التى يمر بها الكونجرس منذ مائة عام.
استغرق الأمر على غير العادة خمسة أيام من المفاوضات الشاقة مع 20 نائبا من تكتل «الحرية» ذى الأيديولوجيا اليمينية المحافظة المتشددة داخل الحزب الجمهورى. وعلل هذا الفصيل اعتراضهم على مكارثى بحجة أنه لا يتوافق مع أجندتهم السياسية، وبناء على ذلك فقد صمم هذا الفصيل على عدم التصويت لصالحه على مدى 15 محاولة تصويتية، حتى قدم إليهم مكارثى عدة تنازلات إجرائية تعظم نفوذهم داخل المجلس وتضعف مركزه كرئيس لمجلس النواب. ولذا فإن الصعوبة التى واجهها الحزب الجمهورى فى تمرير اختيار رئيس مجلس النواب تدل على دخول الولايات المتحدة فى طور جديد من الأزمات السياسية المتعلقة بالحكم وإدارة الدولة.
• • •
كانت النتائج غير المتوقعة فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس هى العامل الرئيسى وراء زيادة نفوذ فصيل اليمين المتشدد المحافظ فى الحزب الجمهورى، فقد فشل الحزب فى الحصول على أغلبية مريحة داخل مجلس النواب تسمح لقياداته الأكثر اعتدالا سياسيا والأكثر حرصا على تحقيق إنجازات تشريعية، بتهميش دور هذا الفصيل، الذى تهدف أجندته السياسية إلى تصحيح الأوضاع المالية الخاصة بالحكومة الفيدرالية مثل الحد من سياسة الاستدانة، وتقليل الإنفاق الحكومى العام، وتقليص حجم البيروقراطية الفيدرالية، وتخفيض الضرائب، بالإضافة إلى مواقفهم المتشددة ضد المهاجرين وسعى بعضهم إلى عرقلة الحقوق السياسية للأقليات الأمريكية. كما يغلب على هذا الفصيل تأييدهم للرئيس السابق، دونالد ترامب، وقناعة بعضهم بتزوير الانتخابات الرئاسية فى عام 2020، فضلا عن رفضهم نتائج لجنة التحقيقات فى أحداث التمرد والاضطرابات يوم 6 يناير 2021.
وأصبحت قيادات الحزب الجمهورى فى حاجة ماسة لكسب تأييد المتشددين المحافظين، من أجل ترتيب أوضاع مجلس النواب من الداخل وتمرير القوانين، وهو الأمر الذى حتّم فتح باب تقديم تنازلات فى مقابل الحصول على الأصوات. ومما يُعقد هذا الموقف أن البديل عن التعاون مع هذا الفصيل هو التعاون مع نواب الحزب الديمقراطى، وهو الأمر الوارد مستقبلا فى بعض مشروعات القوانين، إلا أنه لم يكن واردا عند اختيار رئيس المجلس.
ولعل من أبرز التنازلات التى قدمها كيفين مكارثى لهذا الفصيل المتشدد، موافقته على عودة الإجراء الذى يسمح لأى نائب بالمجلس، من أى الحزبين، بتمرير تصويت يسمح بإزاحة رئيس المجلس من موقعه إذا حصل هذا التصويت على أغلبية بسيطة داخل المجلس أو ما يُعرف فى النظم البرلمانية بـ«تصويت سحب الثقة»؛ مما يعنى أن منصب مكارثى الجديد قد أصبح أسير هذا الإجراء، وبالتالى يبقى مجلس النواب غير مستقر مدة العامين القادمين حتى الانتخابات المقبلة.
ومما يُزيد من نفوذ هذا الفصيل أيضا أن مكارثى قدم لهم تنازلا آخر يسمح بزيادة تمثيلهم فى لجنة القواعد بمجلس النواب، وهى لجنة ذات أهمية شديدة، تتمتع باختصاصات واسعة مثل تحديد مشاريع القوانين التى يُسمح بالتصويت عليها، وتحديد الوقت المسموح به لمناقشتها، وأخيرا تعديل صياغة تلك المشاريع بالحذف أو الإضافة. ولذلك يفضل رئيس المجلس عادة على إبقاء هذه اللجنة تحت سيطرته من خلال اختيار أعضاء لها يكونون من النواب الحلفاء له شخصيا. كما قدم مكارثى للمتشددين أيضا وعودا تخدم أجندتهم السياسية، مثل الوعد بعدم رفع سقف الدين العام من دون التقليل من الإنفاق الحكومى.
• • •
من المتوقع أن يعرقل اليمين المتشدد المحافظ الكثير من مشاريع القوانين ولا يسمح بالتصويت عليها من الأساس، وبالذات تلك القوانين التى تتطلب زيادة إنفاق عام أو رفع سقف الدين، الأمر الذى سيتسبب فى تصاعد وتيرة الصراعات سواء بين أعضاء الحزب الجمهورى أنفسهم أو بين أعضاء الحزب الجمهورى ونظرائهم فى الحزب الديمقراطى. فالنواب الجمهوريون التقليديون الذين يتمتعون بقدر ما من الوسطية ويساندون انخراط الولايات المتحدة فى السياسة الدولية، سيصطدمون بالفصيل المتشدد عندما يُطرح أمر زيادة الميزانية الدفاعية للولايات المتحدة هذا العام، فهم يرفضون بشكل قاطع تخفيض الميزانية الدفاعية أو حتى إبقاءها على مستوى ميزانية 2022، وهو أمر يحتج عليه اليمين المتشدد الجمهورى، بل يصر على تخفيضها ويدعو لتقليص دور واشنطن فى العالم بما فيها التزاماتها الدفاعية تجاه حلفائها فى أوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط. كما أن هذا الصراع الجمهورى ــ الجمهورى سيتفاقم أمره عندما يتناوله الإعلام اليمينى مثل قناة «فوكس» الإخبارية ويتدخل فيه الرئيس السابق ترامب، وكبار الممولين للحزب، ويحاولون التأثير على مساره خدمة لمصالحهم المباشرة.
أما عن سعى الحزب الجمهورى بأغلبيته المتصارعة لعرقلة الأجندة التشريعية الخاصة بالرئيس جو بايدن وحزبه فى مجلس النواب، فإن ذلك من شأنه تعطيل الكونجرس إلى حد كبير حتى تظهر نتائج انتخابات عام 2024، لأن الحزب الديمقراطى أيضا سيستغل أغلبية مقاعده فى مجلس الشيوخ لتعطيل الأجندة التشريعية للحزب الجمهورى. وسيشهد العام الحالى معركة سياسية طاحنة حول الموافقة على رفع سقف الدين العام وزيادة قدرة الحكومة على الاقتراض، حيث أعلنت وزارة الخزانة أن الحكومة الأمريكية وصلت بالفعل إلى سقف الدين المسموح به قانونيا الذى تخطى رسميا 31 تريليون دولار، وأن الحكومة ستحتاج إلى رفع سقف هذا الدين أو إلغائه بحلول يونيو 2023، وهو الأمر الذى سيتطلب لا محالة اتفاقا بين الحزبين، وإلا سيحدث إغلاق جزئى للحكومة الفيدرالية وستتعثر فى الوفاء بالتزاماتها ودفع أقساط ديونها، مما قد يُعرض الاقتصاد الأمريكى لحالة من الركود والكساد، وسيكون لكل تلك التطورات آثار مباشرة على الانتخابات المقبلة.
• • •
بالإضافة إلى حالة الجمود التشريعى المتوقعة، فإن كلا الحزبين الجمهورى والديمقراطى سيستغل أدواته المؤسسية كأغلبية فى مجلسى النواب والشيوخ ضد الآخر. فالحزب الجمهورى سيتوسع فى استخدام سلطة مجلس النواب فى إجراء تحقيقات تخص الأداء التنفيذى لإدارة الرئيس بايدن، وبالفعل فقد شكل المجلس الجديد لجنة للتحقيق فى مدى استغلال وزارة العدل وأجهزة الأمن الفيدرالية لنفوذهم وسلطاتهم فى تعقب القوى اليمينية المحافظة المؤيدة للحزب الجمهورى من دون سند قانونى. كما يتم حاليا تشكيل لجنة تحقيق أخرى للبت فى صحة الادعاءات بأن إدارة بايدن تقاعست فى إدارتها لعملية الانسحاب الأمريكى من أفغانستان فى عام 2021، مما أساء إلى سمعة الولايات المتحدة على مستوى العالم. وأخيرا، قد يتم تشكيل لجنة تحقيق ثالثة فى التعاملات التجارية لهانتر بايدن، مع بعض الدول الأخرى للكشف عن حقيقة استغلاله لمنصب والده عندما كان نائبا للرئيس الأسبق، باراك أوباما.
وعلى الجانب الآخر، سيسعى الحزب الديمقراطى، صاحب الأغلبية فى مجلس الشيوخ والبالغ عددهم 51 نائبا من أصل 100، للانتهاء من الموافقة على ترشيحات الرئيس بايدن لتعيين قضاة ليبراليين فى مختلف مستويات السلك القضائى الفيدرالى. وبلغ عدد تلك الترشيحات حتى الآن 148 قاضيا فيدراليا، تمت الموافقة على تعيين 97 قاضيا منهم، وهى أعلى نسبة تعينات قضاة يقوم بها رئيس أمريكى خلال العامين الأولين من انتخابه. كما سيعتمد الرئيس بايدن على قوة قرارته التنفيذية لإنجاز بعضٍ من أجندته السياسية، مثلما قرر فى أغسطس 2022 إعفاء بعض الطلبة الأمريكيين من بعض ديونهم للحكومة الفيدرالية والخاصة بمصاريف تعليمهم الجامعى، الأمر الذى اعترضت عليه بعض الولايات والجمعيات المدنية ولجأت إلى المحاكم الفيدرالية لتعطيله؛ بحجة أن بايدن تخطى سلطاته، حيث إن سلطة الإعفاء من الديون تخضع للكونجرس وليس للرئيس. وعليه، فإن التوسع فى استخدام تلك القرارات سيؤدى فى كثير من الأحيان إلى خصومات قضائية تفصل فيها المحاكم الفيدرالية والمحكمة الدستورية العليا ذات التوجهات المحافظة.
• • •
ختاما، فإنه على الرغم من أن الصراعات الداخلية سمة طبيعية للسياسة فى الولايات المتحدة؛ فإن وقوع تلك الصراعات فى ظل مخاوف عامة من تراجع قيم الديمقراطية، يُنذر بدخول واشنطن فى طور جديد من الأزمات الحادة خلال العامين القادمين، بما قد يوثر على أداء الحكومة الفيدرالية تنفيذيا. وسينعكس ذلك على فاعلية السياسة الأمريكية الخارجية ودعمها لأوكرانيا ضد روسيا، وكلها تطورات ذات تبعات سلبية على موقع الولايات المتحدة كدولة كبرى تهيمن على النظام الدولى.

النص الأصلى:

التعليقات