الصحافة المطبوعة ماتت.. أم تحتضر؟! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الإثنين 2 يونيو 2025 9:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الصحافة المطبوعة ماتت.. أم تحتضر؟!

نشر فى : الجمعة 30 مايو 2025 - 7:35 م | آخر تحديث : الجمعة 30 مايو 2025 - 7:35 م

على مدى يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين شاركت فى أعمال «قمة الإعلام العربى» التى ينظمها منتدى الإعلام العربى فى مدينة دبى. القمة حضرها أكثر من ثمانية آلاف شخص من ٢٦ دولة منهم ٢٠٠ شخصية إعلامية.
وطلاب كليات ومعاهد الإعلام وأكثر من 175 جلسة و300 متحدث، و35 ورشة عمل تخصصية.
وفى اليوم الثانى شهدت توزيع تكريم الفائزين بجوائز الصحافة العربية، وأسعدنى شخصيا فوز الصديق العزيز فخرى كريم ناشر جريدة المدى ومؤسس دار المدى العراقية بجائزة شخصية العام الإعلامية، وكذلك الصديق الكاتب المتميز سليمان جودة بجائزة العمود أو المقال الصحفى.
خلال وجودى شاركت فى جلسة أو خلوة عنوانها «مستقبل الصحافة المطبوعة»، بصحبة مجموعة من رؤساء تحرير الصحف العربية. وأدارها رئيس تحرير الدستور الأردنية الزميل مصطفى الريالات.
من المفارقات أن هناك صحفيين عربا يعتقدون أن المستقبل وردى وملىء بالورود والرياحين أمام الصحافة المطبوعة، والبعض الآخر يلقى باللوم على بعض الحكومات العربية التى لا تدعم الصحف الورقية.
فى مداخلتى قلت بوضوح إن الواقع والتاريخ يثبت أن الإعلام والصحافة سوف يستمران إلى قيام الساعة لكن الفارق الوحيد هو الوسيلة التى تقدم هذا الإعلام.
منذ ظهور الكتابة على الألواح الطينية باللغة المسمارية عام 3600 قبل الميلاد مرورا بابتكار المصريين الكتابة الهيروغليفية 3400 عام قبل الميلاد ثم اختراعهم الورق وانتشار الكتابة وصولا إلى اختراع المطبعة على يد الألمانى يوهان جوتنبرج منتصف القرن الخامس عشر، نهاية باللحظة الحالية، فإن الواقع يقول لنا إن الوسائل متغيرة والمحتوى ثابت ومستمر.
ظهور الصحف الورقية لم يلغ الكتاب، وظهور الراديو لم يلغ الصحف الورقية، وظهور التليفزيون لم يلغ الصحف أو الإذاعة، وظهور الإنترنت لم يلغ كل الوسائل السابقة، لكن المؤكد أن انفجار ثورة المعلومات، قد جعل الصحف الورقية المطبوعة تشهد تراجعات حادة بشكل مخيف، ويكفى أن نعرف أن عدد النسخ التى كانت توزعها الصحف المصرية اليومية عام 1974 بلغ نحو خمسة ملايين نسخة وكان عدد سكان مصر وقتها 43 مليون نسمة، فى حين أن العدد قفز الآن لأكثر من 110 ملايين نسمة، لكن عدد الصحف اليومية المطبوعة أقل من 200 ألف نسخة، والبعض يعتقد أن العدد الفعلى أقل من ذلك.
لكن وللموضوعية فإن مواقع الصحف الورقية على وسائل التواصل الاجتماعى صارت بالملايين.
إذن هناك اتفاق على تراجع الصحف الورقية، وفى الحالة المصرية فإن أحد العوامل الأساسية لاستمرار بعض الصحف الورقية هو أن بعض النخب والشركات والبنوك الكبرى يفضلون الإعلان فى الصحف الورقية، وهو موضوع يتراجع يوما بعد يوم، وحينما تصبح الإعلانات الإلكترونية معقولة فالمؤكد أن المؤسسات سوف توقف طباعة الصحف الورقية، خصوصا أن التقديرات تقول إن تكلفة النسخة الورقية للصحيفة التى تباع بثلاثة جنيهات، تزيد على عشرين جنيها، بسبب ارتفاع أسعار الورق والأحبار بفعل أن معظمها مستورد.
السؤال: هل نبكى على الأطلال ونندب ونلطم لأن توزيع الصحف الورقية يتراجع؟!
الإجابة هى لا، لأن الصحافة الورقية ليست غاية فى حد ذاتها. المهم هو المحتوى الجيد والجذاب، وهو يمكنه أن يصل إلى الناس عبر أية وسيلة.
نعلم أن غالبية الشباب لا يعرف كلمة صحيفة ورقية، وهم يستقون أخبارهم من وسائل ومنصات معظمنا لا يدرى عنها شيئا. وبالتالى فالمفترض أن ما يشغلنا كصحفيين هو أن نجتهد ونتعب فى الوصول إلى القراء حيث هم، من أجل عرض المحتوى الجذاب.
النقطة الأساسية التى كررتها خلال هذه «الخلوة» أنه لا يمكن تصور أى نهوض للصحافة الورقية من دون تواجد الحريات وتداول المعلومات أو على الأقل هامش معقول منها. لكن الزميل والصديق الباحث والكاتب الصحفى المرموق الدكتور ياسر عبد العزيز - وأعتبره من أهم خبراء الإعلام فى مصر والمنطقة العربية - يرى أن الحرية ليست هى الشرط الأساسى والوحيد - لوجود صناعة صحافة متطورة، وقد تناقشت معه مطولا فى هذه النقطة لاحقا.
هو يرى بوضوح أن الصحافة الورقية ماتت، وتنتظر مراسم دفنها.
وحتى لو كان تحليل ياسر عبد العزيز صحيحا فالمهم مرة أخرى هو أننا لا يجب أن ننشغل بالوسيلة، بل بتقديم محتوى متميز ينقل الأخبار الحقيقية ويساهم فى نشر الوعى والاستنارة وليس تكريس الجهل.

 

عماد الدين حسين  كاتب صحفي