هل انتبهوا للشمس فى الصين؟ - محمد المخزنجي - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 5:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل انتبهوا للشمس فى الصين؟

نشر فى : الخميس 30 أغسطس 2012 - 9:40 ص | آخر تحديث : الخميس 30 أغسطس 2012 - 9:40 ص

فى زيارة الرئيس مرسى للصين كان هناك وفد كبير يضم 75 من رجال الأعمال اعتُبِروا من الوفد الرسمى وإن تكرموا بالسفر على متن رحلة خاصة لمصر للطيران على نفقتهم الشخصية، وهذا تقليد حميد بالطبع، لكن غير الحميد أن تكون هذه الزيارة تكرارا لما مضى من توطيد التجارة لا توطين الصناعة، وهى دائرة خبيثة مكثنا نصدر فيها المواد الخام بأقل القليل ونستورد مقابلها البضائع المُصنَّعة بأكثر الكثير، والرخام المصرى مثال زاعق على ذلك. ثم إن هذا التخوُّف حملنى إلى تخوُّف جديد يتمثل فى أن يكون الرئيس ومرافقوه قد ذهبوا إلى الصين ليعودوا منها دون أن يتعرفوا على شمسها الخاصة التى اعتبرها أهم ملمح يعنينا هناك!

 

شمس الصين المعنية هى شمس من شموس الإنسان على الأرض موصولة بشمس الرحمن فى السماء، تسيل لطفا ودفئا بين الأيادى فيغسل برقرقتها ابن عطوف قدمىِّ أمه، تُدثِّر الكبار والصغار حين البرد، وتبنى على أعمدة الشوارع وفى أركان البيوت وتتدلى من السقوف أعشاشها التى تبث النور فى حالك الظلام. وكل هذا تعبير حرفى، لا إنشائى، عن بعض أفضال هذه الشمس المزدهرة الآن فى الصين بسطوع ملفت، والتى يعرض للمحة وجيزة منها الفيديو المرفق بهذا المقال على الموقع الإلكترونى للشروق، ويحمل عنوان «فى الصين، بنكهة الشمس».

 

يبدأ الفيديو بلقطة عامة لجزء من قلب مدينة «ديزهوى» بمقاطعة «شاندونج» شرقى الصين. وداخل أحد بيوت المدينة يحمل رجل ثلاثينى وعاء بلاستيكيا يملؤه بالمياه ليغسل بها قدمى أمه التى تمانع ضاحكة وهو يصر، فتشع بالرضا عنه والفرح الجميل بِبِرِّه، ونسمعها تثنى على الماء قائلة «إنه دافئ ولطيف». عندئذ تنتقل الكاميرا إلى صف طويل منتظم من السخانات الشمسية العاملة بتقنية الأنابيب الزجاجية المفرغة من الهواء، تتراص بجمال فوق صف من أسطح بيوت حديثة خماسية الطوابق، ويعلق عضو بارز ببرلمان الشعب بالمقاطعة متحدثا عن الأهمية القصوى لتطوير هذه «الطاقة الخضراء»، التى تساهم فيها المدينة بأكبر مصنع فى العالم ينتج الجيل الأحدث من السخانات الشمسية، ويخبرنا أن الجزء القديم من المدينة تتزود أبنيته من هذه السخانات بنسبة 90%، بينما الجزء الجديد بنسبة 100%.

 

داخل المصنع العملاق نشاهد خطوط انتاج الأنابيب الزجاجية المفرغة، وتوهجها الخلاب تحت تأثير اللهب الأحمر المزرق الذى يشكلها ويُحكِم إغلاقها، حيث تعمل بمثابة «تورموس» بجدارين بينهما هواء مفرغ، فتدخل أشعة الشمس وتسخن بحرارتها الماء السارى فى قلب الانبوب، فيما يمنع الهواء المفرغ تسرب الحرارة إلى الخارج، ومن ثم تتراكم الحرارة فى الماء حتى يسخن وينتقل بعدها إلى الخزان المعدنى حتى يمتلئ ساخنا، بكفاءة عالية وفى وقت قياسى. ومع استمرار الجولة فى المصنع نسمع أحد شباب العاملين به يتحدث: «لقد اخترت العمل فى صناعة ذات مستقبل باهر وتتناسب مع الأفضل لطموحى المهنى والمعيشى». أما مؤسس المصنع ورئيس مجلس إدارته فيتحدث عن طموح الصين لتغطية 15 إلى 20 % من احتياجتها من الطاقة عن طريق الطاقة الشمسية خلال عشر سنوات. وفى أعقاب ذلك تنقلنا الكاميرا إلى شارعٍ حديثٍ ترتفع فيه الأعمدة الرشيقة بتتابع دقيق، حاملة لوحات الخلايا الكهروضوئية التى تُحوِّل أشعة الشمس مباشرة إلى كهرباء تُخزَّن فى بطاريات أنيقة للعمل فى الليل، فتضىء مصابيح الشارع وتومض بالألوان لوحات الإعلانات.

 

نلاحظ أن الفيديو يحدثنا عن أشكال عديدة لاستثمار الطاقة الشمسية، سواء بالتسخين المباشر للمياه للأغراض المنزلية والصناعية الصغيرة، أو بتوليد الكهرباء عبر الخلايا الكهروضوئية فى نطاقات أوسع، لكنه لم يأت على ذكر الانتاج الضخم للمفاعلات الشمسية العاملة بتقنيات تركيز أشعة الشمس عن طريق مرايا خاصة على بؤر تبخر المياه باندفاع وكثافة تكفيان لإدارة توربينات لتوليد كميات وفيرة من الكهرباء بدون آثار جانبية ضارة بالبيئة والإنسان والأمن القومى كما فى الاحتمالات التى لا يمكن استبعادها فى حالة المفاعلات النووية. ثم إن تقنية الطاقة الشمسية الحرارية المكثفة هذه، ميسرة وهائلة المردود وتعمل بنجاح وأمان فى أكثر من مكان بالعالم، وأعرف أنها مطروقة فى الصين، بتدرُّج، لكن بطموح كبير يتوخى إقامة محطات شمسية لإنتاج الكهرباء قدرة الواحدة منها 1000 ميجا واط، أى ما يماثل قدرة مفاعل نووى، وأولى هذه المحطات الشمسية العملاقة ستدخل حيز الانتاج فى الصين بعد ثلاثة سنوات لتعقبها ثلاث محطات أخرى مماثلة بعد سنوات خمس.

 

فى الفيديو يظهر «لى جيونفنج» نائب مدير معهد أبحاث الطاقة ليقول إن الحاجة لمثل هذا التقنيات الشمسية ستزداد كلما تعرف الناس اكثر على أهميتها، فسخان حديث للمياه بالطاقة الشمسية يشغل مترين مربعين فقط يعنى عدم إحراق 300 كيلو جرام من الفحم (أو ما يعادلها من النفط)، وإذا ضربنا ذلك فى عدد 200 مليون أسرة صينية، فهذا يكافئ الحصول على 50 بليون واط ساعى من الكهرباء مع الاستغناء عن حرق 60 مليون طن من الفحم سنويا، مما يمنع تصاعد ملايين الأطنان من الانبعاثات الكربونية الملوثة للجو والمُفاقمة للانحباس الحرارى، فالغاية هى إنتاج طاقة نظيفة من مصدر متجدد، وهو ما يرتبط بنهاية الفيديو الذى يظهر فيه الرجل الذى رأيناه فى البداية يغسل بمياه مدفأة بالطاقة الشمسية قدمى أمه، بينما يجلس بجوار زوجته الخجلى والأم الراضية والفرِحة بابنها وحفيدها الذى تضمه فى حضنها الرؤوم، ونسمع صوته يقول: «أريد لأجيال المستقبل أن تنعم بسماوات زرقاء ومياه نقية». وأنا أصدقه.

 

أصدق طموح الصينيين لأننى أعرف عظمة ما أنجزوه فى مجال هذه «الطاقة الخضراء»، الطاقة الشمسية، فهم يتسنمون قمة إنتاج السخانات الشمسية العاملة بالأنابيب الزجاجية المفرغة فى العالم، ويسبقون الولايات المتحدة فى إنتاج الخلايا الكهروضوئية، وقد ارتفعوا بكفاءتها إلى 14 % استخلاصا من طاقة الشمس، وهى نسبة واعدة جدا إذا ما تصورنا غزارة الطاقة الشمسية وغناها المذهل الذى يحمل للبشرية فرصة النجاة والكفاية من عوز الطاقة المتفاقم بسبب التحايلات الإقليمية والدولية فى تجارة طاقة الوقود الأحفورى من غاز ونفط وفحم، وخداع الاحتكارات العالمية فى مجال الطاقة النوية. ناهيك عن الانبعاثات الملوثة من إحراق الوقود الأول والمخاطر الهائلة المحتملة من انشطار الوقود الثانى.

 

فى الفيديو قال نائب مدير معهد أبحاث الطاقة إن الصين تطمح إلى تغطية 15 ــ20 من احتياجاتها من الطاقة عبر وسائل استثمار الطاقة الشمسية. ولعل هذا يذكرنا بحديث المسئولين لدينا إبان عواصف انقطاع الكهرباء فى الشهر الماضى عن زيادة الأحمال وفجوة النقص فى الطاقة بنسبة 10 %، ولنقارن بين ما يخطط له الصينيون وبين ما أورده المسئولون لدينا من حلول لم تخرج عن تكرار المعتاد الذى لم يفعل ولن يفعل إلا ترحيل الأزمة لبضع سنوات قادمة مع استحكامها بعد ذلك. أما عن المدينة الصينية المذكورة ونسبة استخدام بيوتها للسخانات الشمسية من الجيل الأحدث والأكثر فعالية بنسبة تتراوح بين 90 ــ 100% وما يمكن أن يخففه هذا من أحمال على الشبكة الرئيسية للكهرباء وحفاظ على البيئة، فهو يذكرنى بأن هناك قانونا يحتم استخدام السخانات الشمسية للمياه فى المدن الجديدة مما يقطع الطريق على سخانات الكهرباء والغاز، لكن هذا لم يتم تفعيله فى زمن الاستغفال والغفلة، فهل انتهى ذلك الزمن؟

 

إننى لا أعرف ما تمخضت عنه زيارة الرئيس والوفد المصاحب له من رجال الأعمال للصين، وأخشى أن تكون فاتتهم رؤية التماعات الصناعات الشمسية الواعدة جدا هناك، والتى نحن أحوج ما نكون إليها وأليق ما نكون بها، مشاركين فى تصنيعها لا مستوردين لنماذجها. ولعلى أذكر بأن مصر بدأت أبحاث الطاقة الشمسية مبكرا جدا وبمواكبة لائقة مع العالم المتقدم حين كان المركز القومى للبحوث محل عناية ورعاية الدولة. ثم تدهورت هذه المبادرة ورأيتها منذ سنوات تكاد تختنق فى العهد البائد عندما حشروا باحثيها وباحثاتها فيما يشبه أكشاك الصفيح والخشب فى زنقة بائسة بفِناء المركز.

 

هناك الكثير من الحقائق المخفية عن عمد فى موضوع الطاقة الشمسية ومنها اقتصاديات ودراسات جدوى هذه الطاقة والتى يشوهها أصحاب المصالح الدولية فى احتكارات الطاقات الأخر ى خاصة الأحفورية والنووية. وآمل أن يكون فى الوفد الرئاسى من لمح بعضا من هذه الحقائق فى البلد الذى هبط كثيرا بأسعار تقنيات الطاقة الشمسية مع تطوير أدائها وكفايتها الانتاجية حتى باتت تنافس بقوة واعدة تقطع بانتصارها فى الأفق القريب. وآمل أن يكون الرئيس نفسه هو من انتبه للنظر بعين الاعتبار إلى هذه الطاقة النظيفة المُتاحة المُستدامة، خاصة وهو أستاذ فى هندسة المواد ويعرف رحابة المستقبل الواعد أمام هذه الصناعة الشمسية مع اكتشافات المواد الجديدة من أشباه البوليمرات والجرافيت النانوى بالغ الدقة. ثم إن دراسته للماجستير كانت فى الطاقة الشمسية. فهل انتبه لذلك السطوع على أرض الصين، وفكر فى نقل قَبَسه إلينا؟

 

محمد المخزنجي كاتب مصري كبير ، وطبيب أمراض نفسية ، ولد في المنصورة ، وعمل في مجلة العربي الكويتية ثم تفرغ ككاتب حر ، يُعتبر من أبرز كتاب القصة في العالم العربي ، وله إسهامات متفردة في الكتابة العلمية وأدب الرحلات والمقال الصحفي .