تعيد وزارة الدفاع الأمريكية حساباتها فى منطقة الشرق الأوسط على خلفية تسارع التطورات فى المنطقة، إضافة إلى تعقيداتها الشديدة التى وصلت لدرجة لم يتخيلها أحد. وتتركز التصورات الجديدة على الاستعداد لمواجهة تهديدات جديدة مختلفة عما عهدته العسكرية الأمريكية فى تاريخها الحديث. ومثل يوم 11 سبتمبر عام 2012 كابوسا لمخططى الاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط. فى هذه اليوم، وتحت دعوات غضب شعبى على خلفية عرض فيلم أساء للرسول محمد، وجدت واشنطن سفارتها فى مصر محاصرة وعلى وشك السقوط فى أيادى متظاهرين غاضبين اقتحموا أسوارها المحصنة. وفى نفس الوقت قتل سفيرها فى ليبيا وعدد من أعضاء بعثتها الدبلوماسية فى قنصلية بنغازى على أيد أعضاء ميلشيات مسلحة. وجرت هذه الأحداث فى ظل انشغال واشنطن فى حربين تقليديين وبقاء ما يقرب من 50 ألف جندى أمريكى فى أفغانستان والعراق.
مخاطر جديدة يراها البنتاجون منها انفلات دولة القانون وضعف سلطة الدول المركزية، وتخطى جماعات العنف الراديكالية لحدود الدول بسهولة، وانتشار تهريب الأسلحة والجريمة المنظمة المتعلقة بالإرهاب الدولى.
ودفعت هذه التطورات البنتاجون لتشكيل قوة تدخل سريع من مشاة البحرية الأمريكية تتخذ من مدينة مورون الإسبانية مركزا لها. وتهدف هذه القوة إلى الوصول للسفارات والقنصليات الأمريكية فى حالات الطوارئ ومناطق التوتر فى غضون ساعات قليلة من تلقى الأوامر بذلك. ولا تتوقع هذه القوات أن تشارك فى عمليات حربية طويلة أو معقدة، بل تهدف أساسا إلى تنفيذ مهام سريعة، أهمها حماية المقار الأمريكية وإخلاء المقار الدبلوماسية عند الضرورة. وجاءت أحداث التوتر فى دولة جنوب السودان الشهر الماضى لتؤكد المخاوف الأمريكية. واضطرت معها واشنطن لإرسال قرابة 150 من مشاة البحرية للمساعدة فى عمليات إجلاء الأمريكيين وتأمين السفارة هناك.
•••
يعد بديل التدخل العسكرى فى صورته التقليدية كما حدث فى غزو أفغانستان والعراق غير مقبول فى وقت تتزايد فيه الدعوات المعارضة لوجود عسكرى طويل الأمد يصاحبه وجود عدد كبير من القوات فى الخارج. وأدت خبرة الحربين، التى لم تنته بعد، ولم ينسحب منهما حتى اليوم آلاف من العسكريين الأمريكيين، للبحث عن بدائل غير تقليدية للتدخل العسكرى المباشر. من هنا جاءت مطالبات عدد من المسئولين الأمريكيين منهم على سبيل المثال وزير الدفاع الأسبق، روبرت جيتس، بضرورة تجنب تورط بلاده فى حرب جديدة فى منطقة الشرق الأوسط، معارضا أى قرار محتمل بتدخل عسكرى فى المنطقة. ويرى جيتس أن «القوة العسكرية الأمريكية منهكة فى الوقت الحالى جراء حربين متتاليتين فى العراق وأفغانستان». ويرى جيتس أنه لم يكن لدى الإدارة الأمريكية فكرة واضحة عما يمكنها انجازه من خلال القدرة العسكرية حاليا. من هنا قد يفهم تداعيات القرار الأمريكى بعدم التدخل فى سوريا والبحث عن بدائل دبلوماسية.
•••
كنت قد كتبت فى تقرير نشر بالشروق بتاريخ 7 يوليو «تقسم وزارة الدفاع الأمريكية العالم لعشرة مراكز قيادة رئيسية، وتقع مصر ضمن دول القيادة المركزية الأمريكية American Central Command - CENTCOM، والتى تأسست فى الأول من يناير 1983 ويقع مركز القيادة فى مدينة تامبا بولاية فلوريدا. وبعد انتهاء أزمة الرهائن فى إيران وبدء الغزو السوفييتى لأفغانستان ظهرت الحاجة لتقوية المصالح الأمريكية فى المنطقة، وأنشأ الرئيس جيمى كارتر قوات الانتشار السريع فى مارس 1980. ثم اتخذ الرئيس رونالد ريجان قرارا بتواجد أقوى فى المنطقة من خلال خطوات لتحويل قوات الانتشار السريع إلى قيادة موحدة دائمة».
وأضفت: «تتألف المنطقة الخاضعة لمسئولية القيادة المركزية الأمريكية من 20 دولة تمتد غربا من مصر إلى بلاد الشام، وإلى شبه الجزيرة العربية (بما فى ذلك دول الخليج)، ووسط وجنوب آسيا حتى باكستان وأفغانستان فى الشرق. وتشكل هذه المناطق موطنا لشعوب يبلغ قوامها نصف مليار نسمة، وتعتنق جميع الأديان الرئيسية فى العالم، وإن مثل الإسلام السنى الأغلبية فيها. وتتحدث هذه الدول أكثر من 18 لغة رئيسية. وتواجه الكثير من دول تلك المنطقة تحديات اقتصادية جمة بسبب التزايد السكانى الذى لا يقابله تنمية موازية، ومن تلك الدول باكستان ذات الـ 184 مليون نسمة ومصر 90 مليون نسمة وإيران 80 مليون نسمة».
وتحتوى المنطقة الخاضعة لمسئولية القيادة المركزية الأمريكية على أكثر من نصف الاحتياطى العالمى المعتمد من النفط ونحو نصف احتياطيه من الغاز الطبيعى. ونتيجة لذلك، تتضمن المنطقة أكثر الطرق التجارية نشاطا فى العالم التى تربط بين أوروبا وأفريقيا، وشرق آسيا والخليج. وتضم هذه المنطقة ثلاثة من المعابر البحرية الرئيسية فى العالم، مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب. لذا تعد العلاقات العسكرية بين القاهرة وواشنطن حجر الأساس للتصورات الأمنية الأمريكية فى علاقاتها بأحد أهم أقاليم العالم.
•••
رغم ما يبدو شكليا من توتر فى علاقات القاهرة بواشنطن منذ إزاحة الجيش للرئيس محمد مرسى، لم يهتز التعاون العسكرى بينهما. ورغم تجميد الإدارة الأمريكية لمعظم مساعداتها العسكرية للقاهرة، واصلت واشنطن تقديم المساعدة فى القضايا التى تخدم الأهداف الأمنية الحيوية لها ولحليفتها إسرائيل خاصة فيما يتعلق بتأمين حدود سيناء ومكافحة الارهاب. ويأمل البنتاجون أن يقتنع الجيش المصرى بالتهديدات المتغيرة والمتجددة التى تواجهها مصر والمنطقة العربية ويغير عقيدته العسكرية. فقد أظهرت البرقيات الدبلوماسية التى نشرها موقع ويكيليكس خلافا، يبدو أنه مازال مستمرا، فى وجهات النظر بين واشنطن والقاهرة بشأن تطوير مهمة الجيش مع إصرار القيادة المصرية على إعداده فى المقام الاول لمواجهة عسكرية تقليدية. واشنطن ترغب فى تطوير الجيش المصرى لتوسيع نطاق مهمته وزيادة تركيزه على التهديدات الجديدة.