الجمود والسيولة فى السياسة المصرية - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 3:20 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجمود والسيولة فى السياسة المصرية

نشر فى : الأحد 31 يناير 2016 - 11:30 م | آخر تحديث : الأحد 31 يناير 2016 - 11:30 م
كل جمود مشروع انفجار مدوٍ.
وكل سيولة مشروع تقلبات مباغتة.
لثلاثين سنة متصلة من حكم الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» عانت السياسة المصرية جمودا فى مؤسسات الدولة باسم الاستقرار.
فى الخمس سنوات التالية لإطاحته عانت نفس المؤسسات سيولة نالت من كبار المسئولين باسم الثورة.
لا جمود المؤسسات أفضى إلى تحصين النظام الأسبق، ولا سيولة التغيير تجاوزت الوجوه إلى مراجعة السياسات.
بعد انقضاء عصر «مبارك» توالى على المقعد الرئاسى أربعة رجال اختلفوا فى كل شىء تقريبا، من حيث طبيعة الشخصية والتوجهات الأساسية لكنهم لم يسعوا جميعا لبناء قواعد دولة ديمقراطية حديثة تستحقها مصر.
أولهم: المشير «محمد حسين طنطاوى» رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى تولى إدارة شئون البلاد وحاز صلاحيات تعيين الحكومات وكبار المسئولين فى الدولة.
وقد أخفقت «المرحلة الانتقالية الأولى» التى قادها فى وضع قواعد دستورية لدولة تستجيب لأهداف الثورة.
باستثناء أنه حافظ على سلامة الجيش فى لحظات سيولة ثورية، فإن الحصاد كان مريرا بتسليم البلد دون دستور إلى جماعة سرية.
وثانيهم: الدكتور «محمد مرسى» الذى كان مرشحا احتياطيا فى الانتخابات الرئاسية لرجل الجماعة القوى «خيرت الشاطر».
وقد فشل بصورة كاملة فى أن يكون رئيسا لكل المصريين وآلت الرئاسة إلى سكرتارية تنفيذية لـ«مكتب الإرشاد» حتى وصلنا إلى (٣٠) يونيو.
وثالثهم: المستشار «عدلى منصور» رئيس المحكمة الدستورية العليا الذى صعد إلى موقع الرئيس المؤقت متحملا مسئولية «المرحلة الانتقالية الثانية» بعد إطاحة الجماعة.
وقد كانت تجربته قاسية بالنظر إلى الإرهاب الذى انفجر فى وجه المجتمع والأعباء السياسية والاقتصادية الجديدة.
ورابعهم: الرئيس «عبدالفتاح السيسى» قائد الجيش الذى صعد إلى السلطة وسط شعبية لا سبيل للتشكيك فيها نظرا لدوره فى إنقاذ البلاد من احتراب أهلى مؤكد.
فى إبريل (٢٠١١) قال ما نصه فى اجتماع مغلق حضره بصفته رئيسا للاستخبارات العسكرية: «كيف نوقف الاندفاع الثورى ونبنى الدولة الجديدة فى نفس الوقت؟».
سؤاله القديم تحديه الرئيسى الآن.
رغم انكسار الزخم الثورى فلم تبن مؤسسات دولة تليق بحجم التضحيات التى بذلت والآمال التى حلقت.
غياب أى عدالة انتقالية ومساءلة جدية لسياسات الجمود الطويل أوقع سبعة رؤساء لحكومات ما بعد «يناير» فى فخ الجمود نفسه بوجوه وصياغات مختلفة.
أولهم: الفريق «أحمد شفيق» الذى عينه الرئيس الأسبق «مبارك» بعد إقالة حكومة «أحمد نظيف» كاستجابة متأخرة لضغط ميادين الثورة ومحاولة امتصاص غضبها.
بعد «مبارك» واصل مهمته بتكليف من خلفه المشير «حسين طنطاوى».
الارتباك الفادح ساد تجربته، فهو بخلفيته السياسية ينتسب إلى النظام الأسبق، وهو بطموحه الإنسانى يسعى لتثبيت أقدامه فى بيئة ثورية.
بين خلفيته وطموحه دخل فى صدامات كانت نتيجتها الطبيعية الخروج من «قصر لاظوغلى».
وثانيهم: الدكتور «عصام شرف» الذى صعد لمنصبه باعتباره «مرشح الثورة» غير أن تعقيدات الموقف أدت إلى مغادرته رئاسة الحكومة وسط شبه إجماع.
وثالثهم: الدكتور «كمال الجنزورى» رئيس الوزراء المخضرم الذى بدا حلا ممكنا لتوازن ما بين متطلبات الدولة شبه المنهارة وحسابات «المجلس العسكرى» مع القوى السياسية المتصارعة.
بدأت المناوشات سريعا مع الجماعة التى سعت لتمثيل يناسب طموحها فى الحكومة.
عندما سيطرت على أكثرية البرلمان بدأت تتطلع إلى إطاحة «الجنزورى» والتفاوض عبر قنوات سرية لصعود «الشاطر» إلى المقعد نفسه.
أطيح بالأول ولم يتمكن الثانى من الصعود.
رابعهم: الدكتور «هشام قنديل» الذى قفز فى أشهر معدودة من منصب مدير مكتب وزير الرى إلى رئاسة الحكومة كلها مع بداية عهد «مرسى».
كان طلب أن تحل مكانه شخصية توافقية مدنية من أهم ما دعت إليه «جبهة الإنقاذ» التى عارضت الجماعة ووفرت الغطاء السياسى لإطاحتها.
المثير أن صلب سياساته لم تختلف فى الجوهر الاقتصادى عما اتبعه نظام «مبارك».
ثمانية وزراء مالية متعاقبون مالوا بدرجات مختلفة إلى إعادة إنتاج جوهر السياسات القديمة.
تقارب على نحو لافت «الليبرالى» و«الإخوانى»، ورجال النظام الأسبق والذين يعادونه، دون أن يفكر أحد فى تغيير السياسات جذريا والالتزام الصريح بقضية العدل الاجتماعى.
هذه مفارقة تستحق فحصها بالتفاصيل والأرقام.
خامسهم: الدكتور «حازم الببلاوى» الذى صعد فى ظروف أكثر صعوبة من أسلافه، فالرصاص يدوى فى الشوارع والإرهاب يعلن عن نفسه.
كانت مهمته الرئيسية أن تقف الدولة على أرض شبه صلبة، غير أنه لم يتمكن كغيره من التأسيس لسياسات تأخذ مصر إلى مسار جديد.
كانت حكومته، بالقياس إلى الحكومات الأخرى، شبه سياسية.
ذلك إنجاز لم يتسن له أن يستمر ويتطور بالتجربة.
سادسهم، المهندس «إبراهيم محلب» الذى غلبته نزعة النزول إلى الشارع والارتباط بالناس ومشاكلهم دون أى رؤية سياسية واضحة يستند عليها هذا النزول.
حاز تعاطفا شعبيا كبيرا عند خروجه من منصبه لم يتوافر لأسلافه بسبب قوة الانطباع العام عن أنه رجل عمل متواضع و«شغال».
وسابعهم، المهندس «شريف إسماعيل» وحكومته تكنوقراطية يصعب عليها مواجهة أى تحديات تحت قبة البرلمان.
الحكومة كما يعترف أركانها لا صلة لها بالسياسة والبرلمان سيولته مزعجة وخبراته السياسية محدودة.
أسوأ احتمال ممكن إعادة إنتاج الجمود لتجنب آثار السيولة الزائدة.
العودة إلى الجمود شبه مستحيلة.
فى عصر الجمود الطويل احتكرت أسماء بعينها مناصب الدولة العليا لأكثر من عشرين سنة امتدت أحيانا إلى ربع قرن.
أيا كان الحكم على مستويات كفاءتها هناك طاقة للإبداع والتجديد تستنزف بمضى السنوات والعقود.
فى آخر عشرين سنة من حكم «مبارك» تولى وزارة الخارجية ثلاثة رجال على درجات مختلفة من الكفاءة هم «عمرو موسى» و«أحمد ماهر السيد» و«أحمد أبو الغيط» بينما تولاها فى سنوات ما بعد «يناير» خمسة رجال آخرون، هم «نبيل العربى» و«محمد العرابى» و«محمد كامل عمرو» و«نبيل فهمى» و«سامح شكرى».
معدلات التغيير غير طبيعية بأى قياس باستثناء تقلبات الثورات.
جرت انقلابات دبلوماسية وفق تغير الرؤساء لا الوزراء.
بصورة أو أخرى تحتاج مصر إلى مراجعة حقيقية فى ملف سياساتها الخارجية تغادر الماضى وتؤسس للمستقبل.
هناك فارق بين ترميم ما تهدم والبناء من جديد.
فى حقيبة سيادية أخرى هناك حاجة أكثر إلحاحا إلى التصحيح والإصلاح وفق القيم الدستورية.
بعد أكثر من خمسة عشر عاما على مقعد وزير الداخلية أطاحت «يناير» بـ«حبيب العادلى» وصعد إلى موقعه خمسة لواءات هم «محمود وجدى» و«منصور العيسوى» و«محمد إبراهيم يوسف» و«محمد إبراهيم» و«مجدى عبدالغفار».
رغم التغيير المتسارع فى الرجال لم تتأسس علاقة جديدة بين الشرطة وشعبها ولا جرت أى عمليات إصلاح فى بنية جهازها تستجيب لمتطلبات العصر.
أى رصد لحجم تغيير الوجوه فى الوزارات الأخرى يصل إلى الاستنتاج نفسه.
التغيير فى السياسات وفق الشرعية الدستورية من مقتضيات أى استقرار حقيقى فى مؤسسات الدولة.