مصر التى فى خاطرى - طارق عبد العال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر التى فى خاطرى

نشر فى : الأحد 31 مارس 2019 - 10:35 م | آخر تحديث : الأحد 31 مارس 2019 - 10:35 م

عنها سأكتب لا لها، هكذا عبر الشاعر الجميل إيهاب البشبيشى عن حبه للوطن، فقال: «فلها الذى ما ليس عندى، والذى عندى لها».
وأنا لكونى من عشاق الوطن، ولكونى ما زلت كالأطفال تنزل دموعى مع الموسيقى الوطنية، وتنتابنى نوبات حرارة مع كل ما يمس الوطن، فأحزن لما يصيبه، وأتألم لما يعتريه من نوبات أو أعراض إخفاق ولو بشكل عرضى فى أى مجال من المجالات، وأهلل فرحا لكل بارقة أمل، وكل نموذج نجاح أو بناء على أرض المحروسة، وحينما أخط بقلمى لأى نقد أو تعريض بحالة سلبية تمر بقطاع أو بأمر من أمور الوطن، فليس هذا سوى تعبير صادق عن مفهومى للانتماء الحقيقى لبلدى، وهو المعنى الذى عبر عنه نفس الشاعر بقوله «فما المنتمى غير أنك تشعر بأنك منهم، فهل أنت منهم؟». وأنا من تراب هذا الوطن وإليه أعود.
فأحزن جدا حين أرى انعكاس ما تمر به بلادى من ظروف اقتصادية على أوجه المواطنين، أو من خلال متابعتى للحوارات داخل المركبات العامة على اختلاف أنواعها «فأنا لست من ملاك السيارات الخاصة»، حيث تعكس الحوارات ما بين المواطنين عن حالة من العوز المالى ملحة، ويستطيع أى شخص أن يستنتج ذلك من الحوارات الدائرة عن ارتفاع الأسعار، وعدم القدرة عن مواجهة الظروف الاقتصادية، أو عدم مقدرة أرباب البيوت عن تلبية متطلبات أطفالهم من بعض الاحتياجات، فتقهرنى دموع مخنوقة بين جفنى رجل طالبه صغيره بشيء لا يستطيع أن يلبيه، ويدمينى حالات داخل مستشفيات لا تستطيع نفقات العلاج أو تدبير ثمن الأدوية غير المتوافرة بداخل المستشفيات الحكومية، ولكن ولكونى محاميا يقتلنى ما تمر به أحوال العدالة داخل أروقة المحاكم، وكأن هناك استماتة على إهدار مفهوم العدل من خلال إجراءات روتينية بغيضة من بعض صغار الموظفين، تأشيرة تلى تأشيرة يليه تقدير رسم، يليها تحصيل، يليها عودة لاستخراج مستند.
هذا بخلاف ما يطلق عليه إكراميات لإنهاء الأعمال، حتى صار ذلك عرفا رسميا، هذا بخلاف الوقت المستهلك فى أمر هين من الممكن أن يتم فى بضع دقائق لا أكثر، لو كانت هناك منظومة مقننة بشكل منطقى، وعلى سبيل المثال، ما جدوى أن يتم عرض طلب لاستخراج شهادة من واقع الجدول أو صورة من حكم فى قضية على بعض المسئولين حتى يسمح بما هو مسموح به قانونا، إذ المفترض أن الأحكام تصدر باسم الشعب، كل هذا بخلاف ما يسمى بقيمة الوقت، وهو من أهم عوامل التقدم، حيث يتم حساب الوقت ضمن حسابات تكلفة أى منتج، لو أخذنا المثال السابق نموذجا لإهدار الوقت فستجد أن تكلفة استخراج ورقة من أروقة المحاكم قد يستهلك على أقل تقدير يوم عمل كامل، فى حين أن هناك بعض الدول الأقل من مصر قيمة وقامة، قد أقامت محاكم متنقلة لخدمة كبار السن والعاجزين، أما استخراج الأوراق وما عدا ذلك من إجراءات قد لا يستهلك بعض دقائق، وليس هناك داعٍ لشغل أعضاء الهيئات القضائية بمثل هذه الأمور الصغيرة.
وللأسف تجد هذا الإهدار المميت للوقت كمفرد من مفردات الإنتاج فى جميع المصالح الحكومية، وإذا ما قارنا ذلك بما يحدث ببعض الدول لا تجد سوى أن كل تلك المسائل قد تمت السيطرة عليها منذ أمد بعيد، ويكفى أنك تستطيع أن تستخرج معظم أوراقك الشخصية من خلال النوافذ الإلكترونية فى دقائق معدودة، وربما من مكان واحد.
***
وتستطيع الدولة بمؤسساتها أن تسيطر على هذا الوضع المخزى، وأن تسلك طريق التقدم فى مثل هذه الأمور، التى تعود انعكاسا على الروح العامة للمواطنين، متى استطاعت أن تخرج من مثل هذه الإجراءات الروتينية، والتى أعلم جيدا أنها خارج نطاق القوانين، ولكن يُقال عنها بالتعليمات الإدارية، التى يستطيع كل وزير أو رئيس مصلحة أو مسئول عن وحدة أن يلغيها بجرة قلم أو بتعليمات شفهية. ولكن هى الدوامة المصرية التى تستهلك الحياة الآدمية دونما هدف.
ولكن تجد الأمور تسير فى نفق مظلم من الدعايات المثيرة عن النجاحات أو التطوير أو مسايرة نهضة الأمم فى أمر من الأمور، ونحن لا نملك منه سوى القشرة السطحية، أو الشكل الخارجى فقط، وإن أردت نموذجا يبكينا جميعا، فلك فى تجربة تطوير التعليم الثانوى ما تستطيع أن تقوله، بعد أن أخفقت الوزارة فى إتمام أول تجربة عملية لإجراء الامتحانات عن طريق أجهزة التابلت، وذلك لكونها تجربة غير مدروسة بشكل جيد، أو غير مخطط لها إعدادا يتناسب مع حجم قيمة التعليم. وآخر مثال للعشوائية ما حدث الأسبوع الماضى، حيث تعطل قطار القاهرة ــ الإسكندرية، موعد السادسة مساءً فى محطة طنطا، على الرغم من كونه مما يطلق عليه قطار رجال الأعمال، ولسوء الطالع كان به احد أصدقائى، والذى حاول أكثر من مرة الاتصال برقم الشكاوى، ولكن لا حياة لمن تنادى، لمدة فاقت الساعة الكاملة.
***
فما العمل إذن؟ هل سنمضى أعمارنا فى استهلاك محطات وخطوات صارت فى بعض البلدان بالية، ونحن نمتلك من العقول ما يستطيع أن يحل مثل هذه المشكلات البسيطة، ويخرج بالمواطنين من أزمات روتينية واهية، إلى رحب الحياة، إلى رحب العمل والإنتاج، إلى رحب التطوير لمستقبل مختلف للأجيال القادمة، تلك الأجيال التى لها على أجيالنا الحالية واجبات كثيرة، أهمها أن نؤهلهم لمستقبل مختلف، أو نعالج على أقل تقدير ممكن بعض ما نواجه من مشكلات، تمهد لهم بدء حياتهم على نحو مختلف ومغاير لما نعانيه نحن، ولا يقف تفكيرنا فى مجرد حلول أو على الوصف الصحيح مسكنات وقتية، ولا نطلقها إلا وراء أزمة مجتمعية نالت من حياة الأمة المصرية، أو من أعمار بعض أبنائنا، وللأسف لا تكون هذه المسكنات حلولا جذرية للمشكلة الآنية، بقدر ما تكون مسكنا وقتيا للأزمة الحاصلة فقط، وهكذا فى كل مناسبة غير سارة يكون الحديث الإدارى.

محام بالنقض

طارق عبد العال باحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية
التعليقات