للحرب أسماء أخرى - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

للحرب أسماء أخرى

نشر فى : الأحد 31 مايو 2015 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 31 مايو 2015 - 8:45 ص

«عاصفة الحزم» كانت المرحلة الأولى من الحرب على اليمن التى جاءت على شكل غارات جوية مكثفة، شاركت فيها أكثر من 185 طائرة، شنتها عدة دول تنتمى لمجلس التعاون الخليجى بالإضافة إلى مصر والأردن والمغرب والسودان وباكستان. تعود التسمية، وفقا لما أعلن، إلى مقولة شهيرة للملك عبدالعزيز آل سعود: «الحزم.. أبو العزم أبو الظفرات. والترك.. أبو الفرك أبو الحسرات»، أى أرادت السعودية أن تبعث برسالة قوية لجيرانها مفادها: الإدارة الجديدة للمملكة لن تتردد فى اللجوء إلى الخيار العسكرى، حان وقت الحزم وذهب وقت الترك. ثم بعدها ودون حد فاصل كانت المرحلة الثانية بعنوان «إعادة الأمل» ربما لتهدئة الرأى العام أو للتعبير عن عدم رغبة البعض فى خوض حرب برية وعن الاستعداد لدفع المليارات بهدف إعادة إعمار اليمن.. لست بصدد تحليل ما حدث بين التسميتين، لكن مجرد ظهور «عاصفة الحزم» جنبا إلى جنب مع «إعادة الأمل» على الشاشات خلال نشرات الأخبار كان كفيلا بأن يحيل الأذهان إلى أسماء أخرى رنانة أطلقت على العمليات العسكرية مثل «عاصفة الصحراء» و«عناقيد الغضب» و«الحرية الدائمة» إلى ما غير ذلك، أسماء كانت تتغير وتتبدل وفقا للمرحلة والمعطيات والظروف، ووفقا لقواعد علم الإتصال وأصول البروباجندا. وإذا كان الألمان هم أول من ابتدعوا تاريخيا إطلاق أسماء كودية على العمليات العسكرية، خلال آخر سنتين من الحرب العالمية الأولى، فكانت تسميات ذات دلالات عقائدية أو ميثولوجية مثل «كاستور وبوليكس» (توءمَى إلياذة هوميروس) أو «رئيس الملائكة»، كان الأمريكان هم من طوروا هذه التسميات واستخداماتها إعلاميا منذ الحرب العالمية الثانية، واتخذ الأمر منحنى مختلف بعد حرب فيتنام (1960 ــ 1975)، ثم كانت العلامة الفارقة مع بداية تسعينات القرن الماضى وحرب الخليج التى شكلت طفرة فى متابعة الحرب على الهواء مباشرة والإعلان عنها لكسب تأييد الرأى العام الدولى.

•••

الاسم يأتى دائما فى مقدمة عملية كاملة من البروباجندا التى تهدف التسويق للحرب الدائرة فى مكان ما من العالم. وهو غالبا يحمل عنوان هذه الحرب أو هدفها كما يحمل فى طياته العديد من الدلالات، رغم الحرص عادة على اختيار ألفاظ ومعان سهلة النطق والحفظ ولها وقع على الآذان، هذا حتى وإن اختلفت المدارس فى الاختيار من بلد لبلد. على سبيل المثال فرنسا تلتزم باختيار أسماء محايدة لا تثير حفيظة الأطراف المتصارعة، وغالبا ما تستوحيها من طبيعة أرض المعركة (اسم جبل، نبات أو حيوان معروف هناك)، كما هو الحال بالنسبة لتدخلها العسكرى فى أفريقيا الوسطى الذى جاء تحت عنوان (Sangaris) وهى فراشة حمراء جميلة وكأن الرسالة تقول «هذه عملية لن تدوم، عمرها قصير كالفراشات، و لن تلحق الأذى بالسكان)... مركز التخطيط والقيادة التابع لأركان الحرب يعمد إلى اختيار أسماء حيادية وبعيدة عن الأيديولوجيا، وفى العمليات الكبيرة تعرض الأسماء على مستشارى الرئيس الفرنسى للبت فى الموضوع. وهكذا ظهرت أسماء مثل (Harmattan) للتدخل فى ليبيا عام 2011 نسبة إلى رياح ساخنة فى غرب أفريقيا و(Serval) لعمليتها فى مالى، وهو نوع من القطط البرية الصحراوية. أما إسرائيل فهى تفضل الأسماء ذات الأصول الدينية، أسماء التوراة فى الدولة العبرية تقابلها مسميات من القرآن والسيرة النبوية تطلقها حماس على الحرب نفسها، أى عملية «عمود السحاب» أطلقت عليها كتائب القسام «حجارة السجيل»، و«الجرف الصامد» حولها القسام إلى«العصف المأكول»، وعملية «الرصاص المصبوب» على غزة تحولت إلى«حرب الفرقان»، فالبعد الدينى مهم جدا لدى الطرفين وهو ما يكسبهما شرعيتهما.

•••

وقد تختلف أيضا التسميات من طرف إلى طرف، وفقا لمنطقه وللتبرير الذى أراده للحرب، فما عرف بحرب الخليج (1991 ــ 1990) سمى أيضا «أم المعارك» من قبل النظام العراقى و«حرب تحرير الكويت» من قبل قوات التحالف، وتوالت الأسماء الأمريكية لعمليات هذه الحرب: «عاصفة الصحراء» و«سيف الصحراء»،... هذه التسميات التى حفظناها عن ظهر قلب تعكس الوضع العام والظرف التاريخى الذى تدور فيه الحروب، ولكنها تشكل أيضا بداية قصة «تسويق الحروب» كما سبق أن ذكرنا وإكسابها شرعية ما. مجرد التأكيد على كلمة «الصحراء» فى العنوان يفيد أنها حرب «نظيفة»، لن تفضى إلى خسائر فى الأرواح أو مصابين، لأنها صحراء خالية من البشر... الضربات الجوية والأسلحة الذكية التى تبدأ القصف عادة كفيلة أيضا فى مفهوم «المعلنين» عن هذه الحرب أن تقلل الخسائر، وتجعل الحرب سريعة، خاطفة، دون تدخل برى قد يجر الجيش إلى مستنقع مثلما حدث فى حرب فيتنام. والدليل على الشفافية ــ فى منطقهم ــ وعلى أن كل شىء تحت السيطرة، هو تحول المواطن إلى متفرج يتابع الحرب على الهواء مباشرة بفضل التقنيات الحديثة وطقس المؤتمر الصحفى المتكرر الذى يعهد إلى شخص متمرس يجيد اللعبة الإعلامية. يتزامن مع كل ذلك خطوات أخرى من التهيئة تبدأ باستثارة العواطف والتنديد بوضع ما (مسكين الشعب العراقى، صدام حسين نكل به تنكيلا، يجب التدخل لإنقاذ البلد والتخلص من قوى الشر). ثم يأتى التصاعد الدرامى (صدام يمتلك القنبلة الذرية وقادر على تدمير نصف إسرائيل، ويظهر على الشاشات من يؤكد ذلك). وفى خطوة ثالثة يتم عرض ماكيت الحرب لتبسيط الموضوع وشرح ما سيتم عمله لتصدير صورة التحكم التام فى الموقف، وكأننا فى لعبة فيديو يتخلص فيها الطيب من الشرير القبيح. يشارك معظم الصحفيين فى اللعبة، لا يكشفون الأكاذيب وغالبا لا يتم عرض الرأى المخالف. بعدها ينشر المتخصصون كلمات الرثاء التى تندد بالوضع على الأرض وقواعد الحرب «الحديثة» والفضائح الإعلامية. النموذج نفسه قابل للتطبيق على العديد من الحروب حولنا، راجع الخطوات والأسماء، قارن، وتذكر أنها ليست فيديو جيم.

التعليقات