للفاسدين.. سلامًا - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

للفاسدين.. سلامًا

نشر فى : الإثنين 31 أكتوبر 2011 - 9:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 31 أكتوبر 2011 - 9:25 ص

فكرت ماذا كان سيحدث لو أن أحد محبى الملك فاروق قد خرج قبل أن تكمل ثورة يوليو 52 عامها الأول ورفع دعوى قضائية ضد إحسان عبدالقدوس يتهمه بالتحريض على الملك المخلوع فاروق. ماذا كان سيفعل الناس؟. ووجدت أنه لم يكن الأمر سيخرج عن اثنين. إما أن يطالب البعض بتحويله إلى الخانكة للكشف على قواه العقلية، أو أن أحد المتحمسين لثورة يوليو كان قد أشبعه ضربا أنساه اسمه، واسم ملكه المخلوع.

 

ولكن عندما فعلها شبيه له فى العام الأول لثورة يناير 2011 ضد عدد من الوطنيين الشرفاء يتهمهم بالتحريض على المنزوع الرئاسة مبارك سارعت بعض الفضائيات إلى استضافة صاحب الدعوى القضائية وأفسحت له المجال لإخراج مكنون حبه وعشقه لمبارك، وحقه فى الدفاع عنه ضد الخارجين عليه.

 

والحقيقة أننى كنت أتعجب لماذا يتبجح أعضاء جماعة (كلنا مبارك) أو (نحن ومبارك ايد واحدة) أو أى جماعة من هذه الجماعات إلى هذا الحد، فهل يأتى لهم الاستقواء من الخارج، كما يقول البعض، من أنظمة وحكام عرب؟ ولكننى أخيرا اكتشفت أن الاستقواء يأتى لهم من الداخل.

 

فهل هناك استقواء يأتى لهم أقوى من تلك الإشارات التى ترسلها حكومة عصام شرف ليل نهار. إشارات بأن الحكومة على استعداد لتوصيل خدمات التغاضى والتفاهم والتصالح إلى منازل الفاسدين، أى تعرض هى من جانبها أنها على استعداد ليس فقط لإغماض عينها عن كل فساد قد حدث فى عهد مبارك. ولكن الأدهى أنها تعتزم إغماض عين القانون أيضا عن كل من أفسد أو مارس بنفسه الفساد فى العهد المباركى. فحكومة شرف بالفعل أرسلت للمجلس العسكرى تعديلا يقضى بوضع مادة «سامة» فى قانون الاستثمار الحالى تجيز التصالح فى الجرائم المتعلقة بالمال العام «تلك الجرائم التى أضرت بأجهزة الدولة، والمحافظات، وشركات قطاع الأعمال العام، حتى فى حالة رفع دعوى قضائية أو صدرت فيها أحكام ضد من يتم التصالح معه».

 

أليس التصالح، والتفاهم، والتغاضى عن الفساد بعد ثورة قامت بالأساس ضد الفاسدين هو الاستقواء بعينه لجماعة (نحن ومبارك إيد واحدة). ولا أعرف بماذا يمكن أن تفسر لنا حكومة شرف، أو المجلس العسكرى، بعد التوقيع على التعديل المقترح فى القانون، الاتجاه إلى وضع يدهم فى يد الفاسدين الذين كانوا سببا رئيسيا فى وصول البلاد إلى حد لم يجد الناس بديلا لديهم سوى الثورة. فى حين أنه فى عهد مبارك نفسه كان البنك المركزى قد انتهى من وضع تعديل يلغى فيه تلك المادة اللعينة (133) من قانونه التى وضعها بعض أعضاء جمعية (كلنا أحمد عز) فى مجلس الشعب التى كانت تسمح بالتصالح مع من ثبت بالحكم القضائى أنه استولى على المال العام. ليس هذا فقط، ولكن كانت تنطبق على من بدأ بالفعل فى تنفيذ حكم السجن عليه، وارتدى البدلة الزرقاء. والمخجل فى تلك المادة اللعينة أن التصالح كان يتم بمجرد توقيع عقد تسوية مع المحكوم عليه حتى قبل أن يكون قد سدد بالفعل.

 

فهل يعقل أنه فى العهد الفاسد كان بعض المسئولين يخجلون من هذا التصالح الفج، فعملوا على ستر عورته. أما فى عهد الثورة فيفتخر المسئولون اننا نجرى تعديلا يتيح التصالح مع الفاسدين، الذين أضروا بالمال العام، وبالشركات التى يملكها الشعب بنص قانونى. وكل ذلك تحت تبريرات شبعنا من سماعها من جماعة «كلنا فاسدون» على مدار ما يزيد على أربعين عاما، وهى عدم تخويف المستثمرين، وجذب رءوس الأموال التى هى على حد توصيفهم «جبانة».

 

وكأننا لا نبغى سوى المستثمر الفاسد. فما الذى يضير المستثمرين الجادين إذا كانت الدولة تحارب الفساد، وترفض أن تضع يدها فى يد الفاسدين؟. وما الذى جنيناه من سياسة الطبطبة على الفاسدين سوى أغذية فاسدة، وصناعة مغشوشة، وأرض منهوبة، وشركات مسروقة، ومسئولين معدومى الضمير.

 

والغريب أنه فى الوقت الذى تضع فيه حكومة شرف تعديلا خبيثا إلى قانون الاستثمار لكى يغمض العين عن اللصوص فى عهد مبارك، نجد المفوضية الأوروبية تقدم تشريعا يلزم الشركات الأوروبية بالكشف عن الأموال التى تقدمها للحكومات فى الدول الفقيرة مقابل الفوز بعقود للاستثمار فى تلك الدول. وذلك من أجل وقف التأثير المالى لتلك الشركات. وتسعى المفوضية من ذلك إلى المساعدة على وجود أنشطة اقتصادية أكثر استدامة. أى أن الدول المستفيدة شركاتها من الفساد فى الدول الفقيرة ترى أن كبح جماح الفساد يوجد بيئة افضل لنشاط اقتصادى طويل الأمد، وليس أنشطة (تيك اوى) تكسب ثم سرعان ما تهرب من البلد.

 

ولكن إذا كان التعديل المقترح لحكومة شرف الغرض منه هو مكافأة كل من سرق شركة، وكل من هرب أموالا، وكل من جرف أرضا، وكل من خرب ذمما، باعتبار أن هؤلاء كانوا سببا مباشرا لقيام ثورة يناير فأهلا وسهلا بالتعديل. ولكن بشرط أن يكون الأمر متسعا لذات المكافأة عند قيام الثورة المقبلة التى لن ننتظرها كثيرا بفعل المكافآت السخية التى ستشجع كل الفاسدين على استكمال مسيرتهم من أجل تقريب يوم الثورة.

 

 

okamal@shorouknews.com

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات