كنا قبل 2020..! - حسن المستكاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كنا قبل 2020..!

نشر فى : الخميس 31 ديسمبر 2020 - 11:05 م | آخر تحديث : الخميس 31 ديسمبر 2020 - 11:05 م

** تأجلت دورة طوكيو الأولمبية، وألغيت بطولات كبرى فى التنس مثل ويمبلدون، ومثل كأس العالم للشباب وللناشئين فى كرة القدم، وأجلت بطولات أخرى فى كل الألعاب. وتوقفت الدوريات الكبرى، ثم عادت بمباريات أشباح، تقام بدون جمهور، ويسمع فيها صوت المدرب وهو يوجه لاعبيه، وصوت كل لاعب وهو ينادى زميله كأنه أنين، وصوت الكرة وهى ترتطم بالأقدام، ويبقى صوت المعلق وحيدا وسعيدا، كأنه يغرد فى سرادق عزاء!
** كانت مدرجات الملاعب ساحات للقاء، وساحات للانفعال، وساحات للفرح وساحات للغضب، وكان ذلك قبل زمن بعيد، قبل عام 2011، ثم غاب الجمهور عن المدرجات ومضت السنين، ونحن نتحدث عن عودة الجمهورالذى لم يعد. وحين عاد بعض الجمهور العام الماضى كانت عودته رسمية، ومرسومة، ومقيدة، لمجالس الإدارات وليس لعموم المشجعين، وبدا هؤلاء الرسميون أنهم يتابعون حفلا لباليه بحيرة البجع على مسرح البولشوى، وليس مباراة لكرة القدم على استاد القاهرة. فلا صياح ولا صراخ، ولا غضب، ولا فرح ولا دفوف ولا أعلام..!
** أين تلك المشاعر والانفعالات؟ أين ذهبت ظاهرة «أل تيفو» فى إيطاليا وفى إسبانيا وفى مدن وملاعب أخرى؟..
** أين ذهبت حشود الجماهير وهم يتدفقون على الملاعب والاستادات فى جماعات، وفى مواكب صاخبة، ويتزاحمون ويتضاحكون ويتظاهرون، ويتندرون ويتوعدون بعضهم. أين ذهب يوم الحمى، يوم المباراة، يوم الكرة ولا شىء غير الكرة. أين ذهب محيط الملعب الذى يصبح فيلما من أفلام فيلينى مليئا بالحياة والحركة والانفعال والضوضاء، مليئا بالغضب والحب والعرق والخوف.. أين ذهب الجمهور فى ملاعب سان سيروفى ميلانو، وماراكانا فى ريو دى جانيرو، وفى آنفيلد فى ليفربول واللوتز فى لشبونة، وهامبدن بارك فى جلاسجو وكوتوكو فى كوماسى، واستروينتز فى مارديل بلانا واستاد الجيش فى برج العرب وبنى عبيد فى دمنهور؟
** حتى ديسمبر 2019 كنا نتعانق ونتصافح كلما التقينا، ونسأل عن الأحوال فى العمل، وفى الأسرة، ونسأل عن أخبار مدارس الأولاد، وعن تمارينهم الرياضية فى أكاديميات النادى، ويتهامس أولياء الأمور عن تأثير الواسطة والمجاملات، ويتباهون بتفوق الأبناء فى الرياضة، وكيف فاز شهير ببطولة الجمهورية للسباحة، وكيف سجلت شهيرة هدفا جميلا فى مباراة فريق النادى ضد فريق سبورتنج. وبعد أيام من 2020 توقفت اللقاءات، وتوقف السؤال عن أحوال العمل والأسرة، وأصبحت الوجوه مخفية خلف قناع لونه أزرق، أو أسود، كئيب والأيدى مغسولة برائحة الكحول، والحديث كله يدور حول المرض وكيف نهرب منه، وكيف طارد بعضنا ولحق به وأصابه، وكيف أصبح الشباب والأطفال الكبار هدفا للفيروس الخسيس الذى لم نعد نعرف شيئا عنه، ونتضارب فى فهم أسراره، كلما مكث معنا شهرا إضافيا..
** قبل يناير 2020.. كان الموسيقار أندريه ريو يجوب مسارح أوروبا المفتوحة والمغلقة، وينثر البهجة بموسيقاه. وسط آلاف المريدين والمعجبين، وكانت المسارح تعج بالجمهور فى كل مدينة وكانت حفلات الأوبرا تجذب عشاقها فى كل مكان، وكانت صالات السينما تتسابق فى عرض أفلام المبدعين، وفجأة بدأت البشرية حربها العالمية ضد أصغر وأحقر وأسفل عدو، يدعى كوفيد 19، وها هو أصبح أبا لابن خسيس مثل يدعى كوفيد 20. وأصبح ماكان وما كنا فيه من بهجة أحيانا حلما من الماضى، وأصبحت المسارح والسينمات والصالات والملاعب والشوارع والميادين والبيوت كأنها مستشفيات، يسمع فيها صوت الصمت، وصوت الأه.. !

حسن المستكاوي كاتب صحفي بارز وناقد رياضي لامع يعد قلمه وكتاباته علامة حقيقية من علامات النقد الرياضي على الصعيد العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة ، واشتهر بكتاباته القيمة والرشيقة في مقالته اليومية بالأهرام على مدى سنوات طويلة تحت عنوان ولنا ملاحظة ، كما أنه محلل متميز للمباريات الرياضية والأحداث البارزة في عالم الرياضة ، وله أيضا كتابات أخرى خارج إطار الرياضة ، وهو أيضا مقدم برنامج صالون المستكاوي في قناة مودرن سبورت ، وهو أيضا نجل شيخ النقاد الرياضيين ، الراحل نجيب المستكاوي.