Soul أن يكون معنى حياتك.. لحظة - اكتئاب ما بعد النجاح - محمد طه - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

Soul أن يكون معنى حياتك.. لحظة - اكتئاب ما بعد النجاح

نشر فى : الخميس 21 يناير 2021 - 12:10 م | آخر تحديث : السبت 23 يناير 2021 - 7:22 م

بعض كتب الطب النفسي بتوصف شكل معين من أشكال الاكتئاب اسمه "اكتئاب ما بعد النجاح" Post-success depression. وهى إن حد يكون بيسعى ويجتهد بكل طاقته علشان يحقق حاجة معينة.. بيعمل كل حاجة علشان يوصل لهدف ما.. بيؤدى كل اللى عليه فى اتجاه معين.. لكنه بمجرد ما يحقق ما يسعى إليه.. وفور أن يصل إلى هدفه.. ويلقى حلم حياته.. يصاب بأعراض اكتئاب غير متوقعة وغير مفهومة.. مايحسش بطعم النجاح.. مايفرحش زى ما كان متوقع (أو ربما يتظاهر بالفرح رغم حزنه).. مايشوفش أى معنى ورا اللى عمله.. يفقد متعة الحياة.. وربما يفقد الرغبة فى الحياة نفسها..

أحد تفسيرات هذا المرض الغريب هو إن عقل هذا الشخص بيكتشف فجأة (بوعى أو بدون وعى) إن كل اللى كان بيجرى وراه ده مش تبعه.. وان سعيه واجتهاده وكفاحه الطويل كان لتحقيق هدف لا يخصه أصلاً.. وانه كان متبنى طريق غير طريقه.. واختيار غير اختياره.. وقرار لا يمت لنفسه الحقيقية بصلة.. وكأنه بعد كل هذه الرحلة (اللى ممكن تمتد سنوات- وربما عمر بأكمله) بيلاقى نفسه أمام سراب.. وكأنه بيكتشف فى لحظة الانتصار.. أنه انتصر لغيره.. لكنه انهزم لنفسه..

ده اللى حصل ل(جو) بالظبط بعد ما أنهى عزفه الجميل فى ليلة طويلة قضاها مع فرقة (دوريثيا ويليامز) الموسيقية.. (جو) قعد طول عمره متصور إن هدف حياته هو إنه يكون عازف بيانو.. بس هو نسي إن ده كان فى الحقيقة هدف حياة والده.. والده اللى كان برضه عازف موسيقى.. واللى وداه -رغم رفضه- لأحد الملاهى علشان يشوف أحد العازفين.. واللى عقل (جو) لم يملك فى هذه اللحظة غير إنه ينصاع لرغبة والده.. ويتبنى حلمه.. ويعجب -بل ينبهر- بهذا العازف.. ويقرر يكون زيه..

مش بس كده.. ده والدة (جو) ماكانتش حابة ان زوجها عازف موسيقى.. لأن ده خلاها تشيل حِمل البيت لوحدها.. تتعب وتشقى وتصرف على أولادها وزوجها نفسه.. واللى كانت شغلته مش بتجيب الماديات المطلوبة.. والدة (جو) ماكانتش حابة اختيار زوجها..

(جو) اختار نفس اللى كان عاوزه والده.. وعكس اللى كانت عاوزاه والدته: سجن جميل.. قضبانه من ذهب..

وفى اللحظة المنتظرة.. (جو) ماحسش بطعم النجاح.. ولا متعة تحقيق الحلم.. ولا نشوة الوصول للهدف.. لأن ده ماكنش نجاحه هو.. ولا حلمه هو.. ولا هدفه هو..

طب وبعدين؟

هانعمل إيه دلوقت؟

استنى بس..

بناء بقى على كل ده.. فيه مشكلة كبيرة أوى بتواجهنى فى ممارستى الإكلينيكية.. وهى إنه يكون قدامى واحد أو واحدة.. ناجح جداً.. مُنجِز جداً.. شاطر فى اللى بيعمله جداً.. لكنه مش مبسوط.. ومش عارف سبب عدم انبساطه.. مش مستمتع بحياته.. ومش لاقى أى تفسير لده.. مش شايف أى معنى لوجوده.. رغم كل اللى هو فيه..

باكون شايف أحياناً -وبوضوح- إن كل اللى هو وصلّه ده مش بتاعه.. وكل اللى هو عمال يجرى وراه لا يخصه.. وكل اللى هو فيه خدعة كبيرة خدعها له عقله.. وهو صدقها.. وعاش بيها..

بسأل نفسي وقتها: هو أنا من حقى أخليه يشوف ده؟ هوأنا من حقى أفكك له اللى قعد يبنيه طول عمره وهو متصور إنه تبعه؟ هو أنا من حقى أفتح عينه على صدمة قوية لهذه الدرجة؟ طبعاً كتب الطب النفسي بتقولنا نعمل إيه.. والأبحاث والدراسات والدوريات العلمية بتدينا طرق وأساليب جيدة للتعامل مع مثل هذه المواقف.. بس صفحات الكتب لا تمسح دموع المتألمين.. وجداول نتائج الأبحاث لا تخفف صدمات الرؤية والانكشاف..

أحياناً بنختار نسيب حد يكمل فى اللى هو فيه -رغم عدم موافقتنا عليه- طالما مش عامله مشكلة..

أحياناً نترك الشخص مغمض العينين -فربما لن يتحمل شدة النور، أو ما نتصور -من جانبنا- أنه نور..

بل إننا أحياناً نغض الطرف عن بعض ما نراه فى مرضانا.. وربما نرفض دعوتهم المستمرة لفتحه والغوص فيه.. رحمة بهم.. مما لا يعلمون..

وقبل كل ده وبعده.. هو مين قال إن موافقتى مهمة.. وان اللى أنا شايفه ده هو النور.. وان رؤيتى وتفسيرى صحيحة من الأساس..

وقتها لا أملك إلا أن أتوجه إلى نفسي.. وأمسك مرآتى.. وأسألنى فى صمت:

هو انت اخترت تشتغل المهنة دى أصلاً ليه؟

العودة لمواصلة القراءة

Soul أن يكون معنى حياتك.. لحظة..

محمد طه أستاذ مساعد الطب النفسي بكلية طب المنيا
التعليقات