كيف توازن الهند علاقاتها بين روسيا والولايات المتحدة؟ - قضايا آسيوية - بوابة الشروق
الجمعة 26 ديسمبر 2025 5:22 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما تقييمك لمجموعة المنتخب المصري في كأس العالم برفقة بلجيكا وإيران ونيوزيلندا؟

كيف توازن الهند علاقاتها بين روسيا والولايات المتحدة؟

نشر فى : الخميس 25 ديسمبر 2025 - 7:30 م | آخر تحديث : الخميس 25 ديسمبر 2025 - 7:30 م

أجرى الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، يومى 4 و5 ديسمبر 2025، زيارة دولة إلى الهند، تُعد الأولى له لنيودلهى منذ أربعة أعوام؛ وذلك تلبية لدعوة من رئيس الوزراء الهندى، ناريندرا مودى. وقد التقى بوتين خلال الزيارة بـمودى، والرئيسة الهندية، دروبادى مورمو؛ حيث تمت مناقشة كافة أبعاد العلاقات الروسية الهندية؛ بهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمتميزة بين الدولتين، فضلا عن تبادل الرؤى بشأن القضايا الدولية والإقليمية الراهنة.
جاءت زيارة الرئيس بوتين للهند، فى ظل حسابات هندية متنوعة، سواء فيما يتصل بالعلاقات الثنائية الروسية الهندية، أم فيما يتصل بعلاقات الدولتين مع الغرب عموما، وواشنطن خصوصا، ويمكن توضيح ذلك فى الآتى:
1. تأكيد متانة العلاقات مع روسيا: ترتبط الهند وروسيا بعلاقات تاريخية وثيقة ترجع بواكيرها إلى الحقبة السوفيتية والحرب الباردة، وتدرجت هذه العلاقات فى قوتها حتى وصلت منذ ربع قرن إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمميزة. كما تنظر نيودلهى إلى موسكو باعتبارها شريكا استراتيجيا موثوقا به فى الوقت الحالى.
2. تعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية مع موسكو: يمكن للهند تلبية رغبة روسيا فى إمدادها بقطع الغيار والمعدات التكنولوجية اللازمة لأصولها النفطية، خاصة فى ظل العقوبات الغربية التى تمنع موسكو من الوصول إلى الموردين الرئيسيين. هذا بالإضافة إلى تطوير التعاون المصرفى والمالى، بما فى ذلك إمكانية إطلاق نظام «مير» للدفع الروسى فى الهند؛ وهى خطوة من شأنها أن تؤدى إلى زيادة تدفق السياحة الروسية إلى الهند.
3. تعزيز التعاون الدفاعى مع روسيا: تعتمد الهند منذ عقود طويلة فى تسليحها بدرجة كبيرة على روسيا. وقد عملت الهند على الاستفادة من الزيارة فى تعزيز علاقاتها الدفاعية مع موسكو، فى ظل حاجتها إلى تحديث الأنظمة العسكرية الروسية التى تمتلكها. كما تُعد مبيعات الأسلحة الروسية للهند أحد المجالات الرئيسية للتعاون الدفاعى والعسكرى بين الدولتين؛ حيث أبدت الهند اهتمامها بالحصول على الطائرات المقاتلة «سوخوى - 57» الروسية الأكثر تطورا، مُقارنة بطائرات «سوخوى - 30» التى تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية.
4. مُقاومة الضغوط الأمريكية: جاءت زيارة الرئيس بوتين للهند، فى وقت شديد الحساسية بالنسبة لنيودلهى؛ إذ تشهد علاقاتها مع واشنطن توترا ملحوظا فى الآونة الأخيرة؛ بسبب مُشترياتها من النفط الروسى بأسعار مُخفَّضة، منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا فى فبراير 2022. والتى ترى واشنطن أنها تسهم فى تمويل الحرب الروسية فى أوكرانيا؛ وهو ما دفع إدارة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، فى أغسطس الماضى، إلى رفع التعريفات الجمركية على معظم الواردات الهندية إلى 50%.
• • •
تمخضت زيارة الرئيس بوتين للهند، عن حزمة من النتائج المُهمَّة التى تصب فى سياق تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والهند فى العديد من المجالات، وذلك فى ضوء توقيع العشرات من الوثائق والاتفاقيات المشتركة، وكذلك البيان المشترك الصادر فى ختام قمة مودى - بوتين. ويمكن توضيح ذلك فى الآتى:
1. تجاهل الضغوط الأمريكية على الهند: عكست نتائج القمة الروسية الهندية إصرار موسكو ونيودلهى على إطلاق مرحلة جديدة لتعزيز التعاون فى كافة المجالات، بما فى ذلك فى قطاعى الطاقة والدفاع وفى المجالات النووية والتقنية. وبدا لافتا تجنب الوثائق التى وقعها الزعيمان الروسى فلاديمير بوتين والهندى ناريندرا مودى، الإشارة إلى الضغوط الأمريكية على الهند لتقليص تعاونها مع روسيا.
2. توقيع حزمة اتفاقيات جديدة: وقَّعت روسيا والهند، خلال الزيارة، سلسلة من الاتفاقيات الجديدة؛ بهدف تعزيز التعاون الاقتصادى والتجارى والاستثمارى فى مختلف المجالات، فضلا عن إقرار الجانبين برنامجا للتعاون الاقتصادى حتى عام 2030؛ بهدف تنويع التجارة والاستثمارات وتحقيق التوازن بينهما.
3. تعزيز التعاون فى مجال الطاقة النووية والفضاء: يُعد قطاع الطاقة النووية أحد المجالات الرئيسية للتعاون بين روسيا والهند. وقد أكدت الدولتان خلال الزيارة اعتزامهما توسيع التعاون فى مجال الطاقة النووية، بما فى ذلك دورة الوقود النووى، وضمان دورة حياة تشغيل محطة الطاقة النووية الهندية «كودانكولام»، فضلا عن أهمية التعاون فى استخدام الطاقة النووية فى الأغراض السلمية، خاصة فى ظل خطط الحكومة الهندية لزيادة توليد الطاقة النووية فى البلاد إلى 100 جيجاواط بحلول عام 2047.
4. تعزيز التعاون الدفاعى والعسكرى: رغم عدم صدور أى إعلان بشأن أنظمة الدفاع الجوى «إس-400» أو طائرات «سوخوى -57» المقاتلة الروسيتيْن؛ فقد اتفق الزعيمان الهندى والروسى على إعادة هيكلة العلاقات الدفاعية لمراعاة مساعى نيودلهى نحو «الاعتماد على الذات»؛ إذ أشار البيان المشترك إلى إعادة توجيه الشراكة نحو البحث والتطوير المشترك، بالإضافة إلى إنتاج منصات دفاعية متقدمة.
• • •
تواجه الهند فى الوقت الحالى إشكالية كبرى فيما يتصل بعلاقاتها الدولية، تتمثل فى استمرار علاقاتها طويلة الأمد مع روسيا، وذلك بالتوازى مع سعيها إلى تعميق تعاونها مع الولايات المتحدة؛ الأمر الذى يجعلها تواجه حسابات معقدة فيما يتصل بموازنة علاقاتها مع كل من موسكو وواشنطن. ويمكن توضيح ذلك فى النقاط التالية:
1. على المستوى الدفاعى والعسكرى: عملت الهند على تحقيق التوازن فى علاقاتها الدفاعية والعسكرية مع موسكو وواشنطن، عبر تقليل اعتمادها الدفاعى على روسيا، فبعدما كانت روسيا تزوّدها بـ70% من أسلحتها، انخفضت النسبة إلى أقل من 40% خلال أربع سنوات.
وعلى الجانب المقابل، اتجهت الهند إلى زيادة اعتمادها الدفاعى على الولايات المتحدة، حيث وقَّعت الهند والولايات المتحدة، فى أكتوبر 2025، على إطار عمل دفاعى تاريخى لمدة 10 سنوات؛ بهدف تعميق التعاون العسكرى بين الدولتين بشكل كبير. كما وقعت الهند مؤخرا صفقة دفاعية مع الولايات المتحدة، بقيمة 946 مليون دولار، لصيانة أسطول طائرات الهليكوبتر من طراز MH-60R Seahawk التابعة للبحرية الهندية، فى خطوة مثلت دفعة كبيرة للتعاون الدفاعى بين نيودلهى وواشنطن.
2. على المستوى الاقتصادى والتجارى: اتجهت الهند فى الفترة الأخيرة إلى تحقيق التوازن فى علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع موسكو وواشنطن. فرغم أن روسيا لا تزال تُزود الهند بنحو 33% من إجمالى وارداتها النفطية؛ فإن العقوبات الأمريكية المتغيرة، ولا سيما تلك التى تستهدف شركتىْ «روسنفت» و«لوك أويل» الروسيتيْن، تُجبر شركات التكرير الهندية على إعادة تقييم عقودها.
وعلى الجانب المقابل، قامت الهند بزيادة مُشترياتها من النفط والغاز الأمريكييْن؛ حيث ارتفعت واردات الهند من النفط الخام الأمريكى إلى 540 ألف برميل يوميا فى أكتوبر 2025؛ وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2022؛ وذلك بهدف إظهار تعاونها التجارى والحد من تعرضها للتداعيات الجيوسياسية المحتملة للعقوبات المفروضة على روسيا.
• • •
لعل نهج التوازن الذى تتبناه الهند فى علاقاتها مع كل من روسيا والولايات المتحدة؛ يتضح فى سياساتها ومواقفها المتوازنة فى إطار الآليات الدولية متعددة الأطراف، والتى تضم فى عضويتها الدولتين، وخاصة مجموعة «بريكس» وتحالف «كواد»، والذى يضم فى عضويته الهند واليابان وأستراليا والولايات المتحدة.

ففى الوقت الذى تحافظ فيه الهند على مشاركتها الفعالة فى مجموعة «بريكس»، والتى تضم فى عضويتها روسيا، ولا تضم الولايات المتحدة، محافظةً على الحوار ضمن أطر مُتعددة الأطراف بديلة وغير غربية؛ فإنها تحرص، فى الوقت ذاته، على التعاون والحوار مع الولايات المتحدة ضمن الأطر متعددة الأطراف، ومنها تحالف الحوار الأمنى الرباعى «كواد».
واتصالا بما سبق، فقد مثَّلت زيارة بوتين للهند اختبارا لقدرة نيودلهى على الموازنة فى علاقاتها بين روسيا والولايات المتحدة؛ إذ وجهت الزيارة رسالة قوية لواشنطن بعدم خضوع الهند للضغوط الأمريكية للتخلى عن روسيا بفرض رسوم جمركية عقابية على شراء النفط الخام الروسى. ومن جانبها، تؤكد روسيا أن تعاونها مع الهند لا يستهدف إلحاق الضرر بأى طرف آخر، فى إشارة ضمنية إلى الولايات المتحدة؛ وهو يهدف إلى حماية المصالح المتبادلة لموسكو ونيودلهى.
وفى التقدير، يمكن القول إن زيارة بوتين للهند تدشِّن مرحلة جديدة فى العلاقات بين نيودلهى وموسكو، ترتكز على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما، وتوجه الدولتين نحو تفعيل دورهما ونفوذهما فى مواجهة الضغوط الأمريكية عليهما، من خلال تأكيد الهند سياسة الاستقلال الاستراتيجى فى الموازنة فى علاقاتها مع القوتين الدوليتين الكبريين؛ بما يحقق مصالحها الوطنية وعدم الخضوع لإملاءات واشنطن.
فيما تعمل موسكو على تعزيز دورها ونفوذها فى جنوب آسيا بتفعيل علاقاتها مع قوة اقتصادية وجيوسياسية مهمة وهى الهند؛ وهو ما يؤكد أن تنامى العلاقات بين الهند وروسيا خطوة مهمة فى إطار بناء علاقات دولية متعددة الأقطاب فى مواجهة محاولات واشنطن للهيمنة على النظام الدولى.

مجموعة كُتاب
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/y6m5jc6d

قضايا آسيوية قضايا آسيوية
التعليقات