ضعف الإنتاجية وليس الخروج من الاتحاد الأوروبي هو أخطر ما يهدد اقتصاد بريطانيا - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 11:26 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضعف الإنتاجية وليس الخروج من الاتحاد الأوروبي هو أخطر ما يهدد اقتصاد بريطانيا

د ب أ
نشر في: الخميس 7 فبراير 2019 - 12:34 م | آخر تحديث: الخميس 7 فبراير 2019 - 12:34 م

في خضم الجدل الدائر حول تنفيذ قرار خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، لم يلتفت كثيرون إلى قرار إحدى الشركات إغلاق مصنع لإنتاج "رولمان بلي" يقع على بعد 95 ميلا (152 كيلومتر) غرب العاصمة لندن.

وإغلاق مصنع "ستونهاوس" سيؤدي إلى فقدان 185 وظيفة في هذه المنطقة، كما تقول آلاف الشركات الأخرى إنها قد لا تتمكن من البقاء في بريطانيا بعد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي.

وفي ديسمبر الماضي، وفي ظل ضجيج سياسي حاد في بريطانيا، أعلنت شركة صناعة السيارات اليابانية "نيسان موتور" إلغاء خطة إنتاج طراز جديد من سياراتها في المملكة المتحدة.

وذكرت وكالة "بلومبرج" للأنباء أن شركة "إس.كيه.إف" السويدية لصناعة "رولمان بلي" أو (البلي الدوار) قررت وقف الإنتاج في مصنع "ستونهاوس" في عام 2021، مشيرة إلى خطر يواجه الاقتصاد البريطاني حاليا، بغض النظر عن مصير قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وهو ضعف الإنتاجية في بريطانيا. في الوقت نفسه، فإن حالة الغموض التي تحيط بمصير العلاقة مع الاتحاد مستقبلا دفع الشركات إلى توخي الحذر بشأن الاستثمار في بريطانيا، وهو أمر مطلوب بشدة لتحسين الاقتصاد.

وكانت مشكلة ضعف الإنتاجية في بريطانيا حاضرة على جدول أعمال الساسة ومسؤولي الشركات وصناع السياسة النقدية في البنك المركزي لفترة من الوقت، لكنها أصبحت الآن أشد إلحاحا: فالشركات تنظر إلى مستقبل خارج السوق الأوروبية المشتركة في الوقت الذي تحاول فيه رئيسة وزراء بريطانيا "تريزا ماي" تمرير اتفاقها للخروج من التكتل عبر البرلمان البريطاني. والآن تواجه الشركات في بريطانيا خيار: التحديث أو الموت.

والمشكلة ليست في أن العمالة في بريطانيا لا تعمل بالجهد الكافي وإنما لأنها لا تعمل بطريقة ذكية بما يكفي لزيادة الإنتاجية. ففي المتوسط، كان عدد ساعات العمل بالنسبة للعامل الفرنسي في 2017 أقل بنسبة 10% من العامل البريطاني، لكن إنتاجية العامل الفرنسي كانت أعلى من نظيره البريطاني بدرجة ما.

وقالت "إس.كيه.إف" السويدية إنها قررت إغلاق مصنعها في "ستونهاوس" ببريطانيا ونقل نشاطه إلى مصانع في إيطاليا أو فرنسا حيث يمكن للشركة "تحقيق استخدام أفضل للآلات وتقنيات التصنيع الأحدث".

وتشير بيانات "الاتحاد الدولي للإنسان الآلي" وهو منظمة صناعية معنية بنشر المعدات الآلية للتصنيع، إلى أن بريطانيا متأخرة عن نظيراتها في العالم في مجال استخدام الإنسان الآلي (الروبوت) في الصناعة. فمن حيث كثافة استخدام الإنسان الآلي، والتي تقاس بعدد الروبوتات المستخدمة لكل 10 آلاف عامل، جاءت بريطانيا في المركز 22 على مستوى العالم، في حين احتلت ألمانيا المركز الثالث، وهو ما يكشف حجم التحدي الذي يواجه طموحات أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي، بشأن تعزيز وضع بلادهم على الساحة العالمية.

ويمكن ملاحظة الأضرار الناجمة عن تخلف بريطانيا في هذا المجال من خلال مؤشرات الإنتاجية، بحسب ما نقلته "بلومبرج" عن "رام رامامورثي" الباحث والمشرف على رسائل الدكتوراه بمركز أدنبرة للإنسان الآلي، في اسكتلندا.

وقال "رامامورثي" في تصريحاته: "إذا أرادت بريطانيا منافسة نظيراتها التي تستثمر في التكنولوجيا الحديثة، علينا القيام بذلك نحن أيضا.. لم نصل إلى نقطة اللا عودة، لكن الأمر سيحتاج إلى جهد مستدام لكي نعيد الأمور إلى المسار الصحيح وهذا لن يحدث بين عشية وضحاها".

يذكر أن معدل نمو الإنتاج لكل ساعة عمل في بريطانيا يعد من أقل المعدلات ضمن أعضاء مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي تضم إلى جانب بريطانيا، الولايات المتحدة وفرنسا واليابان وكندا وإيطاليا وألمانيا. وخلال الفترة بين عامي 2010 و2015، لم يتجاوز معدل نمو إنتاجية ساعة العمل في بريطانيا 2ر0% سنويا وهو ما يقل كثيرا عن متوسط معدل النمو طويل المدى خلال الفترة من 1970 إلى 2007، كما يقل كثيرا عن معدل النمو في فرنسا وألمانيا. وهذه النقطة أصبحت ذات أهمية كبرى لأن شركة "ماكينزي" للاستشارات الإدارية ترى أن حوالي 90% من النمو الاقتصادي في المستقبل سيتحقق عبر تحسين الإنتاجية من أجل الحفاظ على متوسط معدلات النمو المعتادة.

وبحسب شركة الاستشارات، فإن "بعض الخسائر بالنسبة للاقتصاد البريطاني لا يمكن تجنبها، حتى لو ظلت بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي. الفارق بين توقعاتنا لإجمالي الناتج المحلي المحتمل قبل الاستفتاء (على الخروج من الاتحاد الأوروبي) وتصورنا حاليا لاتجاهات نمو إجمالي الناتج المحلي منذ التصويت، بلغ 4ر1%. ويمكن إرجاع ثلث هذا الفارق إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في حين يعكس الثلثان الآخران استمرار ضعف الإنتاجية".

ويعود ضعف الانتاجية في بريطانيا جزئيا إلى أن سوق العمل البريطانية أكثر مرونة. ففي أعقاب الأزمة المالية العالمية التي تفجرت في خريف 2008، لجأ كثير من الشركات في البلاد إلى التوسع في التوظيف، مستفيدة من سهولة الحصول على عمالة رخيصة أغلبها قادمة من دول شرق أوروبا الفقيرة، الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل بولندا.

ولم يؤد هذا إلى تعاف اقتصادي يستند إلى استثمار ضعيف فحسب، مع تراجع الإنفاق على مجالات مثل تحديث المعدات، وإنما إلى تعاف يمكن أن يصبح غير مستدام إذا نجحت حكومة تريزا ماي في سعيها إلى الحد من حرية استقرار العمال من دول الاتحاد الأوروبي في بريطانيا.

ويقول مؤيدو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي إن الإنتاجية يمكن أن تتحسن لأن الشركات لن يظل في مقدورها الاعتماد على العمالة الرخيصة وستضطر إلى الاستثمار في أنظمة العمل الذكية والإنسان الآلي.

ويقول "دين ترنر"، المحلل الاقتصادي لدى مؤسسة "يو.ي.إس لإدارة الثروات"، إن "الإنتاجية ستظل القضية رقم واحد بالنسبة لبريطانيا على المدى المتوسط.. ويجب أن ينصب تركيز الحكومة والسياسة الصناعية على هذا الموضوع إذا كان لبريطانيا أن تتغلب على التداعيات السلبية للخروج من الاتحاد الأوروبي".

وبحسب "آندي هالدين"، كبير المحللين الاقتصاديين في بنك إنجلترا المركزي، ليس العمال القطاع الوحيد الذي يواجه مخاطر تراجع الاقتصاد. فالشركات المملوكة للأجانب تتمتع في المتوسط بإنتاجية ضعف إنتاجية الشركات التي تعتمد على السوق المحلية. وهذا يؤكد أهمية الانفتاح على التجارة الخارجية والاستثمار الخارجي.

وكان بنك انجلترا المركزي خفض العام الماضي توقعاته بشأن نمو الإنفاق الاستثماري للشركات في بريطانيا إلى صفر في المئة، وفسر "هالدين" هذا الوضع بأن الشركات قررت "إيقاف" خططها الاستثمارية انتظاراً لوضوح الرؤية.

يأتي ذلك فيما أشار تقرير اقتصادي صدر يوم الثلاثاء الخامس من فبراير الحالي إلى أن الاقتصاد البريطاني يواجه خطر الجمود، بعد جمود قطاع الخدمات، مع تزايد قلق الشركات بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي. فقد تراجع مؤشر مديري مشتريات قطاع الخدمات في البلاد خلال يناير الماضي إلى أقل مستوى له منذ عامين ونصف العام، بحسب تقرير مؤسسة "آي.إتش.إس ماركيت" وهو تراجع يزيد بشدة عن توقعات المحللين.

ويقول "بنجامين كريج" المتخصص في موضوعات الضرائب ذات الصلة بالأبحاث والتطوير في مؤسسة "أيمنج" للاستشارات إن بداية جديدة في مجال الإبداع ربما تكون قوة الدفع التي تحتاجها الشركات والحكومة في بريطانيا.

وقال "كريج" في تصريحات صحفية: "نحن متأخرون عن منافسينا الرئيسيين، وهما ألمانيا وفرنسا. هذا موقف خطير قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذا ما أردنا أن نظل اقتصادا تنافسيا.. في الوقت نفسه، من المحتمل أن نرى صحوة في مجال الأبحاث والتطوير بعد الخروج، في ظل زيادة استقلالنا في الإجراءات التي نتخذها".

ومهما يحدث، فإن الوقت تأخر جدا بالنسبة لمصنع "ستونهاوس".

وفي ثلاثينيات القرن الماضي، ثم خلال الحرب العالمية الثانية، كان المركز يتمتع بميزة أنه خارج مدى القاذفات الألمانية. والآن فإن شركة صناعة السيارات الفارهة البريطانية "رولز رويس" هي أحد عملائه الأساسيين. وقد قررت الشركة التوقف تدريجيا عن استخدام إنتاجه لصالح منتجات أخرى من شركة "إس.كيه.إف" في مصانع أحدث وأكثر مرونة في إيطاليا وفرنسا.

وقال "ثيو كيلبرج"، المتحدث باسم الشركة السويدية إن استراتيجية "إس.كيه.إف" تتجه نحو تجميع مصانعها في العالم وتقليل عددها البالغ حاليا نحو 80 مصنعا، وبالتالي، لا توجد علاقة بين قرار غلق مصنع "ستونهاوس" وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقد افتتحت الشركة مصنعا يعمل بطريقة آلية على نحو كامل في فرنسا يوم 21 يناير الماضي، وذلك لإنتاج المكونات التي تستخدمها شركة "سافران" لمحركات الطائرات.

ويقول "نيك بيلي"، المسؤول الإقليمي في نقابة "يونايت" العمالية ببريطانيا، إن عمال مصنع "ستونهاوس" يشعرون منذ وقت طويل بأنهم لم يعودوا أولوية لدى الشركة، مضيفا: "إنهم يقولون إن الكثير من المعدات والآلات (في المصنع) قديمة للغاية. وبدون استثمارات، كيف يمكننا جذب أعمال جديدة؟".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك