آراء متباينة ومواقف متحولة وقرارات متغيرة، وفوق كل هذا لهجة مختلفة من الحديث مع الشعب المصرى، هذا هو حال الإخوان المسلمين، ما بين التعاطف والمشاركة فى جميع مطالب الثورة، إلى التساؤل: «على من يثور الشعب؟» والتعالى على من كانوا شرارة الثورة التى كانت سببا فيما وصلت إليه الجماعة من أغلبية برلمانية كانت بالنسبة لها حلما بعيد المنال، ومن موقع المعارضة إلى مقعد السلطة.
«الشروق» وضعت مواقف الجماعة وآراءها وقراراتها المتباينة على مائدة الخبير النفسى، محمد المهدى، الذى لخص حال الجماعة ومواقفها بأنها «وقعت فى الفخ».
يقول المهدى: إن التركيبة النفسية لجماعة الإخوان المسلمين ظلت لأكثر من ثمانين عاما تعانى من الإقصاء والاستبعاد والوصم والتنكيل والاستضعاف وتحلم بالتمكين والوصول إلى الحكم ليس فى مصر وحدها بل فى العالم كله فى صورة خلافة إسلامية، فرغم أن الحلم بالحكم والطموح له ليس عيبا، لكن اللهفة على تحقيق هذا وذاك، تجعل الإدراك يركز على نقطة الوصول فلا ترى العين الكمائن والحفر والمطبات على الطريق ولا تسمع الأذن صيحات التحذير.
وأوضح المهدى أن هذه التركيبة النفسية كانت سببا سهلا فى يد أى جهة أو جماعة سياسية لتنصب فخا للجماعة لضمان إضعاف تأثيرها وقوتها وهو ما حدث بالفعل دون أن تنتبه إليه جماعة الإخوان التى وقعت بالفعل فى الفخ أكثر من مرة عقب الثورة، أولها كان الاستعجال فى قطف ثمار الثورة قبل اكتمالها وقبل نضجها، وتراجعهم عن حضور أغلب المليونيات التى تلت سقوط النظام، بعد أن اطمأنوا للتعامل مع العسكر، وهو ما أدى إلى وقوعهم فى فخ الاستحواذ، حيث تغيرت التصريحات من المشاركة إلى المغالبة ومن 30% مشاركة بحد أقصى فى انتخابات البرلمان إلى 50% أو أكثر، وسادت الجماعة حالة من الغرور بالنصر وبالأغلبية والتمكين والسيطرة فانفتحت الشهية لما هو أكثر، وكان طمعهم فى تشكيل الحكومة ولتحديد من هو الرئيس والسيطرة على كل شىء.
يقول المهدى إن أساسيات علم التنمية البشرية تقول إن إحدى العادات السبع للشخصيات الناجحة هى «أن تكسب وتدع الآخرين أيضا يكسبون»، لأنك لو حرصت على أن تكون الرابح الأوحد فسيتآمر عليك الجميع، لكنه ظل الدرس الذى غاب عن جماعة الإخوان المسلمين فهمه وتطبيقه.
يوضح المهدى أن استغراق الجماعة فى العمل السياسى كان فخا آخر نصبته لنفسها، فرغم تأكيدهم أن الإخوان جماعة دعوية تربوية دينية فى الأساس، فإن الاستغراق فى العمل السياسى لدرجة هائلة وإعطاءه الأولوية القصوى فى الوعى الإخوانى، كان سببا فى تغيير سلوك قيادات الجماعة الذى أصبح يتسم بـ«النفعية» والمناورات السياسية والصفقات والتكتيكات والاستقطابات والتمويهات والتبريرات والإخفاءات وهو ما كان سببا فى فقد الثقة فى وعودهم.
وعن الجدل الأخير المثار حول قرار الجماعة فى خوض انتخابات الرئاسة بمرشح يمثلها، يوضع المهدى أن هذا القرار كان فخا آخر، حيث وضعت الجماعة نفسها وقواعدها فى مأزق يهدد تماسكها، حيث بات القرار يشكل نوعا من التوترات والشروخ الداخلية بين أعضائها الذين يجدون أنفسهم فى صراعات بين قناعاتهم بالشخص المرشح للرئاسة وبين حسابات القيادة وتوجهاتها.
شعار الجماعة
يضيف المهدى: يبدو أن الشعار الإخوانى (المسكون بمعنى الصراع الدينى المسلح) مخالف لنبرة المرشد السلمية والمتسامحة والتوافقية والإنسانية، إذ إن وجود السيفين يعلن عن فكرة الصراع بالقوة، ويؤكد ذلك كلمة «وأعدوا»، وربما كان هذا الشعار متوافقا مع الفترة التى تم اختياره فيها (فترة استعمار وحروب مسلحة وسقوط الخلافة الإسلامية)، أما الآن وقد تغيرت الظروف والأحوال، وأصبح التعايش السلمى هو القيمة المقدرة من كل شعوب الأرض، فقد أصبح الشعار صادما خاصة للعين الأجنبية.
التحليل النفسى للمرشد: رغم سماحته الظاهرة لا تطمع فى طيبته .. ورغم عدالته المعلنة لا تطمع فى فضله .. ورغم تدينه لا تستشعر بسهولة روحانيته
فى عهده، حققت الجماعة أحلامها التى ظلت تراودها لمدة ثمانين عاما، بالتمكين واكتساب الشرعية وتحقيق الأغلبية البرلمانية.. هو المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع.
لم يختر بديع أن يكون المرشد الأكثر حظوة فى تاريخ الجماعة، ولا توقع هذا، فالثورة التى فاجأته مثلما فاجأت الجميع، أهدت له مصر على طبق من الذهب، والشجرة التى رواها أكثر من ألف شهيد وآلاف المصابين بدمائهم وأحلامهم، نضجت ثمرتها، لتسقط طرية فى حجر المرشد.
«الموضوعية التنظيمية» هى مفتاح شخصية بديع، كما يراها الخبير النفسى، محمد المهدى، فهو لا يبدو كشخصية كاريزمية جماهيرية ساحرة، ولا يقحم شخصه بقدر ما يعبر عن أفكار ورؤى وخطط الجماعة التى يمثلها.
يستعيد المهدى الحوار الذى أجراه المرشد مع الإعلامى وائل الإبراشى، فى فبراير من العام الماضى، ليتمكن من تحليل شخصيته، خاصة أنه قليل الظهور إعلاميا، فيراه «يوارى فى كلماته صورة الجماعة من المشهد ليبدو كمواطن مصرى مهموم بأحوال مصر، وربما حاول ذلك أيضا مصممو ديكور اللقاء ولكنهم لم ينجحوا، حيث بدا علم مصر مع علم الإخوان فى الخلفية، ولكن الثانى ظهر فى المقدمة ويطغى على جزء كبير من علم مصر، وربما يعكس هذا الوضع ترتيب الأولويات فى الصورة، لاستباق ما هو إخوانى على ما هو مصرى».
يضيف المهدى أن قراءة شخصية بديع من خلال التعبيرات اللفظية تظهر وضوحا فى الرؤية تجاه القضايا المطروحة مما يجعل إجاباته محددة ومؤكدة، وذلك يعكس عقلية موضوعية وتنظيمية عالية يكمن خلفها حالة من اليقظة والانتباه لكل شاردة وواردة فى الحديث، كما أن عباراته تتميز بالدقة الشديدة وبالعقلانية، فهو لا يستدرج فى مناطق انفعالية توقعه فى الخطأ (كما كان يحدث مع السيد مهدى عاكف حين كان يستفزه الإعلاميون فيعبر بتلقائية انفعالية بريئة وربما مندفعة توقعه فى المشكلات).
ويصفه المهدى بـ«الشخصية المتحفظة دائما»، ويستطرد: «وكأنه أمام محقق ولا يريد أن يتورط فى اعتراف يدينه أو فى تعبير يجلب له المتاعب، ويبدو أن حياته فى السجن وفى ظل الظروف الأمنية الصعبة التى عاشها الإخوان قد علمته الحذر والحيطة واليقظة والانتباه، وأن يغلّب العقل ويضبط عواطفه وربما يقمعها، ومن هنا تبدو الحسابات الدقيقة وراء كل لفظ وكل تعبير وكل ابتسامة، وربما تحد هذه الحسابات من تلقائية الشخصية ومن الكاريزما الشعبية ولكنها تضمن الأمان وعدم الوقوع فى الخطأ».
«ورغم ثقته الواضحة بنفسه إلا أنه حريص على أن يبدو متواضعا طول الوقت»، هذا يدلل عليه المهدى بحرص المرشد على ألا تفلت منه عبارة تعكس الزهو بالتفوق البرلمانى أو التعالى بالمكاسب السياسية التى تحققت للإخوان عقب الثورة.
«على الرغم من سماحته الظاهرة فإنك لا تطمع كثيرا فى طيبته، وعلى الرغم من عدالته المعلنة فإنك لا تطمع كثيرا فى فضله، وعلى الرغم من تدينه فإنك لا تستشعر بسهولة روحانيته، فالمسألة فى النهاية محسوبة بدقة طبقا لمعايير الحقوق والواجبات»، هكذا يلخص المهدى شخصية بديع.