يحيي العالم، يوم السبت المقبل، اليوم العالمي للطيور المهاجرة لعام 2019 تحت شعار "حماية الطيور: كن حلا للتلوث البلاستيكي"، حيث يتم تسليط الضوء على التأثير السلبي للتلوث البلاستيكي على الطيور المهاجرة وموائلها، والذي بات تراكمه وباء عالميا وتهديدا رئيسيا للطيور في جميع أنحاء العالم؛ نظرا لأنه يتم إنتاج 8.3 مليار طن متري من البلاستيك منذ طرحه في الخمسينيات، 91% منها لا يعاد تدويره، ويتم التخلص منه كنفايات تتراكم في مدافن النفايات والبيئة الطبيعية.
وقد بدأ إحياء اليوم العالمي للطيور المهاجرة في عام 2006، وهو عبارة عن حملة سنوية يتم فيها إطلاق أنشطة توعوية تسلط الضوء على ضرورة حماية الطيور المهاجرة والبيئة التي تعيش فيها حول العالم.
وكشفت دراسة واسعة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، أن معظم النفايات موجودة على اليابسة، ولكن الواقع والدراسات والبحوث تفيد بأن أغلب كمية النفايات البلاستيكية ينتهي بها الأمر إلى مياه البحر والمحيطات، فآلاف الأطنان من بقايا الزجاجات والحقائب والأغلفة والأكياس تستقر في بطون الأسماك والطيور والسلاحف والحيتان.
وتعتبر البقايا البلاستيكية الظاهرة على السطح ليست سوى جزء صغير للغاية من هذه النفايات، فالأدهى والأمر هو الجزيئات البلاستيكية متناهية الصغر التي تغوص في القاع وتأكلها الأسماك وغيرها من حيوانات الحياة البحرية وينتهي بها الحال إلى أطباقنا اليومية.
وأكدت دراسة واسعة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة أن الجزيئات البلاستيكية الصغيرة التي تتسبب فيها الأقمشة الصناعية وإطارات السيارات تلوث البحار بشكل واسع لم يكن معروف الأبعاد بهذا الشكل من قبل.
وقالت "إنغر أندرسن" مديرة الاتحاد ومعدو الدراسة، إن هذه الجزيئات التي لا يتجاوز حجم الواحدة منها بضعة مليمترات يمكن أن تمثل ثلث النفايات البلاستيكية في البحار.
وحسب الاتحاد، فإن تقديرات إجمالية تذهب إلى أن نحو 9.5 مليون طن من البلاستيك تلقى سنويا في بحار العالم. وتساهم أنشطة يومية مثل غسل الملابس وقيادة السيارات بشكل هائل في هذا التلوث الذي يخنق محيطاتنا. وتشكل الأجزاء البلاستيكية خطرا كبيرا على الكائنات الحية في البحار حيث تتجمع مواد معينة من هذه الأجزاء في السلسلة الغذائية لهذه الكائنات وهو ما قد يمثل خطرا على البشر أنفسهم. والمحيطات والبحار تغطي ثلثي سطح الأرض وتحتوي على 97% من مياه الأرض، كما أنها توفر أكثر من 50% من الأكسجين الذي نتنفسه.
وتوصل علماء البيئة إلى أن ما يزيد على 500 طن من النفايات البلاستيكية شديدة الصغر تلوث مياه البحر المتوسط إلى حد مقلق، فيما قال باحثون إسبان إن نحو 1000 طن من المواد البلاستيكية تطفو على سطح البحر المتوسط، معظمها بقايا زجاجات وحقائب وأغلفة وأكياس.
ووضع المعهد الفرنسي للبحث في استكشاف البحار (ايفريمير) وجامعة لياج ببلجيكا تقييما لحجم الأضرار البيئية انطلاقا من عينات أخذها أفراد من مهمة بحثية حملت اسم "المتوسط في خطر".
وقال البروفسور "فرنسوا غالغاني" من معهد ايفريمير، إن هناك 250 مليارا من الأجزاء شديدة الصغر متوسط وزنها 1.8 مليجرام توجد في أعماق البحار. واكتشف البروفسور جان هنري هيك من جامعة لياج أن الطحالب استوطنت هذه النفايات البلاستيكية الصغيرة.
وكشفت دراسة أعدها علماء إسبان، عن أن المواد البلاستيكية تتراكم في البحر المتوسط بالمستوى نفسه الموجود في الدوامات المحيطية، التي هي عبارة عن تيارات دورية في المحيطات. وتوصلت الدراسة إلى أن أكثر من 80% من المواد البلاستيكية في البحر المتوسط تقع ضمن هذه الفئة من المواد متناهية الصغر.
وقال "ديفيد موريت" من كلية رويال هولواي التابعة لجامعة لندن، إن هذه الجزيئات البلاستيكية الصغيرة يسهل ابتلاعها من قبل الكائنات البحرية، وهو ما قد يؤدي إلى تسرب مواد كيميائية إلى أحشاء هذه الكائنات جراء المواد البلاستيكية.
وأضاف موريت: "لا يتحلل البلاستيك في البيئة، نحتاج إلى أن نفكر تفكيرا جدّيا في كيفية التخلص منه وإعادة تدويره وتقليل استخدامنا له".
ويمثل البحر المتوسط أقل من 1% من مساحة المحيطات العالمية، لكنه ينطوي على أهمية اقتصادية وبيئية، إذ يحتوي على نسبة تتراوح ما بين 4 و18% من جميع الكائنات البحرية، وتوفر دخلا من السياحة والصيد للدول المطلة عليه.
وقال موريت إنه بالنظر إلى الثروة البيولوجية وتركيز الأنشطة الاقتصادية في البحر المتوسط، فإن تأثيرات التلوث الناجم عن البلاستيك على الحياة البحرية والبشرية قد تكون لها صلة مخصوصة بهذه المنطقة التي تتراكم فيها المواد البلاستيكية.
وتبين الدراسات العلمية أن عددا كبيرا من الحيوانات يعاني من تأثير النفايات البلاستيكية على نظامه الغذائي، والتي تضر بصحته وتؤدي إلى نفوقه. ويشير باحثون إلى أن المستوى القياسي للتلوث في بعض المناطق بلغ 580 ألف قطعة بلاستيكية في الكيلومتر المربع الواحد، مما يشكل خطرا على الطيور التي تبتلع المواد البلاستيكية عن طريق الخطأ وهو ما يتسبب في بعض الأمراض أو حتى الموت.
وبخلاف معظم النفايات الأخرى، البلاستيك لا يتحلل بيولوجيا، أي أن الجراثيم التي تفكك مواد أخرى لا تتخذ البلاستيك غذاء لها، فتتركه يطفو على سطح المياه إلى الأبد. وأشعة الشمس في النهاية تحلل ضوئيا أربطة البوليمرات البلاستيكية، لتتحول إلى قطع أصغر فأصغر ما يجعل الأمور تتفاقم. فالبلاستيك مع ذلك لا يزول وإنما يصبح مجهريا، وقد تأكله كائنات بحرية بالغة الصغر فيدخل السلسلة الغذائية.
ويأتي من اليابسة نحو 80% من النفايات إلى المحيطات، معظمها أكياس وقوارير بلاستيكية ومنتجات استهلاكية متنوعة. وتشكل شباك الصيد المتروكة العائمة 10% من جميع النفايات البحرية، وفق تقديرات الأمم المتحدة. وتأتي غالبية البقية من ركاب الزوارق الترفيهية ومنصات النفط البحرية وسفن الشحن الكبيرة التي ترمي في البحار كل سنة نحو 10 آلاف مستوعب فولاذي ممتلئة بأشياء مختلفة، من شاشات الكومبيوتر إلى الألعاب. وعلى الرغم من هذا التنوع وكثرة المعادن والزجاج والمطاط في رقعة النفايات، فإن غالبية المحتويات من البلاستيك، لأن معظم الأشياء الأخرى تغرق أو تتحلل قبل أن تصل إلى هناك.
ويرجع العلماء تراجع أعداد أنواع كثيرة من الطيور إلى تلوث المحيطات بكمية كبيرة من جزيئات البلاستيك. فقد أشار العالم البيولوجي الدانماركي "كريستيان زيبرغن" إلى أن من الأسباب التي دفعتنا إلى القيام ببحث خاص لتحديد الاتجاهات التي تسلكها النفايات البلاستيكية، محاولة الإجابة عن السؤال التالي: أين ذهب البلاستيك الذي كان من المفروض أن يطفو على سطح المحيطات ولكننا لم نجد له أثرا ؟
ويضيف زيبرغن، أن كميات هائلة من البلاستيك وصلت إلى المحيطات، ووفقا لحساباتنا فإن ما نراه هو كميات قليلة من البلاستيك، مقارنة بما ينبغي أن نجده على سطح المحيطات. فالبلاستيك يتحول بمرور الوقت إلى جزيئات بلاستيكية، تتقاذفها الأمواج وتنهشها أسماك القرش وغيرها من الأسماك.
وذكر زيبرغن أن هناك العديد من الفرضيات؛ الأجزاء المتبقية من المواد البلاستيكية تكون مختلفة، بعضها قد يغرق في أعماق المحيطات والبعض الآخر قد يدخل في السلسلة الغذائية للحيوانات البحرية.
والبلاستيك يمكن أن يعرض أي كائن بحري للخطر، لكن يبدو أن السلاحف البحرية سريعة التأثر بشكل خاص، فإضافة إلى التفاف شباك الصيد حولها، غالبا ما تبتلع أكياس البلاستيك ظنا أنها قناديل البحر التي هي فريستها الرئيسية. وعندما تبتلع السلاحف مادة البلاستيك تصاب بانسداد الأمعاء الذي يمكن أن يؤدي إلى سوء التغذية ومن ثم الموت. وشهد الإنتاج العالمي السنوي للبلاستيك نموا مطردا من 1.5 مليون طن إلى 299 مليون طن في السنوات الـ65 الماضية، حيث أدى إلى زيادة معدلات التلوث بالبلاستيك في البحر.
وتبين الدراسات أن فضلات البلاستيك المجزأة والمختلطة مع المياه، يتم استهلاكها من قبل المئات من الكائنات؛ مثل السلاحف والأسماك والطيور والثدييات، مما يتسبب في الإصابات والتسممات والاختناقات. وعثر على قطع بلاستيكية صغيرة جدا أيضا في المحار وبلح البحر الذي ينمو على سواحل شمال أوروبا.
وتفيد الإحصائيات بأن أكثر من 600 نوع من الحيوانات البحرية، تعاني مباشرة من التلوث الناجم عن المواد البلاستيكية وأكثر من 90% من الطيور البحرية في جميع أنحاء العالم، سبق لها أن ابتلعت قطعة صغيرة من البلاستيك. ووصلت نفايات البلاستيك إلى الملح البحري الذي يستعمله الإنسان في الطعام بشكل يومي؛ فقد اكتشف باحثون بجامعة صينية وجود جزيئات بلاستيكية في ملح الطعام، وقد تم إثبات وجود حوالي 700 جزيء بلاستيكي بكل كيلوجرام في عينات صينية من ملح البحر. ونظرا لأن مصدر هذه الجزيئات يعود إلى مياه البحر التي يستخرج منها الملح، فإن الباحثين يرون أن هناك احتمالا واردا جدا في أن يكون ملح الطعام في بلدان أخرى كذلك قد تلوث بجزيئات بلاستيكية أيضا.
وبين تقرير علمي نشره فريق من معهد الأبحاث الصناعية والعلمية الأسترالي، أن عددا كبيرا من الحيوانات يعاني من تأثير النفايات البلاستيكية على نظامه الغذائي، والتي تضر بصحته وتؤدي إلى نفوقه. ووفقاً للتقرير الذي نشرته مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم، فإن 99% من الطيور البحرية معرضة لابتلاع جزيئات البلاستيك جنبا إلى جنب مع الغذاء حتى عام 2050. وجاءت هذه النتائج وفقا لدراسة أجرتها الوكالة الوطنية الأسترالية للعلوم وكلية لندن الإمبراطورية، بين عامي 1962 و2012 على 135 نوعا، من بينها طيور القطرس وطيور البطريق والنورس الطيور البحرية الأخرى.
وأشار باحثون إلى أن المستوى القياسي للتلوث في بعض المناطق بلغ 580 ألف قطعة بلاستيكية في الكيلومتر المربع الواحد، مما يشكل خطرا على الطيور التي تبتلع المواد البلاستيكية عن طريق الخطأ وهو ما يتسبب في بعض الأمراض أو حتى الموت.
وقد أشار "كريس ويلكوكس" أحد الباحثين بالوكالة الوطنية الأسترالية للعلوم، إلى أنه لأول مرة تمكنا من تبين مدى تأثير التلوث المنجر عن المواد البلاستيكية على الأنواع البحرية، فقد بينت الدراسة أن حوالي 90% من الطيور البحرية قد ابتلعت البلاستيك وهو رقم ضخم بالمقارنة بعام 1960 التي بلغت فيه النسبة 5% فقط.
ومنذ عام 1950، بدأت المنتجات البلاستيكية تتضاعف كل 11 عاما، فقد وصلت هذه النسبة إلى 80%. ويرجع العلماء تراجع أعداد أنواع كثيرة من الطيور في جنوب المحيط بالقرب من أستراليا إلى تلوث المحيطات بكمية كبيرة من جزيئات البلاستيك. ووفقا لما قاله الباحثون فإن الكمية المنتجة الإجمالية معادلة لكل ما صنع بين عامي 2015 و2026.
وفي الوقت نفسه، كشفت دراسات علمية أسترالية عن أن البالونات تمثل المخلفات البلاستيكية الأكبر خطورة على حياة الطيور البحرية، حيث يزيد احتمال تسببها في نفوق الطيور عن طريق البلع على المخلفات البلاستيكية الصلبة بـ32 مرة. ودرس الباحثون سبب نفوق 1733 طائراً بحرياً ينتمون إلى 51 فصيلة، ووجدوا أن طائراً من بين كل 3 ابتلع مخلفات بحرية.
وذكرت الدراسة، التي نشرت نتائجها بمجلة «ساينتيفيك ريبورتس»، أن احتمال نفوق طائر بحري ابتلع قطعة بلاستيك واحدة تبلغ 20%، وتزيد إلى 50% حال ابتلاع 9 قطع، وإلى 100% لدى ابتلاع 93 قطعة. وأجرى الدراسة باحثون من معهد الدراسات البحرية ودراسات القطب الجنوبي، في جامعة تسمانيا، ومنظمة الكومنولث للأبحاث العلمية والصناعية، وهي أكبر هيئة علمية في أستراليا.
وأوضحت الدراسة أنه رغم أن البلاستيك الصلب يمثل أغلبية المواد البلاستيكية التي تبتلعها الطيور، فإنه يقل احتمال تسببه في نفوق الطيور البحرية بكثير عن المواد البلاستيكية اللينة مثل البالونات. وقالت "لوران رومان" الباحثة الرئيسية في الدراسة، إن البالونات أو بقاياها هي المخلفات البحرية التي يرجح أن تتسبب في نفوق الطيور البحرية، وقد تسببت في نفوق طائر من بين كل 5 طيور بحرية ابتلعتها.
وأضافت رومان أن ابتلاع المخلفات البحرية أصبح الآن خطراً معترفاً به عالمياً؛ لكن العلاقة بين كمية أو نوع المخلفات التي تبتلعها الطيور البحرية ومعدلات النفوق ما زالت غير مفهومة. وتنتشر مخاطر التلوث البلاستيكي على نطاق واسع ومتزايد بشكل سريع وتعد أعلى المناطق المعرضة للخطر هي "حدود المحيط الجنوبي في بحر تسمان بين أستراليا ونيوزيلندا" وذلك جراء التلوث الكبير مع تواجد أعداد كبيرة ومتنوعة من الطيور البحرية في تلك المنطقة.
وتوصل باحثون أميركيون إلى أن الرائحة المنبعثة من النفايات البلاستيك قبالة السواحل البحرية تجذب طيور القطرس البحرية لتناولها، ما يفسر موت ذلك النوع من الطيور. وذكر الباحثون أن الروائح المنبعثة مشابهة لرائحة تعفن الأعشاب البحرية، والناجمة عن تحلل الطحالب والتصاقها بالنفايات والقوارير البلاستيك العائمة.
وأوضح الباحثون من جامعة كاليفورنيا أن نحو 90% من الطيور البحرية تأكل تلك النفايات وتبقى في بطونها، ما يعرضها لخطر الموت. وقال الباحث "ماثيو سافوكا" إن الطيور تعتمد على حاسة الشم في العثور على الطعام. لقد وجدنا مادة كيميائية على البلاستيك تجعل الطيور تعتقد أنها غذاء.
وفي الدراسة، وضع العلماء مادة الميكروبيدات العازلة في أكياس شبكية في المحيط ، وبعد ذلك حللوا القطع البلاستيك ليجدوا أنها اكتسبت رائحة كيميائية كبريتية مميزة. وتنجم هذه الرائحة عن تكون مركب كبريتيد ثنائي ميثيل الموجود بالطبيعة وفي نسب قليلة بالغذاء، إذ إن الرائحة والإشارات البصرية مثل البلاستيك اللامع في البحر قد يجذب الطيور البحرية.
وأوضح البروفيسور "غابريال نيفيتي" المشارك في الدراسة، أن الطيور البحرية غالباً تبني جحوراً تحت الأرض، ما يصعب على الباحثين دراستها. وأشار العلماء إلى أن معدل التلوث بمواد البلاستيك يتزايد في جميع أنحاء العالم.
ومن أجل وقف تلوث المحيطات، ينصح خبراء البيئة باتباع استراتيجية للوقاية من النفايات تتمثل في خفض نسبة القمامة البلاستيكية بشكل كبير جداً. كذلك يجب العمل على إعادة تدوير أكياس البلاستيك اللينة التي تستخدم في الأسواق التجارية وتملأ شوارع ومقالب القمامة. كما أن مبادرة فرز القمامة في كيسين منفصلين، أولهما للقمامة العضوية والثاني للأشياء التي يمكن إعادة تدويرها مثل البلاستيك والورق المقوى، تبقى المبادرة الأكثر رفقاً بالصحة والبيئة وبالطيور البحرية.