رحل الفنان التشكيلي حلمي التوني، أحد أعلام الفن التشكيلي في مصر مبدع كبير ارتبط اسمه دائما بالإبداع، ورسوماته لها أسلوب ووقع مختلف لديه مدرسته الخاصة المتمردة، كما وصفها هو بنفسه، لديه دائما جانب مختلف ومتميز، فهو ليس مثل أحد سواء في معارضه الفنية المختلفة التي احتلت بها لوحاته صدارة المشهد الإبداعي التشكيلي، أو برسوماته لأغلفة الأعمال الأدبية.
وتأتي بين أكثر تلك الأغلفة إبداعا وتمردا وشهرة هي إعادة رسمه لأغلفة أعمال الكاتب الكبير نجيب محفوظ لدار الشروق، فقد أبدع التوني في إعادة رسم الأغلفة بأسلوبه الخاص المتمرد الذي أعطى أعمال نجيب محفوظ روحا جديدة وبعدًا آخر في دنيا الإبداع.
ويقول الفنان الكبير حلمي التوني عن تجربة إعادة رسمه لأغلفة أعمال نجيب محفوظ، ورؤيته لتلك التجربة في أحد الحوارات التي أجرتها معه "الشروق" قبل رحيله: "أتميز طول عمري بأنني ثائر ومتمرد، وظهر ذلك عند ذهابي للعمل في "دار الهلال" في خمسينيات القرن الماضي، كان وقتها طريقة ونظام العمل غير مرتبة وسيئة والشغل مبني على النقل من الخواجات في جميع المجالات، ووقتها كنت شابا مندفعا ولدي بذرة تغيير، وكنت أرفض النقل فكنت اقرأ النص وارسم رسمة موازية له، وبالتالي اختلف إنتاجي عن ما هو سائد، وهنا كانت بداية التمرد والتي أتت بثمارها في النهاية وهي التميز لذلك لجأ إلي عدد من الأدباء المتمردين أولهم الكاتبة نوال السعداوي التي مع نشر أول أعمالها كان كتاب باسم "الأنثى هي الأصل"، حاولت نشره في مصر لكنها فشلت فذهبت إلي لبنان وأنا كنت هناك وقتها ورسمت لها أول غلاف".
وأضاف: "ثم ارتبطت أعمالي بعد ذلك بالكتاب المتمردين والمختلفين منهم جمال الغيطاني، يوسف القعيد، يوسف إدريس، حتى جاءت قمة الهرم عندما طلب المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق، أن أقوم برسم أغلفة جديدة لأعمال نجيب محفوظ، ولأنني بطبعي متمرد ومازلت رغم كبر السن، رفضت أن أقدم رسومات أغلفة نجيب محفوظ في شكل حارة أو مولد، لكنني قررت اتبع مدرستي المتعارف عليها وهي تقديم عمل موازي".
وتابع: "بدأت بالاطلاع من جديد على الـ52 كتابًا الخاصة بالأديب نجيب محفوظ، ولجأت إلى مخزوني من صور اللوحات وبدأت بعمل بحث في اختيار رسم لوحة من اللوحات أو جزء تفصيلي من لوحة له علاقة بالنص، وقمت بإخراج مختلف تماماً للغلاف الخاص بالطبعة الجديدة، وكان لإبراهيم المعلم فضل في كتابة اسم نجيب محفوظ بشكل أكبر وواضح عن التفاصيل الأخرى على الغلاف، فكان إخراجي ثابت باختلاف الرسومات واخترت اختيارات أعتقد أنها موفقة من لوحات تم وضعها بشكل متواضع وليس صارخا".
فيما تبقى رسومات الـ52 غلاف لأعمال نجيب محفوظ علامة مبهرة في مشوار حلمي التوني الفني الطويل الزاخر بالعديد من الأعمال، ولكن ربما ما يعطي التميز الكبير لتجربة إعادة رسم الفنان حلمي التوني لأغلفة أعمال نجيب محفوظ هو ذلك المزيج العجيب البديع بين التمرد والأصالة.
كما أن تجربة رسم أغلفة أعمال نجيب محفوظ هي تجربة لإدخال الفن التشكيلي عالم رسومات الأغلفة من أوسع أبوابه، ليرتبط مشروع حلمي التوني الإبداعي بمشروع نجيب محفوظ الإبداعي حتى يخلدا في ذاكرة الإبداع سويا.
رحل الفنان الكبير حلمي التوني عن عالمنا، ولكن ستبقى أعماله الفنية العديدة في مشواره الفني الزاخر بالإبداع لتخلد روحه وفنه في ذاكرة الجميع وإلى الأبد، وبالطبع يظل مشروع إعادة رسم أغلفة أعمال نجيب محفوظ واحدا من أهم محطات مشروعه الفني العظيم.