بالصور.. الحياة تحت سيف المحاكم العرفية.. وقائع فرار وعودة أقباط «كفر درويش» - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:07 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بالصور.. الحياة تحت سيف المحاكم العرفية.. وقائع فرار وعودة أقباط «كفر درويش»

كفر درويش - تصوير: محمود العراقي
كفر درويش - تصوير: محمود العراقي
معتز سليمان ومي زيادي
نشر في: الخميس 11 يونيو 2015 - 8:13 م | آخر تحديث: الجمعة 12 يونيو 2015 - 5:12 م
يخيم فوق «كفر درويش» غمامة من الصمت وأجواء المؤامرة، فحين يقابل أهل القرية الصحفيين، يتحدثون طويلا عن مشكلاتها مثل تردي الأوضاع في وحدة الخدمات الصحية، ومركز الشباب، وعدم وجود مدرسة للتعليم الثانوي. أما الفتنة الطائفية التي جعلتهم محط أنظار مصر في الأسابيع القليلة الماضية، فهم يكتفون بكلمات تؤكد أن كل المشكلات انتهت وعادت المياه إلى مجاريها، مفضلين تجاهل المشكلة كأن لم تحدث أحيانا، وخوفا من بصاصي ومخبري الأمن أحيانا أخرى.

القرية التي تقع في جنوب بني سويف، شهدت هجوما طائفيا مخزيا، أدى لتهجير 5 أسر مسيحية بمباركة الدولة. بعد ابتعاد الكاميرات، وخفوت الضجة المثارة حول الأحداث الطائفية، ترجع الحياة الطبيعية في القرية التي تأوي ما يقارب 5 آلاف مسلم، و1800 مسيحي، طبقا لتقديرات المجلس القروي، لكن مشهد 300 من شباب القرية وهم يطوفون بشوارعها، يحطمون ويحرقون ممتلكات المسيحيين بها سيظل عالقا في الأذهان.


الفتنة المسافرة من الأردن إلى بني سويف

مايو الماضي، انتشرت الشائعة في القرية، أن أحد أبنائها (أيمن يوسف مقار) الذي يعمل فلاحا في الأردن، نشر صورة مسيئة للرسول محمد عبر صفحته الشخصية على «فيسبوك». كعادة مثل هذه الأحداث، لا أحد يعرف بالضبط من كان مصدر الشائعة، أما المتحمسون للدفاع عن الرسول الكريم، فلم يتبعوا حديثه: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع"، فجميعهم لم يشاهدوا الصورة بأنفسهم.

اتجه أهالي القرية الغاضبين إلى عمدة القرية أحمد ماهر، لمطالبته باتخاذ قرار عاجل وفوري ضد أسرة أيمن. يوم الخميس 21 مايو، عقدت جلسة عرفية بحضور كبار القرية وعلى رأسهم العمدة والشيخ رمضان، مأذون القرية، وماهر حنا إبراهيم، أحد كبار العائلات المسيحية، والشيخان محمد فراج وعبد الوهاب إمام، من أئمة مساجد، والشيخ فاروق شيخ البلد، ومكرم عزيز، مدير الجمعية الزراعية، وبعض أهالي القرية.

يروي أهالي القرية أن "العرف الذي لا يخالف الدين" هو وسيلتهم لحل المشكلات. ويؤكد الشيخ عبد الوهاب، أحد أئمة المساجد بالقرية، أن المجالس العرفية هي الوسيلة المفضلة لهم لحل النزاعات والخلافات بدلا من اللجوء للحكومة.

تم الاتفاق في الجلسة العرفية على فرض غرامة مالية ضد أسرة أيمن تقدر بـ250 ألف جنيه، ثم تم تخفيضها إلى 50 ألف بعد تدخل بعض أهالي القرية ووافق الحضور على الصلح، في الوقت الذي قرر فيه أهل أيمن بيع قطعة أرض مساحتها قيراط لسداد قيمة الغرامة التي كان من المقرر أن تستغل في إنشاء مصلحة عامة لأهل القرية، إلا أن بعض الأهالي لم يصدقوا وعود جلسة الصلح، معتقدين أن ذلك الاتفاق هدفه التهدئة حتى نسيان الموضوع.

بعض شباب القرية، رفضوا التعويض المادي، قائلين: "الدين مش للبيع ولا بمال الدنيا"، وتوجهوا للعمدة في اليوم التالي لجلسة الصلح لإعلان رفضهم الاكتفاء بالعقاب المادي. من هم هؤلاء الشباب بالضبط؟ سؤال يرفض الإجابة عنه أهل القرية، الذين تواطئوا بالصمت وقالوا: "عيال عندها طيش شباب"، تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 عاما.

استطاعت الشروق الوصول إلى أحد هؤلاء «الطائشين»، الذي يدرس في الثانوية الأزهرية. اشترط المراهق ألا ينشر اسمه، وقال: "اللي حصل حاجة تخلي أي مسلم يغير، هو أنا كنت باعمل ده لمكسب شخصي لنفسي؟"

تحت ضغط الشباب، عقد العمدة جلسة صلح ثانية بحضور مدير الأمن والقيادات بالمحافظة، وتم الاتفاق على تقديم يوسف مقار والد أيمن الكفن، والاعتذار لأهالي القرية المسلمين، ولقي الاقتراح رضى شباب القرية، لكن يوسف مقار طلب مهلة للتفكير مما أثار غضب الشباب الحاضرين للجلسة العرفية بمنزل العمدة.

حريق الفتنة يلتهم المنازل والسيارات

يوم الجمعة 22 مايو، اتجه 300 من الغاضبين إلى بيت مقار، مطالبين برحيل العائلة بأكملها. حطموا واجهة منزله، وهتفوا برحيله، ثم أشعلوا النار في سيارة قبطي آخر لاعلاقة له بأسرة مقار. أبلغ عمدة القرية أسرة مقار بقلقه على حياتهم، فرحلت الأسرة بكاملها عن القرية خوفا على حياتهم إلى بعض الأقارب في المنيا. تدخل العمدة وكبار بعض العائلات بالقرية ووعدوا الشباب بحل الأزمة مقابل انصرافهم وهو ما حدث بالفعل. نتج عن الهجوم تهجير 5 أسر مسيحية هم:

- يوسف توفيق مقار، والد أيمن، وزوجته شوقية عبد الشهيد

- أيمن يوسف توفيق مقار، وزوجته صباح جرجس، ونجلاه يوسف ورنا

- عاطف يوسف توفيق مقار، شقيق أيمن، وزوجته شكرية عبد المسيح، ونجلاه أبنوب وباسم.

- عماد يوسف مقار، شقيق أيمن، وزوجته نبيلة جمعة، وأبنائه كرولس ورنا وجورج.

- نور يوسف توفيق مقار شقيق أيمن، وزوجته فرحة صبحة، وابنته مارينا نور يوسف.

عصر السبت 23 مايو، ذهب القمص هاتور بشري، كاهن السيدة العذراء ـ الكنيسة الوحيدة بالقرية ـ مع عايد وهيب شيخ البلد إلى الأمن ليطالبهم بسرعة التدخل لحل الأزمة ولحماية أقباط بالقرية. حضرت قوات الأمن إلى القرية مساء نفس اليوم، وعقدوا جلسة عرفية ثالثة قرروا فيها الاتفاق على ألا تعود أسرة مقار إلى القرية مرة ثانية، وتحرير محضر ضد أيمن يوسف مقار بتهمة ازدراء الأديان، وحرره محمد أحمد فرج الإمام بأحد مساجد القرية والموظف بوزارة الأوقاف.

رفض «فرج» أن يتحدث تفصيليا مع «الشروق» حول الواقعة، واكتفى بقوله إنه قدم البلاغ ليأخذ القانون مجراه، وإنه لم يطلع على صفحة أيمن على «فيسبوك»، مضيفا أن كل ما شاهده "صورة مجتزئة يتناقلها أهل البلد".

التزمت الكنيسة الأرثوذكسية بالصمت ولم تصدر أي بيان رسمي بشأن الأزمة، واكتفت بتصريحات القمص هاتور بشري، والقمص إسطفانوس رئيس مطرانية ببا والفشن.

أما المحامي حسين مناع، أحد أبناء القرية، فتابع تقديم البلاغ الذي حمل رقم 30-46 لسنة2015 لدى نيابة العامة بالفشن، ضد أيمن يوسف بتهمة «ازدراء الدين الإسلامي والتحريض على الفتنة»، قائلا إن مقدما البلاغ أرفقا بالمحضر «الصورة المسيئة للرسول»، وأن النيابة استمعت لأقوال محمد جمال كشاهد على الصورة بحساب أيمن بالفيس بوك والذي قام بتحميلها من الصفحة قبل حذفها بعد مطالبة أيمن بذلك.

الصمت مقابل السلام

عادة الأحداث للتوتر مرة أخرى بداية من الثلاثاء 26 مايو، بعد أن تحدث بعض أقارب أيمن لبرامج تليفزيونية من خلال مداخلات هاتفية. وتسببت المكالمات التي دافعت فيها العائلة عن نفسها في موجة أخرى من التخريب.

رغم التواجد الأمني المكثف في القرية، خرجت مظاهرات تطوف القرية، تحرق وتدمر في طريقها محاصيل على امتداد فداني أرض زراعية يملكها الأقباط، و4 مبان طينية، وبعض البهائم ورؤوس الماشية، وتقدر الخسائر بأربعين ألف جنيه. أهالي القرية، كعادتهم، يرفضون الكشف عن هوية الفاعلين رغم معرفة القرية كلها بهم. يكتفون بالتأكيد: "محدش فيهم اتقبض عليه".

عقب توتر الأحداث، دعا مدير أمن بني سويف اللواء محمد أبو طالب، المحافظ محمد سليم إلى عقد اجتماع طارئ بديوان عام المحافظة بحضور عواقل المسلمين والمسيحيين بالقرى المجاورة لكفر درويش وكبار القرية لوضع حل للأزمة. وتم الاتفاق على عقد جلسة صلح رابعة بين المسلمين والمسيحين بكفر درويش بحضور القيادات الأمنية والشعبية ومشايخ وعمد القرية والقرى المجاورة، والشيخ سلامة عبد الرازق وكيل وزارة الأوقاف ببني سويف، والقمص إسطفانوس رئيس مطرانية ببا الفشن، واتفقوا على عودة الأسر.

صباح الثلاثاء 2 يونيو، توجه عمدة قرية كفر درويش وبعض العقلاء في القرية إلى مركز مغاغا بمحافظة المنيا، حيث رحل يوسف مقار وأسرته، لإبلاغه بإمكانية العودة للقرية فى أي وقت، وأنه سيتم عقد جلسة صلح مساء اليوم بحضور كل القيادات وعواقل القرية، على أن يمثل وكيل وزارة الأوقاف المسلمين في الصلح، ورئيس مطرانية ببا الفشن المسيحيين.
وبالفعل في مساء اليوم نفسه، عاد يوسف مقار وأسرته إلى القرية وتم عقد جلسة صلح وسط ترحيب أهل القرية. مصفحات الأمن وسيارات الشرطة المتمركزة أمام بيت عائلة مقار ومدخل القرية حتى اليوم، وأمناء الشرطة المنتشرون في كل شارع فيها، دلالة على أن الصلح ليس كافيا لضمان عدم اشتعال الفتنة مرة أخرى.

يوسف والد أيمن: "تعبت من كتر الكلام.. وبنفتح صفحة جديدة"
يتكون بيت مقار من 4 طوابق، يعيش فيه الأب يوسف توفيق وزوجته، وابنه عماد وزوجته وزوجات أبنائه الثلاثة (نور وعاطف وأيمن) وأطفالهم. كل ما يمتلكوه قطعة أرض زراعية صغيرة. يوسف، والد أيمن الذي دارت حوله المشكلة، يقول "أنا تعبت من كتر الكلام، الموضوع خلاص خلص، ربنا عطانا السماح وبنفتح صحفة جديدة".

عماد، شقيق أيمن، رفض أن يطيل الحديث حول واقعة الاعتداء على منزلهم. اكتفى بالتأكيد أن أخيه المتزوج ولديه طفلين، لم يتعلم القراءة والكتابة مطلقا، وأنهم بعد الواقعة اتصلوا به لسؤاله عن حقيقة الأمر، فنفى أيمن تماما نشره لتلك الصورة المسيئة للرسول"، وحول إدعاء البعض بأنهم يعرف القراءة والكتابة، قالت إحدى قريباته: "هو بيستخدم الإنترنت عشان يكلم مراته وولاده، احنا كلنا مش متعلمين، وأنا مش بعرف اقرأ وأكتب، لكن أعرف مثلا استخدم التليفون المحمول وأكلم الناس".

تؤكد الأسرة أنها "في حالها"، ولم يتقدموا بمحاضر ضد المعتدين عليهم: "اعتداءات بسيطة، الشبابيك زجاجها اتكسر، لكن مروحناش نعمل محاضر"، أما مصير محضر ازدراء الأديان الموجه ضد أيمن، فلا يعلمون عنه شيئا، ولم يوكلوا محام لمتابعة الأمر.

تتحفظ الأسرة في حديثها، خشية أن يلفظوا بشيئ غير مقصود يعيد إثارة المشكلة: "إحنا من ساعة اللي حصل اتصلنا بأيمن مرة واحدة عشان نتأكد من حقيقة اللي حصل، ولما هو عرف أننا مشينا من القرية تعب نفسيا ومش عارفين نوصله من وقتها".
القمص هاتور يتوسط والد أيمن وشقيقيه


أما القمص هاتور بشري كاهن كنيسة السيدة العذراء، فقال إن الوضع بالقرية أصبح على أحسن حال، خاصة بعد عودة يوسف توفيق مقار وأسرته للقرية، وتفعيل دور الأمن في الفترة الأخيرة، والقضاء على الفتنة الطائفة والاحتقان بنسبة 70%، طبقا لتقديره.

وأكد القمص في حديثه مع «الشروق»، أن الفترة الماضية كانت قاسية على القرية بأكملها، خاصة في ظل غياب "كبير" يحتكم الجميع لقراره، وأنه تم عقد عدد من الجلسات العرفية بين الطرفين والاتفاق على بنود بحضور عمدة القرية وكبار عائلتها، ثم فوجئوا بنقضها من بعض الشباب، رغم حضور من يمثل عنهم بالجلسات والالتزام بما يتم الاتفاق عليه.

تهجير الأقباط سنة المحاكم العرفية

عائلة مقار تعد محظوظة مقارنة بعائلات مسيحية أخرى، مازالت تعيش في المهجر بعد أن أجبرت على ترك قراها والحياة بعيدا عنها بآلاف الكيلومترات.

ونشرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية دراسة عن دور الجلسات العرفية في النزاعات الطائفية ومسؤولية الدولة منذ 2011 وحتى الآن، رصدت خلالها 45 حالة نزاعات طائفية، من بينها 16 حالة تهجير قسري لأسر مسيحية في محافظات أسوان والمنيا وبني سويف والفيوم والقاهرة والجيزة والشرقية والإسكندرية.

وقالت المبادرة إن "قرار التهجير القسري جاء عقب عقد جلسات عرفية، لحل مشاكل مرتبطة بنشر صور مسيئة للإسلام أو علاقات عاطفية وجنسية وهتك عرض في بعض الأحيان، دون الاحتكام للقانون أو تقديم أدلة على الاتهامات المقدم للأسر المهجرة".

وأضافت أن "ضعف مؤسسات الدولة وعجزها عن القيام بوظيفتها في حماية السلم الاجتماعي وحياة وممتلكات المواطنين إلى لجوء قطاع من المواطنين الجلسات العرفية كأسلوب لحل النزاعات وتسوية الخلافات خوفا من تفاقمها وتداعياتها، خصوصًا في ظل مظاهر وأشكال التوتر الطائفي والديني المنتشرة في عديد من محافظات الجمهورية.
اقرأ أيضا:


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك