يروي الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه المهم عن حرب فلسطين "العروش والجيوش": أنه بعد قرار تقسيم فلسطين كان الملك فاروق يتابع الموقف الشعبي فى العالم العربي، كما كان يعقد المؤتمرات والاجتماعات على المستوى الوزارى بين الحكومات العربية لبحث تطورات الموقف فى فلسطين وكانت تتعقد يوما بعد يوم، وقد حوت بعض هذه المؤتمرات نصوصا تحمل إشارات مضمرة وأحيانا شبه صريحة تطالب الدول العربية بالاستعداد للعمل العسكري.
وسط كل هذا كانت الوكالة اليهودية، نواة تأسيس إسرائيل، تتحرك بحسم وسرعة نحو إقامة دولة يهودية فى فلسطين، لكن الدول العربية لم تكن قد توصلت بعد إلى تصور واضح عما يمكن أن تؤول إليه الأمور، فيما كانت جهات أمريكية نافذة تقلل من أهمية موقف الولايات المتحدة تجاه قرار التقسيم، وكانت هذه الجهات الأمريكية تطمئن الدول العربية بلغة واضحة أن هناك تغييرا قادما فى السياسة الأمريكية سيؤدى إلى وضع فلسطين تحت وصاية دولية لسنوات حتى تتم مراجعة المواقف الحقائق من جديد لكل الأطراف.
ظهرت قبيل الحرب نظرية غربية انتشرت بسرعة فى الدول العربية، مفادها أن الحركة الصهيونية هى فى الأساس حركة شيوعية، وبالتالى فإن الغرب لن يسمح لها بالتمدد لأنها تهدد مصالحه، وكانت الدلائل حينها نظام المستوطنات، وأن معظم المهاجرين الجدد إلى فلسطين هم من أوروبا الشرقية ويحملون معهم أفكارا ماركسية، كذلك فإن أسلحة كثيرة تشيكية "شيوعية" ظهرت فى أيدى مقاتلين العصابات اليهودية مثل "الهاجاناه"، "الأرجون"، "شتيرن"، وكان الأمير فيصل هو أول من التقط هذه النظرية واقتنع بها.
كما اقتنع بهذه السردية جماعات قوية من الساسة العرب، وعلى هذا الأساس اطمئنوا بأن المشروع الصهيوني سوف يتم إجهاضه من قبل الدول الغربية ذاتها لأن المولود المنتظر شيوعي، لكن كانت هذه الرؤية قاصرة وانطباعا متسرعا تلفقه بعض العرب دون فحص عميق وعلقوا عليها آمالا غير مبررة.