نبيل فهمى يكتب: ضبابية الموقف الدولى تجاه القضية الليبية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:27 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل فهمى يكتب: ضبابية الموقف الدولى تجاه القضية الليبية


نشر في: الإثنين 13 يوليه 2020 - 7:46 م | آخر تحديث: الإثنين 13 يوليه 2020 - 7:46 م

تحولت إلى ساحة تعبث بها القوى الأجنبية والمرتزقة والميليشيات ولا أفق للمستقبل القريب بها
‎بعد أن هدأت الساحة السورية، على الأقل فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الشاملة والاشتباكات المتواصلة، ‏أصبحت ليبيا هى أكثر ساحات المنطقة القابلة للصدامات العسكرية، هذا على الرغم من أنه أصبح من الواضح أن جميع الأطراف الليبية غير قادرة على حل المعارك العسكرية لصالحها، حتى بمساعدة خارجية، مع سيولة الساحة الليبية والأوضاع الخارجة عن السيطرة على الأرض وعبر الحدود والمنافذ.
ومن المدهش مدى تلعثم المجتمع الدولى فى التعامل مع مخاطر المشكلة، والفشل فى ضبط الأمور أو حتى تحريكها سياسيا، والمثال الأخير على ذلك هو اجتماع مجلس الأمن الدولى الأسبوع الماضى، الذى لم يكشف عن موقف واضح أو يفرض إجراءات عملية، وليس من قبيل المبالغة القول إن العديد من الأطراف الدولية تتعامل مع الأمور بنظرة تكتيكية، وتسعى إلى تحقيق مكاسب ‏قصيرة الأجل وأحيانا لحظية لمواجهة الأحداث، ودون الأخذ فى الاعتبار أن ذلك يكون أحيانا على حساب مصالحهم الاستراتيجية طويلة المدى.
ومع أحداث العنف الأخيرة والعمليات العسكرية فى الساحة الليبية ومحيطها، هناك احتمالات متزايدة لتفاقم الموقف وانفلاته، نتيجة لتعدد الأطراف الليبية والخارجية فى الساحة، بما فى ذلك الأطراف غير المسيطر عليها كليا، وقد يرى أى منها مصلحة فى إشعال الموقف، بما يفرض على الأطراف الوطنية رد فعل بما فى ذلك من خلال الأدوات العسكرية، وأعتقد أننا وصلنا إلى لحظة فارقة، تتطلب مراجعة المواقف والمصارحة قبل فوات الأوان.
‏بإيجاز شديد وبدون مبالغة، تحولت الساحة الليبية من دولة فاشلة وطنيا ومنهارة إلى ساحة ترمح وتعبث فيها ‏دول شرق أوسطية غير عربية وأجنبية، وينتشر فيها المرتزقة والمتطرفون والميليشيات، وأصبحت على حافة الانقسام بين الشرق والغرب والجنوب، دون سيطرة ثابتة لأى طرف على أى منطقة ‏لفترة طويلة، مما يغذى عدم الاستقرار وانفلات الساحة الليبية ويصعب السيطرة عليها مستقبلا.
مواقف وأوضاع مصر وتونس والجزائر هى الأكثر وضوحا واستقرارا‏، رغم اختلافها فى بعض الجوانب والتفاصيل حول تيارات الإسلام السياسى، علما بأن الوسط السياسى فى الدول الثلاث يخشى هذا التيار، بصرف النظر عن تباين سبل التعامل معه، بين الرفض الكامل فى مصر، والضبط الأمنى فى الجزائر، والاصطدام السياسى والجدل الحامى فى تونس، ومرجعية الدول الثلاث وأولويتها فى سياستها تجاه ليبيا هى السعى لضمان تأمين أمنها القومى، ومن ثم تشعر مصر والجزائر والوسط السياسى فى تونس بقلق بالغ إزاء انهيار الوضع الليبى ليقينها أنها أول من سيدفع الثمن غاليا من تداعيات الموقف وعبث الآخرين، ومن هذا المنطلق تتفق هذه الدول على خلاصات قمة برلين، التى كانت أساس إعلان القاهرة الذى جمع حفتر وعقيلة صالح، وكذلك ما أعلنته الجزائر بعد ذلك عن استعدادها لاستضافة الأطراف لمزيد من الحوار والتفاوض.
وعلى مستوى دول الشرق الأوسط غير العربية، فإن أبرز الأدوار وأقلها شرعية ‏وأخطرها استراتيجيا هو الموقف التركى، ويرتكز على توسيع نفوذ تركيا الجيوسياسى فى الشرق الأوسط، و‏تبنى ودعم «تركيا أردوغان» وحزبه لتأمين مصالح أوسع وأكثر فى ساحة ومجال الطاقة بشمال إفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط، فضلا عن استمرار وتعمد «تركيا أردوغان» خلق مصادر القلق لمصر، على أساس أن ثورة 30 يونيو (حزيران) قد قطعت الطريق أمام استخدام تركيا للتيار الإسلامى السياسى مرجعية ونقطة انطلاق لانتشار شرق أوسطى ودولى، وسعيا لضمان استمرار انشغال مصر بمحيطها الجغرافى المباشر على حساب استعادة دورها الإقليمى العربى لكى تفرغ الساحة المشرقية لتركيا ترمح وتجول فيها، كما أن لتركيا تطلعات خاصة بالطاقة فى شرق البحر الأبيض المتوسط.
وأدرك أن الدور والسياسات الروسية الاستراتيجية تهدف إلى توسيع وجودها فى شمال إفريقيا فى سياق استعادة ‏جزء من دورها العالمى، فضلا عن اهتمامها بضمان دور فعال ونشط فى ‏أسواق الطاقة العالمية، ولا أرى غضاضة لهذه المواقف، فمن الطبيعى أن يكون للدول طموحات وأدوار داخل وخارج إطارها الإقليمى المباشر، بخاصة بالنسبة للدول الكبرى أو التى كانت عظيمة، طالما كانت فى حدود الشرعية الدولية.
وإنما تقتضى ‏الأمانة أيضا التنويه أن بعض المواءمات الروسية تبدو فى تناقص مع مصالحها التقليدية والاستراتيجية، فكيف يمكنها أن تظل صامتة ‏على التوسع التركى الطموح فى شمال إفريقيا، مع تداعيات ذلك على الأمن القومى للدول العربية المجاورة، بخاصة مصر والجزائر التى كانت تعتبرهما روسيا ركيزتى منظومة الدولة الوطنية العربية فى الشرق الأوسط، والحاجزين الأساسيين أمام تفتيت المنطقة إلى دويلات وفصائل وتيارات التى تزرع الفرقة والاضطرابات وعدم الاستقرار من الاأطلنطى غربا إلى المشرق شرقا، وكيف تصمت روسيا عن نقل الميليشيات والمرتزقة والمتطرفين من المشرق لدعم الموقف التركى فى ليبيا، من أجل خلق مساحة من الاضطراب ‏والتطرف، واعتبار الأراضى الليبية ساحة انطلاق لها.
وأستغرب حقا من التزام الصمت الروسى بشأن كل ذلك، حيث أتذكر ‏المحادثات الرسمية لى فى عامى 2013 و2014 مع وزير الخارجية الروسى ومستشار الأمن القومى بالكرملين، وكذلك فى لقاءات مع الرئيس بوتين شخصيا، وانصب خلالها التركيز الروسى حينذاك على أن التطرف فى الشرق الأوسط من شأنه أن يهدد ‏المصالح الروسية، ليس فقط فى الشرق الأوسط، وإنما قد يؤثر أيضا فى الساحات الروسية الوطنية، فلا أعتقد أن هذه ‏النظرية السياسات قد تغيرت، وإنما قد يكون الفراغ الأمريكى ‏بالمنطقة، وانشغال روسيا بتركيا فى المشرق قد فتح نِفس الروس على هضم نسبة أكثر من المواءمات التكتيكية على حساب صحتها الاستراتيجية واستقرار المنطقة والأصدقاء، وهو خطأ كبير.
ولعل المواقف الأضعف والأكثر ‏رعونة هو ما نجده على الساحة الأوروبية، والمجاورة لمخاطر عدم الاستقرار فى شمال إفريقيا وليبيا تحديدا، والسؤال المحير هو ألا تخشى أوروبا فتح الساحة الليبية على ‏الملأ للتطرف والميليشيات، مع كل ما يحمله ذلك من تداعيات مباشرة على الجميع بخاصة مع الضغوط المتوقعة من تنامى اللاجئين فى أوروبا بشكل عام؟، فهل يعقل أن يظل القادة الأوروبيون ‏صامتين وغافلين عن هذه المخاطر؟، هل غلوشت المنافسة الفرنسية الإيطالية على الموارد الاقتصادية الليبية على تقدير المخاطر الأمنية الناتجة عن عدم الاستقرار؟.
و‏أين القيادات الأوروبية الأخرى باكورة القارة العجوز؟، المفترض أن تكون تجارب التاريخ قد أثقلت لديهم القدرة على التعامل مع الأوضاع الآنية والاستراتيجية فى آن واحد، وأين الدول الأوروبية التى تتباهى وتفتخر بالدفاع عن النظام الدولى واحترام القانون؟، أم أن الحماس لحماية المبادئ تبخر سريعا أمام حرارة المواجهة وثمن تحمل المسئولية؟، أين الحضارة والإنسانية والحكمة فى السكوت على نقل المتطرفين والمأجورين من تركيا إلى ‏ليبيا؟ كل هذا فى وقت يشهد فيه سكرتير عام الحلف الأطلنطى ويتحدث عن أهمية تركيا، متجاهلا تصرفاتها الخطيرة وغير المقبولة، كما لو كان تداعيتها محدودة ويمكن استيعابها.
ولا أخفى تعجبى من الموقف الأمريكى، حتى فى ظل الأوضاع الاستثنائية التى تمر بها أغنى وأقوى دول العالم، فى ظل الاضطراب السياسى للمجتمع الأمريكى ورئاسة دونالد ترمب غير التقليدية، الذى يعمل على تجنب الانهماك فى مواقف سياسية، بلاده فى غنى عنها، وموقف الدولة العظمى هو موقف الحاضر الغائب الذى لم يتجاوز التصريحات الدبلوماسية العامة ‏والسلبية، التى سمحت وإن لم تكن قد شجعت الأطراف مثل تركيا التحرك دون تردد، ‏والأطراف المصاحبة لذلك الادعاء بأن أمريكا معها أيضا، فى حين أنها ليست هنا أو هناك، وللأسف لن يتغير موقفها أو يؤخذ على محمل الجد إلا بعد الانتخابات الأميركية فى أفضل الظروف.
ترتيبا على ما تقدم وباعتبارها أكثر الدول تأثرا بالاضطرابات وتداعيات الأحداث، أو الأكثر فاعلية فى التصدى لها، وعلى رأس هذه الأحداث التوغل التركى غير المسبوق على الساحة، ‏أرى أهمية تكثيف الحوار المصرى الدبلوماسى الدولى وعلى أعلى مستوى، ولعل الجزائر تنضم إليها، ويشمل تونس إذا أرادت، والبدء مع روسيا، ‏لدورها النشط مشرقيا وفى شمال إفريقيا وتداخلها مع تركيا ‏فى عدة ‏ساحات، والتحاور كذلك مع ألمانيا المضيفة لقمة برلين، التى صدر على أساسها إعلان القاهرة، باعتبارها رئيسة الاتحاد الأوروبى فى المرحلة المقبلة، ومن ثمّ المؤهلة للتوفيق بين تعارض المواقف الفرنسية والإيطالية، وحشد الموقف الأوروبى ‏ضد التدخلات التركية ‏وممارساتها التى من شأنها المساس باستراتيجية الأمن الأوروبى ومصالح القارة الاقتصادية والاجتماعية.
واستكمالا لهذه الخطوة، لا يجب إغفال الدور الأمركيى كليا، رغم ضآلة ‏تأثيره واهتمامه حاليا، لأن حل المعادلة الليبية مع تعدد الأطراف والمصالح تتطلب صفقة سياسية لها جوانب رادعة وأخرى محفزة، من أجل ضمان احترام مبادئ القانون الدولى وعلى رأسها عدم التدخل فى الشئون الداخلية، والتصدى للإرهاب والتطرف، والحفاظ على الأمن الإقليمى والدولى، وعدم إغفال أمن منطقة البحر الأبيض المتوسط وأسواق الطاقة.
والغرض الرئيس من هذا هو:
أ ــ وقف إطلاق النار على المواقع الحالية، والتزام جميع الأطراف عدم تجاوزها.
ب ــ تشكيل لجنة دولية مع فريق من المراقبين والخبراء من الأمم المتحدة وقرار من مجلس الأمن لرصد التدخل الخارجى فى ليبيا، مع وجود خاص فى أماكن التهريب من الخارج وفى المطارات والموانئ.
ج ــ بدء حوار سياسى ليبى قائم على مخرجات قمة برلين وإعلان القاهرة تحت الإشراف المباشر للسكرتير العام للأمم المتحدة، فى ضوء تعذر جهوده لتعيين مبعوث شخصى جديد فى الساحة الليبية نتيجة الخلافات بين الولايات المتحدة وروسيا.
وأخيرا وليس آخرَ، لعل العالم العربى يستخلص من هذا المشهد الخطير العابث، أن عليه إصلاح نفسه داخليا وإقليميا، للاستفادة من توافقه كلما أمكن وإدارة اختلافاته بحكمة كلما وجدت، فالخيارات ليست بين التطابق الكامل أو التصادم والقطيعة، هذا فضلا عن تجنب الاعتماد المبالغ فيه على الغير لأن الأمن القومى العربى إطاره الأساس إقليمى شرق أوسطى، والمسئولية تقع علينا فى المقام الأول، ولنا فى هذا حديث آخر.
‎نقلا عن إندبندنت عربية



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك