• خفضنا توقعاتنا للنمو فى مصر إلى 3.7% بسبب قرار رفع سعر الفائدة
• أتوقع تراجع الفائدة 4% خلال الفترة المقبلة
• الارتفاع الكبير فى الأسعار أخيرًا كان مدفوعًا بقوى العرض وليس الطلب
• مصر كانت تقدم أعلى عائد مقارنة بنظيراتها من الدول الناشئة قبل الزيادة الأخيرة
• نجرى إصلاحًا شاقًا جدًا ومؤلم للطبقة المتوسطة ولا بد أن يصحبه نمو اقتصادى كافٍ
• استمرار تراجع التمويل المصرفى للقطاع الخاص سيؤثر سلبًا على التوظيف والنمو
• إصلاح منظومة المعاشات جوهرى لتنمية الاستثمارات المحلية والادخار
يرى أحمد شمس، رئيس قسم البحوث فى المجموعة المالية هيرمس، أن سعر الجنيه سيتحسن وسيخفض الدولار وتتحسن السيولة بمجرد تخلى البنك المركزى عن آلية استثمارات الصناديق الدولية فى سوق المال، والاعتماد ــ بدلا من ذلك ــ على القنوات المصرفية الطبيعية، خاصة فى ظل ارتفاع الاحتياطى إلى مستوى مطمئن على المدى المتوسط. وأوضح فى حوار مع «الشروق» أنه من الصعب ــ إن لم يكن من المستحيل ــ توقع سعر معين للدولار فى هذه الفترة الصعبة، ولكن من الممكن توقع اتجاه عام للاقتصاد.
كان سعر الدولار مقابل الجنيه قد شهد تذبذبا كبيرا عقب تحرير سعر الجنيه فى 3 نوفمبر الماضى، فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تنفذه مصر للحصول على قرض من صندوق النقد الدولى بقيمة 12 مليار دولار خلال 3 سنوات. ويتوقع قسم البحوث فى المجموعة أن ينخفض سعر الدولار ليتراوح بين 16 و17 جنيها.
وبدأ سعر الدولار فى التداول فى الساعات الأولى من التعويم عند 13 جنيها ارتفاعا من 8.88 جنيه تقريبا، وهو السعر الذى حدده المركزى للتداول حتى الساعة الواحدة ظهرا فى نفس اليوم، لكنه قفز إلى 15 جنيها فى بعض البنوك بعد فترة محدودة، واستمر الوضع مع اتجاه صعودى فى معظم الوقت حتى اقترب من 20 جنيها، إلى أن انخفض واستقر حول 18 جنيه تقريبا. وارتفع الاحتياطى من النقد الأجنبى ليتجاوز 31 مليار دولار حتى شهر يونيو الماضى. وكانت المجموعة خفضت توقعاتها للنمو فى مصر خلال العام المالى الحالى 2017 ــ 2018، من 3.8% إلى 3.7%.
وأوضح شمس: «التخفيض طفيف وتم بسبب رفع سعر الفائدة الأخير وليس له علاقة بخفض صندوق النقد الدولى لتوقعات النمو فى مصر».
وقام الصندوق بخفض توقعات النمو عقب الإعلان عن نتائج المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادى فى مصر، والإعلان عن الإفراج عن الدفعة الثانية من الشريحة الأولى من قرض الصندوق بقيمة 1.25 مليار دولار.
وقامت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى فى اجتماعها الأخير قبل نحو 5 أسابيع، ومخالفة للتوقعات برفع سعر الفائدة بنسبة 2%، لتضاف إلى نحو 5% تمت زيادتها على مرحلتين منذ تحرير سعر الجنيه، ليصبح إجمالى زيادة سعر الفائدة 7% فى 7 أشهر.
«سعر الفائدة سيهبط مجددا بالتأكيد، معدلات الفائدة الحالية قد تساهم فى دعم الجنيه المصرى ورفع معدل السيولة ولكنها عائق كبير أمام نمو الاقتصاد» قال شمس، متوقعا أن يتراجع سعر الفائدة بنحو 4% خلال الفترة القادمة «من الصعب توقع ما سيحدث فى الاجتماع القادم للجنة السياسة النقدية، لكن توقعات المجموعة تشير إلى أن سعر الفائدة سينخفض بنسبة 2% حتى ديسمبر المقبل، وهى نفس النسبة التى رفعها المركزى».
ويختلف شمس مع رفع سعر الفائدة من أجل مواجهة التضخم، قائلا: «الارتفاع الكبير فى الأسعار أخيرا كان مدفوعا بقوى العرض وليس الطلب، فقد كان طبيعيا أن ترتفع الأسعار بشدة بعد خسارة الجنيه لـ50% من قيمته بعد تحريره الذى لا نختلف معه، وفى ضوء أن مصر تستورد بين 70% و75% من احتياجاتها الأساسية».
وبحسب بيانات حديثة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفعت نسبة التضخم الشهرى فى يوليو الماضى بنسبة 3.3%، كما ارتفع معدل التضخم السنوى إلى 34.2%.
وأضاف أن رفع أسعار الفائدة قد يدعم استقرار سعر صرف الجنيه وهو ما يساهم فى استقرار الأسعار، «لكن اختلافى مع الرفع الأخير سببه أن مصر وقبل رفع سعر الفائدة كانت بالفعل تقدم أعلى عائد مقارنة بنظيراتها من الدول الناشئة الأخرى، وعند المقارنة مع أعلى الدول من هذه الدول فى سعر الفائدة سنجد أن الفرق سيظل كبيرا، وهو ما كان كافيا لجذب استثمارات أجنبية فى سوق المال والسندات الحكومية».
«السؤال الأهم هو كيف ستؤثر أسعار الفائدة الحالية على الاستثمار المباشر وهو ما تحتاجه مصر بشدة لكى تنمو بمعدلات كافية لمواجهة البطالة ورفع مستوى دخل الفرد، من المؤكد أنه سيؤثر سلبا»، أضاف شمس.
ويرى شمس أن مصر تجرى إصلاحا ماليا شاقا جدا ومتعبا جدا ومؤلما للطبقة المتوسطة، «ولا بد من تحقيق نمو يلازمه.. لن أقول بنسبة ١٠٪ مثل ما حققته دولة مثل إثيوبيا منذ ٢٠١٤، ولن أشير إلى تجربة الصين والهند فى مطلع الألفية الثانية ولكن أتحدث عن معدلات حققتها مصر قبل 2011 وتحققها الآن دول ناشئة مثل أوزباكستان ونيبال وجيبوتى، حيث معدل النمو فى جميع هذه الدول يتراوح بين 7 و8%، وهذا لن يتحقق بوجود سعر فائدة مثل هذا».
وبحسب شمس فإن القطاع الخاص يعانى تراجعا كبيرا فى التمويل المصرفى، «هو لم ينكمش، لكن فى دولة بحجم مصر تتسم بانخفاض نسبة التشبع المصرفى، يعد انخفاض نمو التمويل إلى 3% من 20% مثلا، انخفاضا كبيرا»، وأضاف أن استمرار التراجع فى تمويل القطاع الخاص سيترك أثرا سلبيا على التوظيف والنمو، ولهذا أتوقع أن تنخفض أسعار الفائدة مجددا فى المدى القصير والمتوسط، فمصر بوضعها الحالى لن تتحمل هذه الأسعار لفترة طويلة».
وقال شمس إن مصر كى تحقق معدلات النمو تلك يجب أن تعمل على جذب استثمارات خارجية، يعوض ضعف معدلات الاستثمار المحلى والادخار، «وهذا لن يحدث إلا بتوفير أدوات مالية واستثمارية تستطيع جذب الادخارات والاستثمارات، فمصر تعانى من ضعف معدل الادخار المحلى والذى يصل إلى ١٢٪ من الدخل القومى، وهو ما ازداد سوءا بعد ٢٠١١ حيث ارتفع الاستهلاك المحلى إلى ٨٢٪ من الناتج المحلى من ٧٢٪ فى ٢٠١٠ حيث أدى الارتفاع الوهمى لسعر صرف الجنيه إلى انفجار نسبة الاستهلاك المحلى على حساب الاستثمار».
وقال إن الأوعية الادخارية المتوافرة فى مصر تنحصر فى حساب بنكى، «علما بأن من لديهم حساب بنكى فى مصر لا يمثلون أكثر من 10% من عدد السكان» أو شراء عقار.
«الادخار والاستثمار يحتاجان أدوات جديدة، وفى الاستثمار نحتاج وجود أدوات مثل الصناديق العقارية ومشتقات وغيرها»، تابع شمس مضيفا أن إصلاح منظومة المعاش من القضايا الجوهرية التى يجب أن يتم الاهتمام فيها فى إطار مسألة تنمية الاستثمارات المحلية والادخار، وتجربة دولة شيلى خير دليل على ذلك، حيث استطاعت بعد إصلاح نظام المعاشات أن تمول بنيتها التحتية والاستثمارات الداخلية من خلالها.
وتابع: «استطاعت مصر بعد تحرير سعر صرف العملة تحقيق الهدف السهل وهو جذب استثمارات خارجية إلى البورصة بقيمة 550 مليون دولار وهو رقم كبير مقارنة بقيمتها السوقية الحالية التى تصل إلى 25 مليار دولار مقابل 120 مليار دولار فى عام 2007، فضلا عن ١٣ مليار دولار استثمارات أجنبية فى الدين المحلى.. يجب أن يكون العمل فى الخطوة التالية على الاستثمارات الخارجية، ومصر لديها فرصة لتحقيق فوائد كبيرة جدا خلال السنوات العشر المقبلة، لكن يجب أن نجيب عن سؤالين مهمين، وهما: هل نستطيع تحقيق نمو بنسبة 7% مجددا؟ والسؤال الأهم هو هل سنستطيع سداد الدين الخارجى أو إعادة جدولته لاحقا؟».
وكشفت بيانات البنك المركزى الأخيرة، عن ارتفاع إجمالى الدين الخارجى إلى 73.8 مليار دولار فى مارس الماضى، وأوضحت بيانات سابقة أن الدين الخارجى ارتفع 40.8% على أساس سنوى فى النصف الأول من السنة المالية «2016 ــ 2017» إلى 67.322 مليار دولار، من 47.792 مليار دولار فى النصف الأول من «2015 ــ 2016»، بينما زاد الدين العام الداخلى 28.9% فى الفترة ذاتها إلى 3.052 تريليون جنيه (166.9 مليار دولار) من 2.368 تريليون فى النصف المقابل من السنة المالية السابقة.
ووفقا لشمس، فإن مصر مطالبة بسداد نحو 11 مليار دولار خلال العام المالى القادم، وحتى تستطيع مصر سداد دينها الخارجى، فهى تحتاج الوصول بنسبة النمو إلى أكثر من ٧٪ وجذب استثمارات مباشرة وغير مباشرة من خلال نظام مالى قوى وسوق مال أكبر وأعمق.
ويرى شمس، أن الطروحات الحكومية الجديدة فى البورصة ستساهم فى جذب الاستثمارات، «على سبيل المثال، ساهم ارتفاع تصنيف سوق دبى وانضمامه إلى مؤشر الأسواق الناشئة فى تدفق ما يزيد على ٥ مليارات دولار من استثمارات فى الأسهم منذ يوليو ٢٠١٤، وكان لسوق الدوحة تجربة مشابهة حيث اجتذب ما يقارب من الـ3.5 مليار دولار بعد ارتفاع تصنيفه. وهذا ما تحاول السعودية ان تفعله حاليا، حيث استعدادها لطرح شركة أرامكو، وهى المحتكر لكل أنشطة النفط والغاز فى المملكة، فى البورصة وقيامها بالعديد من الإصلاحات التشريعية والتنفيذية فى سوق المال حتى تجتذب الاستثمارات الأجنبية وتعوض ولو جزئيا الآثار السلبية لانخفاض سعر البترول».
وتابع: «بشكل عام، يجب أن نستعد لعصر جديد فى المنطقة العربية يفرض علينا نموذجا اقتصاديا جديدا. فالاعتماد على تصدير العمالة متوسطة ومنخفضة المهارات لدول الخليج لن يساعد كثيرا على المدى المتوسط والطويل، خاصة مع ارتفاع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية فى المنطقة ومع نظرتنا لأسعار البترول مستقبلا وتوقعاتنا بحدوث طفرة تكنولوجيا فى الطاقة البديلة ستساهم فى انخفاض منحنى التكلفة بشكل كبير. لقد فعلنا ما قد يساعدنا على الاستمرار فى المدى المتوسط، ولكن على المدى البعيد لا يوجد بديل سوى رفع مستوى الإنتاجية والتنافسية المصرية من خلال تحسين جودة التعليم والتدريب المهنى ربط هذا بآليات ومتطلبات السوق وأيضا من خلال خلق بيئة مشجعة وصحية لنمو الصناعات الصغيرة والمتوسطة خاصة فى المجالات الخاصة بالتكنولوجيا والإبداع، وهو ما أعتقد بشدة فى قدرتنا على التميز فيه. فمثلا قد تأخذ عشرات السنين لرفع إنتاجية العامل المصرى إلى المستوى الذى يؤهله لمنافسة العامل الآسيوى، ولكن تستطيع اختصار الزمن بشكل كبير إذا ما اعتمدت على المكون الإبداعى والتكنولوجى خاصة فى الصناعات الصغيرة.
وأكد شمس على ضرورة الاعتماد فى التنمية الاقتصادية على الأفكار الإبداعية، وعدم تضييع الوقت والجهد فى محاولة تقليد نموذج دول تختلف ظروفها عن مصر كثيرا.
وقال إن مصر تحتاج إلى نمو يحقق تنمية تدخل أكبر عدد من السكان فى العملية الإنتاجية «فأنا لا يعنينى تحقيق معدلات نمو مرتفعة بينما لا أجد عملا»، مضيفا أن هناك شركات عملاقة يبلغ رأس مالها مليارات الدولارات بدأت فى غرفة صغيرة لشابين فى الجامعة، موضحا أن مصر استثمرت كثيرا فى البنية التحتية وفى الصناعات الأساسية، وأثبتت التجربة ان اهم انواع الاستثمار هى الاستثمار فى الانسان المصرى.
«لا يستطيع أى كيان تحمل تبعية مصر له حتى لو كان دول الخليج مجتمعة»، قال شمس معلقا على حديث البعض عن أن مصر أصبحت تابعا لبعض الدول خاصة فى الخليج، وقال إن مشاكل الاقتصاد المصرى ثقيلة ولن يستطيع أحد حلها غير مصر، ولن تستطيع دولة «أيا كانت» تحمل تبعية مصر لها أو دفع فاتورتها الاقتصادية.