تأثرت السوق الفلسطينية بارتفاع أسعار القهوة عالميًا، حيث شهدت الأسواق المحلية خلال الأشهر الأخيرة زيادات ملحوظة في أسعار القهوة بأنواعها المختلفة، وسط تحذيرات من استمرار موجة الغلاء في ظل الاضطرابات المناخية وارتفاع الطلب العالمي على القهوة، فيما تُعتبر القهوة واحدة من أكثر السلع الزراعية تداولًا عالميًا، وتُعد من أكثر المشروبات استهلاكًا بعد الماء.
كما أن هناك حربًا مستعرة تدور في العلن والخفاء للسيطرة على أسواق القهوة عالميًا، خاصة بين الصين وأمريكا، ففي الوقت الذي قامت فيه أمريكا برفع رسوم الجمارك على عديد من دول العالم ومنها البرازيل، اشترت الصين كميات هائلة من إنتاج البرازيل من القهوة.
فيما ذكرت تقارير غير رسمية، أن تجار القهوة عالميًا يشترونها من البرازيل ويبيعونها في أمريكا عبر دولة ثالثة، حيث تبدو تكاليف الشحن العالية أقل بكثير من الجمارك المفروضة على المنتجات البرازيلية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تشهد مدينة نيويورك الأمريكية مواجهة جديدة في ساحة القهوة العالمية، حيث بدأت سلسلة "لوكين كوفي" الصينية خطواتها الأولى في السوق الأمريكية، ما دفع "ستاربكس" إلى الرد بحملة تسويقية جريئة، في خطوة وُصفت بأنها رد مباشر على توسّع "لوكين كوفي" في عقر دارها.
واستنادًا إلى منظمة القهوة الدولية، فإن الارتفاع السريع في أسعار القهوة العالمية له تأثير متسلسل على كلٍ من المستهلكين والمنتجين.
وارتفعت أسعار القهوة بالتجزئة في الولايات المتحدة بنسبة 6.6% في ديسمبر 2024 مقارنةً بالعام السابق، بينما ارتفعت الأسعار في الاتحاد الأوروبي بنسبة 3.8%.
وعادة ما تنتقل الأسعار من الأسواق العالمية إلى المستهلكين خلال فترة تتراوح بين 11 و19 شهرًا، وقد ظهر التأثير الكامل لارتفاعات الأسعار في عام 2024 مع بداية أغسطس 2025 في السوق العالمي للقهوة.
وقال أسامة النتشة، خبير القهوة، فقد شهد السوق العالمي للقهوة منذ بداية الشهر الحالي ارتفاعات متتالية، مدفوعة باضطرابات سلسلة الإمدادات العالمية، مع تراجع في الصادرات عبر معظم المناطق المنتجة.
وقال النتشة: "تواجه صناعة القهوة تحديات متزايدة في الإمدادات، حيث تتراجع المخزونات وسط الاضطرابات المناخية والمشاكل اللوجستية في بعض المناطق المنتجة الرئيسية".
وأضاف: "انخفضت المخزونات المعتمدة من قهوة الأرابيكا بنسبة 11.7% لتصل إلى 0.91 مليون كيس بوزن 60 كغم، بينما ارتفعت مخزونات الروبوستا في لندن بنسبة 3.8% لتصل إلى 0.76 مليون كيس. إضافة إلى ذلك، تؤثر السياسات الاقتصادية العالمية والتغيرات التنظيمية على ديناميكيات السوق، وكذلك إجراءات إدارة الرئيس الأمريكي بشأن سياسات التجارة الدولية والضرائب".
وتابع: "شهدت أسعار القهوة في السوق المحلي ارتفاعات متتالية منذ بداية العام الحالي، وفي سلسلة متاجرنا لبيع القهوة لم نرفع السعر إلا بعد نفاد المخزون، في حين سارعت متاجر أخرى إلى رفع الأسعار مبكرًا، وحينما رفعنا السعر كان ذلك لتلبية احتياجات المستهلكين من قهوتنا ومراعاةً للظروف التي نمر بها جميعًا".
وواصل: "هناك قلق كبير لدى مستوردي القهوة في فلسطين بسبب اضطرابات الأسعار، وتستغرق رحلة القهوة الخضراء من منبعها إلى فلسطين ما بين 90 – 100 يوم".
وأردف: "تتوزع هذه الأيام كما يلي: 30 – 40 يومًا بعد الطلب من بلد المنشأ، 45 يومًا رحلة من بلد المنشأ إلى الموانئ الإسرائيلية، ومن 5 – 15 يومًا في الموانئ الإسرائيلية قبل أن تُشحن إلى مخازن الشركات في فلسطين، وهذا يُشكل قلقًا وضغطًا كبيرًا على مستوردي القهوة".
وأوضح أن عدم ثبات أسعار القهوة عالميًا يُشكل خطرًا على مستوردي القهوة في فلسطين، بسبب عوامل الشحن والنقل وطول فترة الاستيراد، إضافة إلى تقلبات الأسعار التي تهدد الاستيراد بشكل عام.
وفي هذا السياق، يقول خبراء القهوة عالميًا: "من المتوقع أن تستمر تقلبات أسعار القهوة العالمية حتى نهاية عام 2025، مع استمرار غموض الإنتاج والتحديات اللوجستية في لعب دور حاسم، ومع تزايد تأثير اضطرابات سلسلة التوريد والعوامل المناخية على ديناميكيات السوق، سيتعين على الشركات وصانعي السياسات التكيّف بسرعة لضمان الاستدامة والمرونة على المدى الطويل في سوق القهوة العالمي".
وحول الرقابة على أسعار بيع القهوة في السوق الوطني ودور وزارة الاقتصاد الوطني في حماية المستهلك، قال النتشة: "من الصعب على وزارة الاقتصاد الوطني، التي أخفقت في حماية المستهلك خلال ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء وما زالت مستمرة حتى اليوم، أن تضع سقوفًا استرشادية لأسعار القهوة".
وختم النتشة حديثه قائلًا: "مع استمرار التحديات المناخية في الدول المنتجة للقهوة وزيادة الطلب العالمي، من المتوقع أن تستمر الضغوط على أسعار القهوة، مما قد يؤدي إلى زيادات إضافية في الأسعار المحلية خلال الأشهر القادمة، لكن نقول هنا: الأسعار والأعمار بيد الله".