صدر حديثًا للصحفية الإيطالية سيسليا سالا، كتاب بعنوان «النار: أصوات الجيل الجديد فى إيران وأوكرانيا وأفغانستان» الذى يمثل شهادة حية على قوة الشباب فى مواجهة الأزمات السياسية والاجتماعية فى العصر المعاصر.
وأكدت المؤلفة عبر صفحات الكتاب أن شجاعتها ومهارتها الصحفية مكنتها من تقديم قراءة معمقة لجيل يناضل من أجل الحرية والكرامة فى كل مكان حول العالم، وأظهرت من خلاله تفاصيل حياتية وإنسانية جعلت الأحداث أكثر حيوية وواقعية من أى تقرير صحفى تقليدى.
وأوضحت الصحفية أنها كانت شاهدة مباشرة على بعض أكثر الصراعات والثورات دموية التى شهدها العالم فى السنوات الأخيرة من أجل كتابة الكتاب، وقالت «سالا»: إنه فى 19 ديسمبر 2024، تم اعتقالها أثناء تغطيتها الصحفية فى طهران بتهم غامضة تتعلق بـ«قوانين الجمهورية الإسلامية»، وأكدت أنها قضت ثلاثة أسابيع فى الحبس الانفرادى بسجن إيفين قبل أن يتم الإفراج عنها.
وذكرت «سالا»، مستلهمة من الصحفية الأمريكية، مارى كولفين - المشهورة بتغطيتها الحروب والصراعات حول العالم - أن رسالتها كانت الكتابة عن «الإنسانية تحت وطأة أشد الأزمات». وأوضحت فى كتابها الجديد - الذى يمثل رحلة ميدانية عبر الاضطرابات الاجتماعية والسياسية فى إيران وأوكرانيا وأفغانستان- أنها تسعى لتقديم تقارير غامرة ومبتكرة، تجمع بين التغطية الصحفية والتحليل الأنثروبولوجى.
وقالت «سالا»: إنها لم تتردد فى إدراج نفسها فى الأحداث المثيرة، لكنها شددت على أن الكتاب يركز على الآخرين وليس عليها، وأوضحت أن
شخصياتها الشبابية التى نقلت تجاربها للقراء تشمل معلمة روضة تحضر مخيم تدريب يُحاكى الحرب فى الخنادق، ومخترق شبكات شاب يخترق النظام الدفاعى الروسى لتشجيع الجنود على الانشقاق، وعمدة أفغانية تولت منصبها فى سن السادسة والعشرين. ولذلك قالت «سالا»: إن البطل الرئيسى فى كتابها هو جيل محدد واحد.
وكشفت «سالا» عن أن الشباب الذين التقت بهم يمتلئون بمزيج من الاستياء والفخر الوطنى، وذكرت تجربتها خلال حركة «المرأة، الحياة، الحرية» فى إيران عام 2022، عندما سافرت بقطار ليلى مع صديقتها «نبيلة»، وهى بطلة رياضة الملاكمة تدعم الجمهورية الإسلامية عامة، لكنها تعارض سياساتها القمعية بشأن الحجاب. وأضافت «سالا» أن وفاة امرأة تبلغ من العمر 22 عامًا، لأنها خرجت بلا حجاب اعتبرتها صديقتها «نبيلة» إهانة جماعية وجرمًا عظيمًا فى حق الله.
وأوضحت «سالا» أن الكتاب يتضمن معلومات دقيقة عن الحياة اليومية فى البلدان التى زارتها، مثل أن غالبية طلاب الرياضيات والعلوم فى إيران من النساء، وهو انعكاس مباشر للاتجاهات العالمية، وأكدت أن نقص الوظائف الحكومية لهذه الفئة المتعلمة دفع الشباب الإيرانيين للابتكار والاعتماد على بعضهم البعض لكسب رزقهم، ما أوجد عالمًا موازيًا من تطبيقات البث والاقتصاد التشاركى، وأشارت إلى أن ذلك خلق جيلًا يشعر بالانفصال عن الكبار ومستعد لتفكيك النظام القديم.
وأظهرت «سالا» أيضًا كيف يتعامل الشباب مع العنف المحيط بهم، وقالت إنه قبل شهر من الغزو الروسى لأوكرانيا، تحدثت مع شاب يبلغ من العمر 28 عامًا التقت به عبر النوادى السرية فى كييف، وأوضحت له عن التهديد الروسى القادم، فذكر لها: «آمل أن تكون هناك حرب»، مضيفًا: أنه لا يريد ترك مهمة مواجهة «بوتين» «للجيل القادم».
وأشارت «سالا» إلى أن سرد تاريخ الدول التى تزورها قد يبدو أحيانًا كأنه حكاية جنونية، لكنها أكدت أن الحميمية وسرعة الأحداث المعاصرة التى تصفها، والتى نقلتها بسلاسة ترجمة أوناج سترانسكى من الإيطالية، تعوض عن أى نقص فى ترابط السرد، نقلًا عن صحيفة النيويورك تايمز.
وأكدت «سالا» أنها تجد نفسها فى قلب بعض الموضوعات الأكثر حساسية فى المناطق التى تزورها، وذكرت أنه فى أفغانستان مثلًا عام 2021، رصدت مجموعة واتساب تقدم تعليمات فورية للفتيات المراهقات حول كيفية الحفاظ على سلامتهن أثناء الاحتجاج على حكم طالبان، وكانت التعليمات تقول: «ارتدى كمامة، احتفظى بالحجاب على رأسك، وارتدى نظارات شمسية داكنة».
وأشارت «سالا» إلى أن النساء فى أفغانستان مستعدات لمعركة طويلة، وذكرت مقولة منسوبة إلى طالبان تقول: «أنتم لديكم الساعات، ونحن لدينا الوقت».
وقالت إن الشباب الملهم الذى التقت به هناك يمتلك كلاهما: الساعات والوقت، وأكدت أنه كان على الكبار الاستماع إلى نداءاتهم للحرية.