القاهرة-موسكو: أسرار العلاقات المصرية السوفيتية في كتاب لسامي عمارة 3.. «النكسة والخيانة» - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:43 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القاهرة-موسكو: أسرار العلاقات المصرية السوفيتية في كتاب لسامي عمارة 3.. «النكسة والخيانة»

عرض ــ ياسر محمود:
نشر في: الجمعة 22 مارس 2019 - 11:10 ص | آخر تحديث: الجمعة 22 مارس 2019 - 11:10 ص

حقيقة تورط موسكو فى تضليل مصر وإغراقها فى كارثة يونيو
رسائل بوجيدايف للخارجية السوفيتية تكشف تفاصيل لقاءات ما قبل الحرب فى منزل المشير ووزارة الحربية ورئاسة الجمهورية
عبدالناصر يشكر السفير على إمداد مصر بالمعلومات.. وكوسجين: انتصرتم سياسيًا وعسكريًا بانسحاب قوات الطوارئ والسيطرة على المضيق.. ماذا تريدون أكثر؟
مراد غالب: شمس بدران يقضى وقته فى موسكو فى شراء أثاث لبيته.. وعندما عاد إلى مصر قال إن السوفييت سيحاربون معنا
عامر يستنجد: قواتنا لا تستطيع الخروج من سيناء.. إذا لم تساعدونا فإن الحرب ستتحول هذه الليلة إلى مذبحة
جمال: عدم الانحياز صار «تعبيرًا أجوف».. وإما أن نكون مع الاتحاد السوفيتى وإما أن نسقط بين يدى الولايات المتحدة
السفير السوفيتى: عبدالناصر كان على يقين من وجود خيانة وراء نكسة يونيو.. وعبدالمنعم رياض أخبر عامر بالهجوم فى السابعة صباحًا
هل يتحمل الاتحاد السوفيتى مسئولية ما حاق بمصر من كوارث بسبب نكسة يونيو 1967 ؟

سؤال يحاول سامى عمارة الإجابة عنه فى كتابه «القاهرة ــ موسكو.. وثائق وأسرار» ــ الصادر عن دار الشروق ــ وذلك من خلال رحلة بحثه فى «كنز الوثائق السرية» الذى أتاحت له الظروف التقليب بين أوراقه، راصدا تصاعد وتواتر الأحداث فى فترة حرجة من عمر مصر، مستعرضا بوادر تلك الأزمة ومراحل تصاعدها، وحتى بلوغها ذروة الانفجار فى الخامس من يونيو وما بعدها، من واقع اللقاءات والمراسلات بين موسكو والقاهرة، والتى كان أبطالها، صناع القرار فى كلا البلدين، والتى تبدأ قبيل الفترة التى اتخذت فيها القيادة المصرية قرار سحب قوات الطوارئ الدولية ليكون فى مقدورها مساعدة سوريا بالتدخل عسكريا، إذا ما تعرضت لهجوم إسرائيلى، إذ كانت الأخبار تتوارد آنذاك حول حشود إسرائيلية على الحدود المتاخمة لسوريا، وهو ما تأكدت منه القاهرة عبر العديد من المصادر السوفيتية.

ويبدأ عمارة رحلته فى رصد أحداث تلك المرحلة من «أرشيف وزارة الخارجية الروسية»، من خلال تسجيل لوقائع اللقاء الذى جرى فى موسكو 13 مايو 1976 بين أندريه جروميكو، وزير الخارجية السوفيتية، وأنور السادات ــ كان يشغل آنذاك منصب رئيس مجلس الأمة ــ لدى عودته من زيارة برلمانية إلى كل من منغوليا وكوريا الشمالية، حيث قال جروميكو للسادات: «لقد لفتنا نظر سلطات إسرائيل بشكل جدى بمناسبة الأحداث الأخيرة على الحدود مع سوريا»، مستعرضا مع السادات الموقف فى المنطقة وتأييد الاتحاد السوفيتى و«ج. ع. م» لسوريا، على ضوء ما أعلنه حول تحذيرات الاتحاد السوفيتى لإسرائيل.

ويلفت المؤلف إلى أن ما جاء فى الوثيقة يتفق مع ما ورد فى كتاب «الانفجار»، من أن جروميكو قال للسادات خلال اللقاء: «سوريا تواجه موقفا صعبا. ونحن سنساعد سوريا فى الموقف الذى تواجهه. وقد أخطرنا الرئيس ناصر فى القاهرة بما لدينا من معلومات».

وفى رسالة ممهورة بخاتم «سرى» يبعث السفير السوفيتى فى القاهرة دميترى بوجيدايف إلى موسكو بتاريخ 16 مايو 1967، تفاصيل مادار من حوار فى لقاء جمعه ووزير الحربية شمس بدران، مشيرا إلى إنه ــ بحسب بدران ــ نمى إلى علم المصريين من الجانب السورى، أن إسرائيل تحشد 12 لواء على الحدود المتاخمة لسوريا، مؤكدا «بكل الجدية» احتمالات اختراق الحدود فى الشمال السورى»، ونقل كذلك عن بدران تأكيده «إن مصر وفى حال تعرض سوريا للعدوان فسوف تخوض الحرب فورا».

وخلص شمس بدران خلال اللقاء إلى طرح طلباته من الأسلحة، ومنها ما بعث بتفاصيله إلى نظيره السوفيتى وزير الدفاع فى خطابه الذى أرسله فى 14 مايو، وتضمن طلب طائرات «ميج ــ 21» و«سوخوى ــ 7»، ومدافع مضادة للطائرات ورشاشات وأجهزة لاسلكى وغير ذلك من المعدات الحربية.

ويتوقف عمارة عند لقاء السفير السوفيتى مع المشير عبدالحكيم عامر لنوجز ما دار بينهما فى بيت المشير، وهو اللقاء الذى بعث بوجيدايف بتفاصيله إلى وزارة الخارجية السوفيتية فى رسالته التى حملت خاتم «سرى» تحت ــ رقم 266 ملف 30 ــ 89.

«فى 19 مايو دُعيت للقاء المشير عامر فى بيته. قال عامر فى بداية اللقاء إنه يريد إبلاغى بآخر الأخبار المتعلقة بقرار «ج. ع. م» حول احتلال المواقع المتقدمة على الحدود مع إسرائيل بدلا من قوات الطوارئ.. وأشار إلى أن رحيل قوات الطوارئ يمكن أن يغير بشكل جذرى من الأوضاع على الحدود.. سألت المشير عن تقديره لمثل هذه الأوضاع الجديدة.. فقال إن الإسرائيليين لن يغامروا بالبدء فى عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد سوريا» ولفت عامر خلال اللقاء إلى أن ذلك «يفوت الفرصة على الملكين حسين وفيصل والدوائر العربية الرجعية فى تشويه السياسة الخارجية المصرية، وستكون تلك القوى مضطرة من أجل الحفاظ على صورتها أمام العرب إلى الإعلان صراحة عن تأييدها للخطوات التى تقوم بها حكومة «ج. ع. م» فى هذا الشأن».

ونمضى مع الوثائق، حتى البرقية العاجلة التى بعث بها أندريه جروميكو وزير الخارجية السوفيتية فى 21 مايو 1967 إلى المندوب الدائم للاتحاد السوفيتى فى مجلس الأمن ممهورة بخاتم: «سرى للغاية» ــ عاجل، بمناسبة الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن حول الأوضاع فى الشرق الأوسط، وتطرقت فى معظمها إلى تأكيد حق «ج .ع. م» فى المطالبة بسحب قوات الأمم المتحدة من أراضيها، وضرورة التنسيق مع وفدى «ج. ع. م» وسوريا، بما فى ذلك استخدام حق الفيتو ضد أى مشروع يستهدف إدانة الدول العربية عضوا غير دائم فى المجلس.

ونعود إلى القاهرة وما سجله السفير السوفيتى دميترى بوجيدايف عن لقائه مع الرئيس عبدالناصر فى 22 مايو 1967 «سرى»: «استقبلنى اليوم ناصر وأعرب عن شكره للاتحاد السوفيتى جزاء ما قدمه من تصورات قيمة بخصوص التوتر القائم فى الشرق الأوسط، وكذلك عن المعلومات التى أبلغها فى وقت سابق إلى وزير الحربية بدران. وأشار الرئيس إلى أنهم وقبل وصول هذه المعلومات، كانوا يعانون من صعوبات بسبب عدم امتلاكهم للمعلومات الكافية عن تعداد القوات الإسرائيلية ومواقع تمركزها».

ويتوقف عمارة فى هذا الصدد ليشير إلى أن ما قاله الرئيس عبدالناصر حول الصعوبات التى طالما «صادفت القوات المسلحة المصرية بسبب عدم امتلاك المعلومات الكافية عن تعداد القوات الإسرائيلية ومواقع تمركزها»، يبدو اعترافا بالغ الأهمية، يضاف إلى ما سبق ذلك من اعترافات بالقصور، بل بالتقصير الذى طالما اتسمت به سلوكيات القيادة العسكرية والسياسية، المدعوة بحكم مناصبها إلى الاهتمام بذلك، ولا سيما فى مثل هذه اللحظات الفارقة فى تاريخ الوطن.

ويبحث المؤلف فى حقيقة ما نقله محمد حسنين هيكل فى كتابه «الانفجار 1967» نقلا عن محفوظات وزارة الخارجية المصرية عن أن السفير السوفيتى بعد مقابلته للرئيس جمال عبدالناصر (مساء 22 مايو عقب عودته من قاعدة «أبو صوير» الجوية؛ حيث أعلن إغلاق خليج العقبة، بعث لموسكو أن جمال أوضح له أن الاتحاد السوفيتى «مسئول عن تصعيد الأزمة بتأكيداته عن الحشود الإسرائيلية تجاه سوريا»، مؤكدا أن لم يجد أى أثر لهذه الرسالة فى أرشيف الخارجية السوفيتية.

• اتصالات ما قبل الكارثة

وتتهادى حركة عقارب الساعات بطيئة ثقيلة، فيما تتواصل الاتصالات على مختلف المستويات. وتتسارع الخطى سعيا وراء إيقاف آلة الحرب التى باتت تعمل وفق برنامج غير واضح المعالم؛ لتنفيذ غاية مجهولة.. ومن الاتصالات والمشاورات المصرية السوفيتية التى ينقلها سامى عمارة فى اللحظات الأخيرة قبل اندلاع الحرب، نتوقف مع زيارة زيارة الوفد العسكرى المصرى لموسكو فى 22 مايو 1967، برئاسة شمس بدران وزير الحربية، والذى التقاه المارشال أندريه جريتشكو وزير الدفاع السوفيتى وآخرون من أبرز القيادات العسكرية السوفيتية، علاوة على لقاء كل من أندريه جروميكو وزير الخارجية وألكسى كوسيجين رئيس الحكومة السوفيتية.

ومن واقع ملفات القيادة العليا للقوات المسلحة ــ تحت رقم قيد 1208 ــ 421 بتاريخ 29 ــ 5 ــ 1967ــ والتى أرسلت نسخها إلى وزارة الخارجية المصرية وهيئة المخابرات العامة: «توجه كوسيجين إلى بدران بسلسلة طويلة من الأسئلة عن تفاصيل الأوضاع فى المنطقة، خلص بعد الاستماع إلى إجابات الوفد المصرى عليها إلى القول: أرى أن الموقف كالآتى: من الناحية السياسية انتصرتم، ومن الناحية العسكرية انتصرتم أيضا. ماذا تريدون الآن؟ رأيى أنه يمكن الاكتفاء بما وصلتم إليه. انسحاب قوات الطوارئ، ثم سيطرتكم على المضيق. ماذا تريدون أكثر؟ العدو لا يوافق على غلق الخليج.. ليس أمامكم عدو واحد، بل أعداء كثيرون. ليست إسرائيل وحدها، وإنما وراءها الأمريكان والإنجليز. لو كانت إسرائيل وحدها ما ثارت مشكلة. هذه أفكارى ونحن نتناقش معكم بوصفنا أصدقاء. ومن المحتمل أن تأتى إليكم أساطيل أجنبية ويتوتر الموقف أكثر ويهدد بحرب. ألا يكفيكم أن قوات الأمم المتحدة انسحبت من المنطقة، وأصبحتم تشرفون على المضيق»..

ومضى كوسيجين ليقول: «أنتم طلبتم معلومات عن الأسطول السادس والأسطول البريطانى فى البحر الأبيض، وسنبلغكم بهذه المعلومات. ونحن لدينا معلومات صحيحة وثابتة عن الأسطول السادس والأسطول البريطانى».

وتنتهى مهمة الوفد المصرى ليتوجه إلى المطار يرافقه المارشال جريتشكو لوداعه. ويقول شمس بدران إن حوارا دار بينه وبين المارشال جريتشكو عند سلم الطائرة أودع مفرداته فى مذكرة مستقلة صادرة عن مكتب وزير الحربية جاء فيها أن المارشال جريتشكو قال له: «أريد أن أوضح لك أنه إذا دخلت أمريكا الحرب فسوف ندخلها بجانبكم ـ هل فهمت ما أعنيه (..) أن أسطولنا فى البحر الأبيض قريب من شواطئكم الآن، وبه من المدمرات والغواصات المسلحة بالصواريخ وبأسلحة لا تعلمونها (..) إذا حدث شىء واحتجتم لنا فمجرد إرسال إشارة نحضر لكم فورا فى بورسعيد أو فى أى مكان».. وللتعليق على المذكرة يتوقف المؤلف عند شخصية شمس بدران من واقع شهادات معاصريه، ومنهم مراد غالب سفير مصر فى الاتحاد السوفيتى والذى قال فى كتابه «مع عبدالناصر والسادات ـ سنوات الانتصار وأيام المحن»:« كان (بدران ) يقضى وقته فى موسكو مقسما بين المباحثات مع القادة السوفييت وبين شراء أثاث لبيته (..) وعندما عاد إلى مصر وتكلم فى مجلس الوزراء ذكر أن السوفييت سيحاربون معنا، وأن الأسطول السوفيتى والقوات المسلحة السوفيتية سوف يدمران الأسطول السادس الأمريكى، وسوف «يشفيه» لحما وعظما، ولا أدرى من أين أتى بهذا الكلام الذى لا يخطر على بال إنسان عاقل»..

وفى الخامس من يونيو 1967.. اندلعت شرارة الحرب، ليستدعى عبدالناصر السفير السوفيتى بوجيدايف، ليسجل الأخير ما دار فى ذلك اللقاء فى رسالة إلى خارجية بلاده: «استدعانى الرئيس ناصر على وجه السرعة فى الساعة 11 صباحا.. وأبلغنى أن الطائرات الإسرائيلية هاجمت فجأة كل المطارات المصرية الموجودة فى سيناء وفى غزة وفى منطقة قناة السويس. وهناك عدد من الطائرات الإسرائيلية حلقت فى سماء القاهرة وقصفت المطار العسكرى غرب القاهرة.

وتقول بيانات القيادة المصرية إنه جرى إسقاط 42 طائرة إسرائيلية وجرى أسر بعض الطيارين الإسرائيليين. وبسبب انتزاع الإسرائيليين عامل المبادرة فقد لحقت بالقوات المصرية خسائر فى الطائرات لم نتحقق بعد من عددها. وحسب قول الرئيس فإن القيادة العربية فى الأردن أبلغت بأن حاملتى طائرات أمريكية وبريطانية، تقفان على مسافة 20 كم غربى تل أبيب، ومنهما أقلعت 16 طائرة فى اتجاه المطار الإسرائيلى فى منطقة «ديفيت». وقد استطاعت نقاط المراقبة المصرية فى منطقة عجلونة رصد مشاركة طائرات أمريكية وإنجليزية فى المعارك الجوية فى سماء سيناء. وقال الرئيس إن القيادة فى «ج ع م» لن تعلن عن ذلك وحتى إسقاط أو أسر طيار الطائرة الأمريكية.

وقال المشير عامر الذى اشترك فى النقاش: «إن القوات البرية لإسرائيل واجهت مقاومة شديدة من جانب القوات المصرية التى لا تزال تملك الأفضلية من حيث القوة. وطلب عبدالناصر إبلاغ الرفيق كوسيجين رجاءه الشخصى لإرسال أكبر عدد من مقاتلات ميج ــ 21 وميج ــ 17، وإرسالها محمولة جوا، وإرسال 24 قاذفة من طراز تو ــ 16 مباشرة إلى مصر.. وأوضح أن مصر فى حاجة إلى هذه الطائرات لتعويض ما فقدته مصر من خسائر»
وفى نفس اليوم عاد السفير السوفيتى إلى زيارة الرئيس عبدالناصر للمرة الثانية، وهو ما أودع تفاصيله رسالته التالية.. سرى: «قمت بزيارة الرئيس ناصر فى الساعة 17.45 وسألته عن حقيقة الأخبار التى تقول بالصدام بين القوات المسلحة المصرية وإسرائيل.. وعلاوة على ذلك سألته عما يمكن أن يفعله الاتحاد السوفيتى من أجل سرعة تصفية النزاع العسكرى.. فقال: بصراحة لا أعرف ماذا يمكن أن أقول.. الشىء الوحيد هو أن أطلب من الحكومة السوفيتية تنفيذ ما طلبته صباح اليوم بأقصى سرعة..

وأبلغنى ناصر بعد ذلك بآخر ما جرى من أحداث على الحدود المصرية الإسرائيلية.. وحسب كلامه
فإن الأوضاع على حدود سوريا والأردن أصبحت الآن جيدة.. وقال إن القوات الجوية لـ «ج. ع. م» تعيد ترتيب صفوفها وتجرى إعادة إصلاح المطارات».

ومن مذكرات السفير السوفيتى دميترى بوجيدايف ما أرسله فى اليوم التالى إلى موسكو تحت خاتم «سرى للغاية»: «اتصل بى المشير عامر فى الساعة 18 ليبلغنى الرسالة العاجلة التالية إلى الحكومة السوفيتية:«باسم الرئيس ناصر وباسم الحكومة المصرية وباسمى شخصيا أرجو إبلاغ الحكومة السوفيتية بأن الوضع بالغ الجدية. يجب ألا يسمح بأن يظل على مثل هذا النحو حتى الليل. إن قواتنا لا تستطيع الخروج من سيناء إذا لم يتقرر تقديم ما يلزمها من مساعدة. إذا لم تساعدونا فإن الحرب ستتحول هذه الليلة إلى مذبحة».

وفى السابع من يونيو، كتب بوجيدايف إلى الخارجية السوفيتية عن لقاءه مع عبدالناصر، لإبلاغ القيادة السوفيتية حول الأوضاع على الجبهة مع إسرائيلن والتى كان مضمونها إن القوات المصرية اضطرت إلى الانسحاب إلى خط الدفاع الثانى، وأن الوضع فى الأردن أكثر تعقيدا حيث تخوض القوات الإسرائيلية معارك هجومية شديدة الوطأة على الضفة الغربية لنهر الأردن، واشار ناصر إلى الأوضاع العصيبة للقوات المسلحة، حيث أعطبت القوات الإسرائيلية ما يزيد على مائتين من الدبابات المصرية.. ولم يعد لدى القوات الجوية المصرية سوى ما يقرب من خمسين طائرة».

وقال ناصر: إنه ونظرا إلى أن كل ساعة تعنى الكثير، فإنه يرجو الحكومة السوفيتية النظر على نحو إيجابى وبأسرع ما يمكن فى الطلبات التى تقدمنا بها ولم يجرِ الرد عليها بعد.. وطلب أيضا أن تتخذ الحكومة السوفيتية كل الإجراءات الممكنة بهدف الضغط على إسرائيل لتنفيذ قرار مجلس الأمن حول الوقف الفورى لإطلاق النار.

• ناصر يتنحى... وموسكو تطالبه بالعودة

تبلغ الكارثة ــ الصدمة ــ ذروتها، ويقررعبد الناصر التنحى عن قيادة البلاد، ويسجل بوجيدايف تفاصيل محاولته لقاء الرئيس فى الثامن من يونيو 1967 فى رسالته التى حملت رقم 342 صادر السفارة السوفيتية فى 31 يوليو، وتحت خاتم «سرى للغاية»، يقول: «بسبب انشغاله الشديد كلف ناصر شخصيا سامى شرف باستقبالى.. وأبلغته رسالة شفهية من القادة السوفييت إلى ناصر يدعونه فيها إلى البقاء فى منصبه من أجل الحفاظ على مكتسبات الثورة المصرية.. ورجوت شرف سرعة إبلاغ ناصر بمضمون الرسالة.. وبعد أن علم الرئيس بمضمون الرسالة طلب إبلاغ الرفاق ل. بريجنيف، وا. كوسيجين، ون. بودجورنى شكره الخالص وتحيته الأخوية. وقال شرف إن الرئيس سوف يبعث برده مكتوبا، وأضاف أن الرئيس يعتزم نشر رسالة القادة السوفييت فى الصحافة بوصفها دليلا على الإخلاص والدعم الأخوى من جانب شعب وقيادة الاتحاد السوفيتى»

وفى العاشر من يونيو استدعت وزارة الخارجية السوفيتية السفير الإسرائيلي؛ حيث أبلغه فاسيلى كوزنيتسوف نائب وزير الخارجية بقرار الحكومة السوفيتية بشأن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
ونمضى مع رسائل السفير السوفيتى، ومنها ما تناول لقائه مع عبدالناصر بتاريخ 15 يونيو 1967.
حيث ينقل بوجيدايف عن عبدالناصر قوله: «إن إحدى القضايا المركزية الرئيسية ستكون خلال مباحثاته مع نيكولاى بودجورنى مسألة ما يسمى بحياد وعدم انحياز «ج ع م» والتحول الجذرى فى اتجاه التقارب الشديد والتعاون مع الاتحاد السوفيتى».

وأضاف بوجيدايف: «أن الرئيس أعاد فكرته حول أن الحياد وعدم الانحياز وحسب اعتقاده لم يعد لهما أهمية بالنسبة إلى «ج ع م»، وأن ذلك صار فى عداد «التعبيرات الجوفاء». وأكد ناصر أن نكون مع الاتحاد السوفيتى وإلا فإن «ج ع م» ستسقط حتما بين يدى الإمبريالية والولايات المتحدة».

ومن الرسائل التى بعث بها السفير السوفيتى بوجيدايف إلى موسكو وكانت تحمل بين طياتها «صرخات عبدالناصر» التى كانت أقرب إلى «الشكوى من خيانة الأصدقاء» من جانب، والاتهام «بالتقصير الذى يرقى أيضا حَدَ الخيانة ممن كان يناط بهم حماية مصالح وسلامة وأمن الوطن» من جانب آخر.

وذلك ما نقله السفير السوفيتى عن الرئيس عبدالناصر بما فى ذلك قوله: «إنه على يقين من وقوع الخيانة»، وهو الأمر الذى يعدد أسبابه فى إحدى رشائله بعد لقاء عبدالناصر، والذى نقل عنه إنه « على يقين من وقوع الخيانة وهو ما تشير إليه الوقائع التالية:

فى الثانى من يونيو أصدر ناصر تعليماته برفع درجة استعداد قوات الدفاع الجوى، وبناء عليه قامت طائرات بالمناوبة فى سماء مصر، ورفعت قوات الصواريخ درجة استعدادها، وصدر الأمر بإطلاق النار على أى أهداف مجهولة الهوية.

غير أن قيادة القوات الجوية قامت فى صباح الخامس من يونيو بإلغاء هذه الأوامر.

واستطرد ناصر يقول: إنه وإلى جانب ذلك تلقت هيئة عمليات القوات الجوية من الجنرال (عبدالمنعم) رياض، الذى كان موجودا فى الأردن فى الساعة 7٫55 من صباح الخامس من يونيو، بلاغا بأن الطائرات الإسرائيلية تستعد للهجوم ضد «ج ع م»، ومع ذلك ولأسباب مجهولة، لم يلتفت أحد إلى ذلك البلاغ.

وحول الدور المجهول الذى قام به الفريق صدقى محمود، قال عبدالناصر إنه لم يكن يثق به. لكن المشير عامر كان دائم الدفاع عنه، بل هدد بالاستقالة إذا جرت إقالته.

وقال ناصر أيضا إنهم أبلغوه بعد الطلعة الأولى ضد مطار غرب القاهرة، فى الخامس من يونيو أن الخبراء السوفييت وبعد أن وصلوا إلى المطار، قاموا بإعداد ما بقىَ من طائرات سليمة وزودوها بالصواريخ، وأصدروا توصياتهم إلى قيادة المطار بإقلاع هذه الطائرات لمواجهة طائرات العدو، لكن أحدا لم يلتفت إلى هذه التعليمات ولم تقلع الطائرات حتى تعرض المطار للضربة الجوية الثانية من جانب الطائرات الإسرائيلية. وطلب الرئيس استيضاح ظروف ذلك الحادث، وإبلاغ سامى شرف بالنتيجة.

ويؤكد السفير فى رسالته :«أبلغت الرئيس بوقوع 20 حالة كسر وإعطاب لدى تفريغ الطائرات الجديدة من طراز «ميج ـ 21»، و«سوخوى ـ م ب»، التى كانت وصلت إلى مطار القاهرة الدولى.. وكان المارشال زاخاروف أبلغ القيادة المصرية بهذه الوقائع، ومع ذلك تكررت نفس الأخطاء. وطلب ناصر إبلاغ سامى شرف بهذه الوقائع أيضا. وقال: «إن الأمر يتعلق بوقوع الخيانة».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك