المفكر وأستاذ علم الاجتماع من أصل إيرانى آصف بيات: ما حدث فى 25 يناير لم يكن ثورة وإنما حركة شعبية واسعة - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 7:11 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المفكر وأستاذ علم الاجتماع من أصل إيرانى آصف بيات: ما حدث فى 25 يناير لم يكن ثورة وإنما حركة شعبية واسعة

تصوير احمد عبد الفتاح
تصوير احمد عبد الفتاح
أجرى الحوار- أشرف البربري
نشر في: الأربعاء 22 يوليه 2015 - 9:32 ص | آخر تحديث: الأربعاء 22 يوليه 2015 - 11:19 ص

- لا يوجد فى مصر ثوار وإنما يوجد نشطاء لم يقرأوا عن الثورة

- الاستيلاء على الدولة هو هدف الحركات الإسلامية لفرض آرائهم على المجتمع

- على الإسلاميين الاعتراف بأن المطلوب مجتمع متدين وليس دولة متدينة

- يجب إلغاء الأحزاب الإسلامية وفتح الباب أمام أحزاب ذات مرجعية إسلامية

-«الإخوان» لا يصلحون لتقديم النموذج الديمقراطى للأحزاب الإسلامية

- الجماعة استسلمت لسيطرة التيار القطبى المتشدد وأقصت التيار الإصلاحى تماما

- الأمل فى إعادة شباب الإسلاميين النظر فى المشروع الإسلامى ككل ليصبح أكثر ديمقراطية

المفكر وأستاذ علم الاجتماع والدراسات الشرق أوسطية فى جامعة ألينوى الأمريكية آصف بيات يطرح رؤية جديدة بالنسبة لمشروع الإسلام السياسى على امتداد العالم الإسلامى، حيث يرى أن هذا المشروع بنمطه الحالى وصل إلى نهايته وأننا أصبحنا على أعتاب مرحلة «ما بعد الإسلاموية» التى لن يكون فيها مكان للتيار الإسلامى إلا إذا أصبح أكثر ديمقراطية وانفتاحا على الآخر. كما عمل بيات أستاذ فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة لمدة 17 عاما أتاحت له تكوين رؤية عميقة للمشهد السياسى والاجتماعى فى مصر. وفى حواره مع «الشروق» تحدث أستاذ علم الاجتماع والدراسات الشرق أوسطية عن مستقبل الإسلام السياسى وجماعة الإخوان ومفهوم «ما بعد الإسلاموية» وثورات الربيع العربى.

تصوير احمد عبد الفتاح


• بداية ماذا تعنى بتعبير «ما بعد الإسلاموية»؟

ــ تعبير «ما بعد الإسلاموية» يشير إلى ضرورة النظر بعقلية نقدية للإسلام الحركى فى الوقت الراهن، وهذه النظرة النقدية تكون من داخل الإسلام الحركى ومن خارجه على السواء. فالحديث عن «ما بعد الإسلاموية» يشبه الحديث عن «ما بعد الحداثة».

• هل تقصد بمفهوم ما بعد الإسلاموية أن مسيرة الإسلام السياسى قد وصلت إلى نهايتها وأننا بصدد مرحلة جديدة؟

ــ لا أقصد ذلك وإنما أقصد أن الإسلام السياسى يتغير مستمر وأن مشروع الإسلام السياسى بصيغته الراهنة قاربت على الانتهاء. فى الوقت نفسه فإن اتجاه وسرعة هذا التغيير تتباين من دولة إسلامية إلى أخرى. ففى إيران على سبيل المثال كان لدينا الثورة الإِسلامية فى أواخر عقد سبعينيات القرن العشرين، ثم بدأت مرحلة «ما بعد الإسلاموية» فى العصر الحديث فى منتصف تسعينيات القرن العشرين، فقد ظهر إسلاميون ممن شاركوا فى الثورة الإسلامية بل ومن داخل الحكومة الإيرانية الذين توصلوا إلى قناعة بضرورة إعادة النظر فى المشروع الإسلامى القائم لأنه لم يعد فعالاً.

• إذا كنت ترى أن الإسلام السياسى بشكل الراهن لم يعد له وجود وأنه سيتواجد بأطر وأشكال أخرى فإن هذا الكلام نراه يتناقض مع ما هو موجود على أرض الواقع لأننا لو استثنينا التجربة المصرية، سنجد أن الإسلام السياسى موجود فى تونس وموجود بل ويحكم فى تركيا من خلال حزب العدالة والتنمية، وكذلك موجود بصورة قوية فى الكويت؟

بالعكس هذه الأمثلة التى ذكرتها تؤكد فكرة انتهاء مرحلة من مسيرة الإسلام السياسى وبدء مرحلة جديدة، فالإسلام السياسى الموجود فى دول مثل تونس وتركيا وإيران هو تجسيد لمرحلة «ما بعد الإسلاموية»، فى حين أن الإسلام السياسى الموجود باكستان أو إندونيسيا يمثل مرحلة «الإسلاموية». وهنا يصبح السؤال الأهم ما هو الفرق بين مرحلة «الإسلاموية» ومرحلة «ما بعد الإسلاموية»؟ بالنسبة لى الإسلام الحركى هو حركة أو أيديولوجيا تستهدف إقامة نمط من نظام حكم إسلامى أو دولة إسلامية حيث تصبح الشريعة الإسلامية بمنظور هذه الحركة هى أساس نظام الحكم. كما أن الاستيلاء على الدولة يصبح الهدف الأهم بالنسبة لهذه الحركات أو الجماعات التى تؤمن بالإسلاموية، ليس فقط لآن هذا يضمن لهم الحكم والاستمرار فيه، وإنما أيضا لأنهم يرون أن الدولة هى المؤسسة الأهم، التى تضمن لهم فرض آرائهم ورؤاهم على المجتمع ككل من خلال ما يمكن أن نسميه بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. لذلك فهذه الجماعات لا ترى للإسلام وجود بدون دولة. لذلك فهؤلاء الإسلاميون يرون أنهم ملزمون بإجبار الناس على الالتزام بأوامر ونواهى الشريعة الإسلامية بقوة السلطة، وهو ما يقضى على حق الإنسان فى الاختيار وعلى حق المواطن فى التمتع بحريته.
فى المقابل فإن فكرة «ما بعد الإسلاموية» على العكس من ذلك، فهى تضمن للمواطن حق اختيار نمط حياته. فى الوقت نفسه فهى ليست فكرة «علمانية» ولا معادية للدين ولكنها فكرة دينية وإسلامية تماما. لكنها تمثل رؤية نقدية للإسلام الحركى من خلال القول إنه لا يجب أن يكون لدينا دولة إسلامية وإنما مجتمع مسلم. وعلينا الفصل بين قانون الشريعة الإسلامية وقوانين الدولة، فى الوقت نفسه فإننا نريد مجتمعا متدينا، وليس دولة متدينة.

• لكن هذه النظرة تبدو قريبة من فكرة فصل الدين عن الدولة وهى مسألة حرجة ليس فقط بالنسبة للإسلاميين وإنما بالنسبة لقطاعات عديدة من المسلمين. وهناك أمور يتفق الكثيرون على أنها تتم من خلال الدولة. فهل تتصور أن هناك مجتمعا مسلما يقبل بفكرة الزواج المدنى الذى يتيح للمسلمة الزواج بمسيحى، فكيف يمكن القول بوجود مجتمع مسلم بدون شريعة إسلامية؟

- فى الدول ذات الأغلبية المسلمة يمكن بالطبع أن يكون لها قوانينها المستمدة من الشريعة الإسلامية وبخاصة قوانين الأحوال الشخصية لكن يجب ألا يتم فرض قوانين الشريعة الإسلامية على باقى مجالات الحياة. كما أن أغلب الدساتير هى دساتير علمانية فى مصر وإيران وتركيا وغيرها من الدول الإسلامية. فلا يجب أن تفرض الشريعة نفسها على الدولة. وإنما يجب أن يتولى النواب المنتخبون سن القوانين فى الدولة بحيث تكون القوانين مدنية.

• فى مرحلة «ما بعد الإسلاموية» هل سيكون فيها دور للقوى والأحزاب الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وحزب العدالة والتنمية فى تركيا وحزب النهضة فى تونس؟

ــ دعنى أبدأ بالحديث عن تجربة المغرب حيث يوجد حزب العدالة والتنمية الذى يمثل بالفعل حزبا يمثل مرحلة ما بعد الإسلامية لأنه حزب مدنى ذو مرجعية إسلامية، فهول ليس حزب إسلامى وإنما حزب بمرجعية إسلامية، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب النهضة فى تونس، فهو بالنسبة لى حزب ذى مرجعية إسلامية، وليس حزبا إسلاميا بالمفهوم الحركى، وكذلك التيار الذى يمثله الرئيس الإيرانى الأسبق محمد خاتمى. أيضا حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا يمثل ما بعد الإسلاموية.

• ماذا عن الإخوان المسلمين فى مصر؟

ــ الإخوان المسلمين يمثلون مرحلة «الإسلاموية» وليس ما بعد الإسلاموية. وكذلك الجماعة الإسلامية فى باكستان والعسكر الطيبة فى باكستان إسلاموية، وبالطبع فتنظيم داعش يمثل الإسلاموية أى أنها تمثل النموذج المرفوض بالنسبة للمشروع الإسلامى. وبالطبع فنحن فى هذا الإطار لا نتحدث عن حدود فاصلة بين المراحل بحيث نقول هنا تبدأ الإسلاموية وهنا تنتهى لتبدأ ما بعد الإسلاموية.

• دعنا نتحدث أكثر عن جماعة الإخوان المسلمين وخاصة وأنك عشت سنوات طويلة فى القاهرة كأستاذ فى الجامعة الأمريكية، فكيف تنظر إلى هذه الجماعة حاليا وفى المستقبل؟

ــ أعتقد أنه من المهم أن يدرك الإخوان المسلمون أنهم منذ نحو 10 سنوات مضت كان هناك داخل الجماعة أفكار وتيارات مختلفة حيث كان يوجد معسكر الحرس القديم ممثلاً فى مجموعة من القيادات ذات النزعة السلفية المتشددة وبخاصة محمود عزت والمرشد، مقابل ما يمكن اعتباره تيارا إصلاحيا ممثلاً فى عبدالمنعم أبو الفتوح ومختار نوح. ولكن سيطرة ما يسمى بالتيار القطبى المتشدد على الجماعة أدى إلى خروج الأصوات الإصلاحية سواء بالاستقالة أو بالفصل. وبعد 25 يناير تكرر السيناريو مرة أخرى ولكن هذه المرة مع جيل الشباب حيث انفصلت مجموعة شبابية تتبنى رؤى إصلاحية لتشكل مع شخصيات من تيارات أخرى ما سمى باسم «التيار المصرى».

• لكن ما نراه أنه منذ 30 يونيو 2013 والمواجهة الأمنية الضارية بين الدولة الجديدة وجماعة الإخوان أعادت الكثيرين من شباب الجماعة المنشق إلى التقارب معها مرة أخرى. فهل ترى أن مثل هذه المواجهة تعزز فرص التيارات المتشددة على حساب التيارات المعتدلة أو العقلانية داخل الجماعة؟

ــ هذا الاحتمال قائم بالتأكيد فى ضوء تطورات الأحداث منذ الإطاحة بنظام حكم الرئيس الأسبق محمد مرسى فى 3 يوليو 2013، لكن فى الوقت نفسه هناك الاحتمال المعاكس، وهو أن يقوم هؤلاء الشباب بمراجعات فكرية شاملة تقود إلى إعادة النظر فى المشروع الإسلامى ككل لكى يصبح أكثر ديمقراطية وأكثر انفتاحا ويقتربون أكثر من نموذج حركة النهضة فى تونس.

• لكن ألا ترى أن هذه النظرة تنطوى على قدر زائد من التفاؤل عندما نتصور أن السجن يمكن أن يكون سببا فى مراجعة الشباب لأفكارهم وأن الموقف ربما كان أفضل لو أن السعى نحو هذه المراجعات قد جاء فى سياق أقل قسوة بالنسبة لهؤلاء الشباب؟

- أعتقد أن الأمر ما زال يتوقف على طريقة تعامل الحكومة مع هؤلاء الشباب من الإخوان وغيرهم من شباب التيارات الإسلامية. فإذا كان من الممكن دفعهم نحو مزيد من التشدد، فإنه يمكن أيضا جذبهم نحو مزيد من الاعتدال. وأنا اعتقد أنه يجب أن يكون هناك طريق ما لإعادة دمج شباب الحركات الإسلامية غير المسلحة فى الحياة السياسية والاجتماعية مجددا، وهذا الأمر ليس دور الحكومة فقط وإنما دور النخب الفكرية فى المجتمع المصرى ككل.

اعتقد أنه عندما يكون للدين حضور مهما فى أى مجتمع، فلا يمكن ببساطة تهميشه فى الحياة السياسية، بل العكس هو الصحيح أى يجب إيجاد طريقة لدمج الدين فى العملية السياسية. لذلك لماذا لا يكون لدينا حزب سياسى إسلامى على غرار الأحزاب المسيحية الديمقراطية فى الغرب مادام مثل هذا الحزب يؤمن بقواعد النظام الديمقراطى.

• لكن هل ينسحب هذا الكلام على جماعة الإخوان المسلمين فى مصر؟

ــ لا أعتقد هذا. فجماعة الإخوان المسلمين ارتكبت أخطاء كبيرة فى ممارسة السلطة بعد ثورة 25 يناير، حيث أصبحت هذه الجماعة أكثر إقصائية وأكثر انغلاقا على ذاتها. كما أن فكرة المواطنة لم تكن حاضرة لديها بالصورة الكافية.

• لماذا اندفع الإخوان بمنتهى القوة نحو الاستحواذ على السلطة؟

ــ هذه معضلة، لأن العادة فى أوقات ما بعد الثورات يجب ألا تسعى الأحزاب السياسية إلى السلطة لأن المشكلات تكون كثيرة والتوقعات والآمال ضخمة ولذلك فخسارتها ستكون حتمية، إلا إذا كانت هذه الأحزاب لا تفكر إلا فى الوصول للسلطة والاحتفاظ بها بغض النظر عن شعبيتها. أما بالنسبة للإخوان المسلمين فاعتقد أنهم ربما فكروا فى البداية بطريقة عقلانية فى أعقاب ثورة 25 يناير، لكن سرعان ما تتصوروا أن الفرصة قد أصبحت سانحة أمامهم لكى يصلوا إلى السلطة التى يسعون إليها منذ عام 1928. وأن هذه الفرصة قد لا تتكرر مرة أخرى. وأعتقد أن هذا هو النقاش الذى دار داخل الجماعة وحسمه التيار القطبى المتشدد الذى رأى أنه يجب انتهاز الفرصة السانحة للوصول إلى السلطة.

• كثيرون ممن شاركوا فى ثورة 25 يناير غير راضين عما وصلت إليه الأمور، والبعض يرى أن الثورة انكسرت، فهل ترى أن المسار الذى سارت فيه هذه الثورة كان مسارا إجباريا، أم أنه كان هناك بدائل يمكن أن تؤدى إلى نتائج مختلفة؟

أعتقد أن ثورات الربيع العربى باستثناء ليبيا بالطبع باعتبارها حالة خاصة، كانت ثورات مختلفة عن النمط التقليدى لثورات القرن العشرين. لآن الثورة تعنى بشكل أساسى التغيير والتغيير الجذرى، أما ما حدث فى مصر فى 25 يناير فلم يكن ثورة بالمعنى التقليدى وإنما كان حركة شعبية. فالثورة تعنى أيضا وجود ثوار يصلون إلى السلطة ويحققون التغيير المطلوب من خلالها بمنتهى السرعة والقوة، ولكن الموجودين فى مصر هم نشطاء أكثر منهم ثوار. فهم لم يقرأوا عن الثورة ووسائلها وأشكالها. فى المقابل فإن من أشعلوا ثورات القرن العشرين كانوا بالفعل قد قرأوا عن الثورات ولا تاريخها قبل القيام بها. لينين قرأ عن الثورة وتروتسكى قرأ عنها، وكاسترو قرأ عنها. لكن النشطاء فى مصر وتونس وكذلك اليمن لم يقرأوا عنها لأنهم يعيشون فى عصر مختلف. ففى أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتى وبعد انهيار الاشتراكية فى العالم فقدت فكرة الثورة مصداقيتها لدى الكثيرين. وأصبحت الثورة كلمة سيئة السمعة وكذلك كلمة الاشتراكية وحلت محلها كلمات السوق والمنظمات غير الحكومية والإصلاح التدريجى والفرد وليس الدولة. لذلك فالناس لم تعد تفكر فى التغيير الجذرى، ولكن وبغض النظر عما يفكر فيه الناس فإن الثورة حدثت وسيطرت فرضت نفسها على الناس دون أن يكون الناس مستعدين لها فلم يكن لدى الناس الذين نزلوا إلى الميادين أى فكرة عن المستقبل ولا عن كيفية السيطرة على الدولة. لهذا السبب فإن لا أطلق على ما حدث ثورة وإنما «ثوراح» أى مزيج بين كلمتى «الثورة والإصلاح». لذلك فإن النشطاء، الذين قادوا الثورة تصوروا أنه يمكن لمؤسسات الدولة أن تقوم بإصلاح نفسها، وهو أمر غير منطقى بالمرة لآن الإصلاح ببساطة يتعارض مع مصالح مثل هذه المؤسسات وبالتالى انكسرت الثورة فى هذه المرحلة لكن عجلة التغيير بدأت ولن تتوقف.

• المجتمع المصرى فى هذه اللحظة مقسم إلى 3 قطاعات تتفاوت فى حجمها، معسكر السلطة ومن يدور فى فلكها من أصحاب المصالح والموالين لها من ناحية وجماعات الإسلام السياسى التى قررت اللجوء إلى العنف بقيادة جماعة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى وبينهما التيار العام من المواطنين، الذين يدفعون فى النهاية ثمن المواجهة القائمة، فيكف يمكن للتيار العام الخروج من هذه المعضلة؟

- أعتقد أن التيار العام للمواطنين يعانى نفسه الانقسام. ففى تصورى هذا التيار العام يضم الناس العاديين، والنشطاء والثوار، لذلك فالسؤال هو ما الذى يمكن أن يفعله كل هؤلاء من أجل تحسين الأوضاع؟ أنا كتبت مقالاً تحت عنوان «الثورة واليأس» حيث كنت أحاول القول إن اليأس فى أعقاب الثورات أمر طبيعى وهذا حدث فى روسيا وإيران وغيرهما. لكن أن تشعر باليأس أمر مختلف تماما عن أن تصبح عاجزا وسلبيا لأنه فى الواقع تظل دائما المساحات موجودة أمام الراغبين فى التغيير لكى يتحركوا.

• هنا نصل إلى تعبير «المساحات البديلة» الذى استخدمته فى أحد مقالاتك باعتبارها فضاء يمكن للنشطاء والثوار التحرك فيه حتى فى أوقات اليأس. لكن المشكلة أنه فى المجتمع المصرى نرى أن جماعات الإسلام السياسى والإسلام الدعوى المحافظ هو الذى يشغل أغلب هذه المساحات غير الرسمية، فى حين أن الحركات الإصلاحية والحركات المدنية غير قادرة على الوصول إلى هذه المساحات فى المجتمع وهو ما يعنى أن الرهان هنا يتعلق بمساحات محتلة من جانب قوى معادية أساسا للثورة؟

- لا أعتقد أن الإسلاميين يحتلون كل المساحات البديلة، فما زال فى المجتمع تلك المساحات التى يمكن لقوى التغيير والإصلاح استخدامها. فمثلاً تطوير صحافة جيدة فى المجتمع وإنتاج سنيما جيدة والعمل على تنمية المجتمع فى الأحياء الفقيرة والنقابات العمالية كل هذه الأمور مساحات بديلة يمكن الاستفادة منها والوصول من خلالها إلى الناس العاديين والتعبير عنهم وجذبهم إلى العمل العام. أهم شىء بالنسبة لى هو الوصول إلى المواطنين، وإقناعهم بضرورة التفاعل مع ما يحيط بهم لآن تغييب هؤلاء المواطنين هو أخطر ما يهدد فكرة التغيير والإصلاح. واعتقد أنه يوجد 5 مجالات يمكن من خلالها تفعيل فكرة المساحات البديلة، أولها الدولة ومؤسساتها حيث ما زال فى مقدور البعض الاستفادة منها للوصول إلى الناس. وثانيها الأحزاب السياسية والبرلمان وثالثها المجتمع المدنى والرابع هو الشارع وأخيرا العلاقات الشخصية المباشرة، بين الزوج وزوجته والأطفال وآبائهم كل هذه أمور مهمة. واعتقد أن الثورة الحقيقية يجب أن تقود إلى تغيير فى كل هذه المجالات وأن تؤدى إلى تغيير هذه التراتبية الهرمية. فإذا عملت فى هذه المجالات فى المجتمع فإن المجتمع سيتحرك نحو الأمام. وهذا هو ما يحدث فى إيران الآن حيث أصبح فى مقدور المجتمع الإيرانى الضغط على الدولة والسلطة لكى تتجاوب مع رغبات التغيير.

• لكنك هنا تتحدث عن تغيير كبير ربما يحتاج إلى وقت طويل للغاية والناس قد لا تصبر كل هذا الوقت؟

ــ أتفق معك تماما فى أن هذا التغيير قد يستغرق وقتاً طويلاً للوصول إلى المجتمع الديمقراطى أو الثقافة الديمقراطية على المدى الطويل، ولكن سواء كانت الثورة حقيقية أم لا، فإن التغيير قادم لا محالة وعلى الراغبين فيه والساعين إليه اتقان ما اسميه «فن الحضور» أى استغلال أى مناسبة مهما كانت من أجل الوصول إلى الناس وإقناعهم بالحضور فى المجال العام من خلال الجمعيات والجماعات.

والحقيقة أن فرصة التحرك الاجتماعى من أجل التغيير فى مجتمعات مثل مصر وإيران أكبر كثيرا مما هو موجود فى أمريكا. لأن القانون فى مجتمعاتنا غير موجود فى كل وقت أو كل مكان، لكن فى أمريكا الأمر مختلف، فالقانون حاضر فى كل مكان وفى كل وقت. فمثلا يمكن للشرطة الأمريكية أن تقتل شخصا لأنه يبيع سجائر بطريقة غير قانونية، فى حين أن الممارسات الاقتصادية والاجتماعية غير المقننة تتم فى كل ثانية فى المجتمعات النامية. ليس هذا فحسب بل إن مجتمع مثل مصر أو إيران طور نسقا تنظيمية غير رسمية من خلال العرف لها سلطة إلزام ربما تفوق القانون.

• إذا تكلمنا عن «اللاحركات الاجتماعية»، سنشير إلى وجود القوى المضادة التى لا تريد التغيير فكيف يمكن التغلب على مثل هذه القوى؟

ــ الأمل هو كلمة السر فى التغيير إلى الأفضل. وما أقوله دائما هو ضرورة نشر الأمل بين كل أفراد المجتمع ومحاربة كل محاولات دفع المجتمع إلى اليأس من التغيير. وفى هذا المجال يجب الاستفادة من كل وسائل الوصول إلى الناس، من خلال المدرسة ووسائل الإعلام والاتصال الشخصى. هذا هو ما يجعل المجتمع قادرا على مواجهة كل القوى المضادة. فالأمل هو القوة التى لا تقهر.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك