• ديجول وموشى ديان والقذافى وشاه إيران وروتشيلد أشهر زبائن أسطورة المتعة
• كنيدى طلب منها شبيهة لزوجته جاكلين لكن أكثر سخونة.. ووجه القوادة احمر خجلا عندما شاهدت جلسة أوناسيس وكالاس
• الـ«CIA» تستغل فتيات كلود فى مباحثات السلام فى باريس.. والمدام ترفع «التسعيرة» على العرب بعد أزمة البترول
بدأت حياتها العملية بائعة جوالة للكتاب المقدس، ثم باعت جسدها، لتصبح فى النهاية أشهر قوادة فى التاريخ الحديث.. إنها مدام كلود التى قالت إن قائمة زبائنها ضمت الرؤساء الفرنسيين شارل ديجول وجورج بومبيدو والرئيس الأمريكى جون كنيدى، والليبى معمر القذافى، وأثرياء العالم مثل إيلى دى روتشيلد، وأرسطو أوناسيس.

ولم تكن مدام كلود، واسمها الحقيقى فرناند جروديه، تبدو على ذلك الشكل المقولب للقوادة، بل كانت أقرب إلى إحدى سيدات البنوك، إذا كانت صغيرة الجسم ذات تسريحة شعر رائعة وترتدى ملابس من شانيل، وعندما كانت تتناول الطعام فى أحد المطاعم الشهيرة كانت تأكل كالطائر، بضع شرائح من الطماطم، وشريحة بطيخ، ولم تشرب الكحول أو تدخن سيجارة، وكانت العيون كلها تسلط عليها.
تتذكر مدام كلود، المشاهير من زبائنها، فها هى رحلة المتعة المحمولة جوا لإيلى دى روتشيلد واللورد ماونتباتين فى طائرة روتشيلد فى سماء باريس، وطلب منها جون كنيدى شبيهة لزوجته جاكلين لكن أكثر حرارة منها، وكان هناك أرسطو أوناسيس وماريا كالاس، حيث ظهرا على نحو جعل وجه مدام كلود يحمر خجلا. وهناك كلود شاجال الذى كان يعطى الفتيات سكتشات رسمها لهن وهن عاريات.

كما تتذكر مدام كلود شاه إيراه وهدايا من المجوهرات، وهناك رفاق الفراش المختلفون على قائمة الزبائن مثل موشى ديان ومعمر القذافى ومارلون براندو وريكس هاريسون. بل إن هناك قصة عن كيف استغلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إمكانيات مدام كلود للمساعدة فى رفع المعنويات أثناء مباحثات السلام فى باريس.

ما أصرت مدام كلود على عدم البوح به هو قائمة النساء، أو «بجعاتها»، اللائى تزوجهن من شخصيات مهمة أو أصبحن نجمات شهيرات. فهى لم تكن تقدم خدمات للرجال فحسب. بل كانت توفق بين الرجال والنساء، وتزوج النساء لأصحاب الألقاب أو الأسماء الشهيرة. وبدلا من أن تبيع كلود النساء للعبودية، وهو الاتهام الموجه للقوادة، كانت هى تبيعهن للعظمة والأبهة.
وفى مذكراتها التى صدرت فى فرنسا عام 1994، صورت مدام كلود نفسها على أنها أرستقراطية ولدت فى ريف سهل اللوار ذى الحصون، حيث كان والدها من الأعيان.

تلقت تعليمها فى دير للراهبات، حيث تعهدت بالتقشف، كما قالت إنها كانت بطلة حرب ومقاتلة مع المقاومة الفرنسية ضد الألمان وكانت نتيجة ذلك أن سُجنت فى أحد معسكرات الاعتقال الألمانية. لكن فيلما تسجيليا فرنسيا عُرض عام 2010، قال إن ما ذكرته مدام كلود أكاذيب، وأوضح الفيلم أن الأب جروديه كان فى واقع الأمر يدير كشكا لبيع الوجبات الخفيفة فى محطة سكك حديد أنجير، وأن الطفلة فرناند لم تذهب للدير قط.

وبالنسبة للوقت الذى أمضته فى معسكر الاعتقال، بحث الفيلم قصة يُقال إن كلود روتها عن كيف أنها أنقذت حياة ابنة شقيق شارل ديجول داخل السجن، واستسلمت لعلاقة مع طبيب ألمانى كى تبقيها على قيد الحياة.
وقال مؤرخ فى الفيلم إن كلود ربما اخترعت هذا كله، ورُفضت مسألة سجنها باعتبارها مثالا آخر على موهبتها الخاصة باختلاق الأساطير حول نفسها، لكن باتريك تيريل صاحب مطعم «ما ميزون» الشهير فى لوس أنجلس الأمريكية قال إنها «كان لديها رقم معسكر موشوم على رسغها.. لقد رأيته».
وهو ما يؤكده تاكى تيودراكوبولوس، صاحب عمود High Life فى جريدة «سبيكتاتور» اللندنية، حيث قال: «رأيت الوشم.. فقد أرتنى إياه ولروبى.. وكانت فخورة بأنها نجت.. وقد تحدثنا لساعات عن معسكر الاعتقال.. كان ذلك أكثر روعة من الفتيات».
لكن أى معسكر كان؟ الأسطورة تقول إنه ربما كان معسكر رافينزبروك، لكن معسكر أوشفيتس وحده الذى كان به وشم.. أما تاكى فيقول إن كلود سُجنت ليس من أجل دورها فى المقاومة الفرنسية بل من أجل عقيدتها، إذ قال: «كانت يهودية.. وأنا متأكد من ذلك.. كانت مرعوبة من المتواطئين اليهود فى المعسكر الذين كانوا يقودون أبناء جلدتهم من اليهود إلى غرف الغاز».
سواء أكانت فتاة غيرت عقيدتها أم لا، فمن المرجح أن قصة بائعة الكتاب المقدس التى روتها كلود خيال محض، كما أشير إلى أن أول شىء باعته، فى فترة ما بعد الحرب، هو نفسها، حيث عملت عاهرة فى شارع جودو دى موروا بباريس، وهو ما أنكرته.
وتصف سيلفيت بالان التى التقت بكلود فى باريس: «أرتنى كلود صورا لها وهى شابة، لم تكن جذابة بحال من الأحوال، حيث كانت أسنانها معوجة وأنفها كبير، وما رأيته كان كله عمليات تجميل قيل إن بيتاجوى ــ جراح برازيلى شهير ــ أجراها، وهو ما قد يكون صحيحا».
عندما تولى فاليرى جيسكار ديستان رئاسة فرنسا عام 1974، نظمت حكومته إجراءت شديدة ضد البغاء الفاخر، حيث رفعت دعاوى قضائية ليس ضد مادام كلود فحسب، بل كذلك مدام بيل منافستها الأكثر تجارية والأقل فخامة، وهنا أخذت كلود أموالها وهربت إلى لوس أنجلوس.
تصف بالان أول لقاء لها مع كلود فى حفل أقامه باتريك صاحب «ما ميزون» فى لوس أنجلوس: «كانت امرأة صغيرة الجسم وحيدة وحزينة»، وتتذكر بالان كلود باعتبارها «تتحرك على غير هدى فى لوس أنجلوس.. لم يكن لديها شىء تفعله سوى التسوق.. كانت لديها شقة صغيرة فى ويست هوليوود مليئة بالخزانات العامرة بالملابس الفرنسية الرائعة التى لم يكن أحد فى لوس أنجلوس قادرا على ارتدائها.. كان لديها على الأقل مائة زوج من الأحذية».
وأضافت: «قابلت فتاتين عملا معها.. كانت إحداهما بالشكل الذى تتوقعه ــ طويلة وشقراء وموديل. لكن الأخرى كانت أشبه بالجرذ.. وفى إحدى الليالى خرجت الفتاة القبيحة وقد اكتملت زينتها وملابسها، وكدت لا أتعرف عليها.. بل كانت أفضل من الفتاة الأولى.. كانت كلود تحب تغيير النساء كهذا.. كان ذلك فنها».
كى تخلق وهم جدارة الاحترام، افتتحت كلود محل حلويات لكنه فشل.. وفى سعيها للحصول على البطاقة الخضراء، تزوجت كلود ساقيا مثليا.
وتتذكر سيلفيت بالان أن كلود، فى فترة ما، سجنتها مصلحة الجوازات والهجرة لفترة قصيرة بسبب مخالفات التأشيرة وكان «رقمها فى السجن 888. وحتى فى السجن كانت تعمل باستمرار، كانت تجند نساء رائعات، كانت لديها زميلة زنزانة مكسيكية جميلة وأعطتها رقم تليفون روبرت إيفانز كأول شخص يمكنها الاتصال به عند الإفراج عنها».
كانت مدام كلود مؤسسة وأسطورة حية، فبعد تسوية أمورها مع السلطات الفرنسية وعودتها إلى فرنسا عام 1985 سرعان ما عادت إلى حيلها القديمة وجعلت عملها يقف على قدميه من جديد.
وقال تاكى تيودراكوبولوس إنه كان فى الثالثة والعشرين عندما ذهب إلى بيتها لأول مرة، كانت مدام كلود حينذاك فى أواخر الخمسينيات من عمرها، وكانت أسطورة بالفعل.
وأوضح أنه أصبح أحد زبائن كلود المخلصين، شأنه فى ذلك شأن الكثير جدا من الرجال الأغنياء وأصحاب النفوذ فى الخمسينيات والستينيات.
وأضاف: «لم يكن الذهاب إلى إحدى العاهرات أمرا محتقرا حينذاك»، كما يقول إن كلود تخصصت فى «الموديلات والممثلات الفاشلات اللائى فشلن فى تحقيق أى نجاح.. لكن لأنهن فشلن فى تلك المهن المستحيلة لم يكن يعنى أنهن لسن جميلات أو رائعات».
يصفها جان بيير دى لوكفيتس، نجم مجلة «بارى ماتش» السابق، فى أول زيارة لشقتها قائلا: «كان انطباعى عنها أنها مديرة بيت تصميم أزياء فخم، هادئة، ترتدى فستانا باللونين البيج والرمادى، مع القليل جدا من الماكياج»، وكشأن كثيرين، أصبحت كلود عادة بالنسبة للوكوفيتش. وهو يقول: «كل يوم كانت الفتيات مختلفات، ومن مختلف أنحاء العالم، والأجنبيات أكثر من الفرنسيات.. وكانت هناك مفاجأة باستمرار».
لكن لوكوفيتش تخلى عن عادة الذهاب إلى كلود فى أوائل السبعينيات عندما «جاء العرب إلى باريس» بعدما حققوه من ثروة نتيجة لأزمة النفط العالمية.. وبدلا من أن كانت قيمة الجلسة 40 دولاار صارت 500 دولار وأكثر.
ومع زيادة الأسعار، زاد مشاهير مدام كلود.. فكانت تُشاهَد فى حفلات الكوكتيل مع صديقها المقرب جاك كواريه كاتب السيناريو وشقيق الأديبة فرانسواز ساجان.. وكان كوريه كذلك أحد «ذواقة» مدام كلود، أى أحد الرجال الذين يختبرون فتياتها الجديدات ويقيمونهن.
عندما عادت كلود إلى فرنسا انتقلت إلى منزل ريفى فى منطقة تعود إلى العصور الوسطى، وما أن استقرت فيه حتى ألقى القبض عليها بسبب تهم التهرب من الضرائب وأودعت السجن لمدة أربعة أشهر. وبحسب بالان فإنها سجنها «كان أكثر السجون فخامة على الأرض، كان أشبه بقصر أو حصن.. لقد كان قلعة من القرن السابع عشر.. وكانت لها غرفة خاصة تطل على منظر جميل فى الغابة، ولها خادمتها ومصففة شعرها، وكانوا يأتون لها بالوجبات من أفضل مطعم فى كاوور».

عند الإفراج عن كلود عادت إلى باريس واستأجرت شقة صغيرة فى ماريه.. وبدأت العمل فى بوتيك بشارع مازارين على الضفة اليسرى، وهو مكان عظيم للعثور على الشابات الجميلات اللائى يلبسن على الموضة، والأهم من ذلك كله الطموحات.
وعرف عن كلود أنها كانت أسوأ بائعة، فلم يكن موقفها هو أن الزبون دائما على حق، وإنما الزبون دائما سمين.. وكانت أكثر وسوسة من دوقة وندسور بشأن عدم كونها غنية جدا ونحيفة جدا.
وكان السعى العنيد وراء الكمال هو معركة كلود الخاسرة، فذات مرة رفضت مرشحة رفضا باتا لكونها ممتلئة الجسم ــ حيث يزيد وزنها أحد عشر رطلا على وجه الدقة..»، كانت كلود دقيقة باستمرار.. وكانت الفتاة تظن أنها مثالية.. وكان التقدم للعمل لدى مدام كلود تصويتا على الثقة بالنفس. لكن مدام كلود قالت للفتاة لا.. وسرعان ما عملت الفتاة مخبرة تتعاون مع فرقة مكافحة الرذيلة بباريس.
تقول مارتين مونتيل، رئيسة فرقة مكافحة الرذيلة السابق، التى سوف تُعرَف للأبد بالمرأة التى قضت على مدام كلود: «كنت أعرف أن أسطورتها تكبر. كنت أعرف المشاهير كلهم. وكنت أعرف أن الدولة تحميها. فقد كانوا يلعبون معها لعبة الضرائب، لكن لم تكن هناك قط تهم جنائية ضدها. حتى ذلك الحين».
وفى ربيع عام 1992، بعد أشهر من المراقبة، استطاعت مونتيل، بمساعدة من الفتاة المخبرة التى رفضتها كلود، أن تفعل ما فشلت العدالة الفرنسية فى عمله لمدة 40 سنة، حيث ألقت القبض على كلود وقدمتها للمحاكمة بتهمة الاتجار بالبشر (فالدعارة فى فرنسا قانونية، والحصول على عمولة من مكاسب العاهرات ليس قانونيا). فقد داهمت شقتها بينما كانت تجرى مقابلة مع مرشحة أخرى، وهى راقصة فى كريزى هورس، وهو معبد الستربتيز فى باريس.
وأخيرا قُدمت مدام كلود للمحاكمة فى عام 1992، وبعد فترة قصيرة من انحسار موجة الدعاية التى صاحبت محاكمتها غادرت المسرح بعد ستة عقود من العمل.
وتوفيت «مدام كلود»، فى 21 ديسمبر 2015، فى أحد المنتجعات فى مدينة نيس الفرنسية، عن عمر يناهز 92 عاما بعد قضائها فترة علاج فى المستشفى.