• الفيلم يرصد كيف تحولت ميليشيا أصولية متمردة إلى نظام عسكرى بفضل الغنائم الأمريكية
الفكرة ولدت عندما سمح لنشأت، تحت حراسة مشددة، بمتابعة وتصوير رجلى طالبان، رئيس المخابرات وقائد القوات الجوية الجديد ملاوى منصور، ومختار طالبان ذى الرتبة الأدنى والرجل الطموح، وهنا تنطلق أحداث الفيلم الوثائقى من مشهد اليوم التالى للانسحاب الأمريكى من أفغانستان،حيث ذهبت حركة طالبان على الفور لاحتلال مجمع «بوابة هوليوود»، الذى قيل إنه قاعدة سابقة لوكالة المخابرات المركزية فى كابول، وتعثر الحركة على ما تركه وراءه الجيش الأكثر تقدما من الناحية التكنولوجية: الطائرات والأسلحة والمعدات العسكرية القيمة، بفضول كبير وحيرة من أمره لما سمع عنه، يأمر ملاوى منصور، جنوده بجرد وإصلاح كل ما فى وسعهم من المعدات، فيما يصل مختار ذو الرتبة الأدنى، الذى كان متحمسا لغزو العالم يوما ما، إلى بوابة هوليوود بهدف بناء صرح عسكرى رفيع المستوى لدولة طالبان الجديدة.
تركز الشخصيتان على تحقيق أقصى قدر من أهدافهما الشخصية، فيما يواصل رفاقهما إصلاح الأسلحة المتروكة عند البوابة التى كانت تستخدمها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى ذات يوم من الرشاشات وطائرات الهليكوبتر المقاتلة طراز بلاك هوك وغيرها من الأشياء الجيدة المدمرة وأصبحت الآن فى أيدى طالبان؛ فالمروحيات والطائرات المقاتلة التى كان يعتقد أنها دمرت ما زالت كما هى أثناء سيرهم عبر الطرقات أطلق منصور خطابا يشير إلى أن طالبان ستتحول قريبا من ميليشيا متمردة إلى نظام عسكرى كامل.
وعلى مدى عام واحد، يكشف الفيلم تحول ميليشيا أصولية إلى نظام عسكرى، ذلك هو القوام الاساسى للفيلم، وقبل أن أغوص فى تفاصيله أعود لشهادة المخرج إبراهيم نشأت الذى قال: «عندما كنت طفلا، تعرفت على كثيرين ممن رأوا فى طالبان أبطالا. فى مراهقتى شككت فى هذا الاعتقاد، وقادنى ذلك إلى الصحافة. ومنذ ذلك الحين، عملت فى جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا لتصوير قادة العالم. كان معظم هؤلاء الأشخاص رجالا أرادوا منى فقط أن أكون متحدثا باسم وجهة نظرهم ومضخما لرسالتهم.
وعندما وصلت طالبان إلى السلطة (مرة أخرى)، أذهلتنى. ماذا سيحدث لشعب أفغانستان؟ لقد طاردتنى الافكار وطالبان. وبسبب خلفيتى وخبراتى المهنية، تساءلت عما إذا كان بإمكانى الوصول إلى طالبان. إذا كان الأمر كذلك، فهذه المرة سأظهر للعالم ما يريدون منى أن أراه، والأهم من ذلك، ما رأيته».
المهم ذهب ابراهيم ومعه مترجم إلى أفغانستان عام 2021، بعد أيام فقط من انسحاب الجيش الأمريكى. لقد جاء ليرى، على حد تعبيره، من تركت البلاد فى يديه. حصل على إذن بمتابعة أحد قادة طالبان الذى استولى على هوليوودجيت، التى يزعم أنها قاعدة مهجورة لوكالة المخابرات المركزية. إن حركة طالبان بصدد تحويل كيانها.
ويتساءل صوت المخرج: ما هى أفضل طريقة للعمل تحت سيطرة منظمة كهذه، منظمة تعتبرك بيدقا لدعايتها؟ إجابة هذا الفيلم هى التقاط تلك اللحظات التى صورها للتفتيش السخيف لمعدات مهجورة، ولعملية عسكرية ليلية يطلب خلالها من نشأت أن ينتظر على جانب الطريق. وبدلا من إيقاف التصوير، يوجه كاميرته نحو القمر ويسجل أصوات إطلاق النار من مسافة بعيدة، مما يقوض رواية طالبان دون التقليل من مخاطرها. صور الفيلم مشاهده على حبل مشدود وبحيوية كبيرة، حيث كان نشأت هو المصور أيضا بينما كتب السيناريو بحرفية كل من أتاناس جورجييف، وماريون تور.
فيلم «هوليوود جيت»، الذى عرض لأول مرة فى مهرجان فينيسيا السينمائى، ثم مهرجان الجونة فى دورته السادسة، يعد مستندا سينمائيا يتمتع بوصول غير عادى إلى عالم خاص لحركة طالبان بعد الانسحاب الأمريكى من أفغانستان، ونظرة ثاقبة لها وأسلحتها الأمريكية مع صورة غائمة. فى أحد المشاهد يدخل أحد قادة القوات الجوية لطالبان إلى صالة ألعاب رياضية كبيرة فارغة مع رجاله ويقفز على جهاز المشى يحرق القليل من السعرات الحرارية، ويلقى بعض النكات على طريقة «تفاهة الشر» ويخرج ليقول: «كان هذا ممتعا»، وينتقل إلى أشياء أكبر، مثل معرفة كيفية استخدام بعض الأسلحة الأمريكية التى تبلغ قيمتها أكثر من 7 مليارات دولار والتى تركتها القوات الأمريكية عندما غادرت البلاد.
الفيلم ساخر بسياقه، نعم، بعد عشرين عاما من الحرب على الإرهاب، أصبحت أفغانستان تديرها حركة طالبان، لكن الولايات المتحدة لم تغادر فحسب؛ لقد كانوا لطيفين بما يكفى لترك مخزونات هائلة من الأسلحة، فى مرحلة ما، بينما كان اثنان من طالبان يجربان أحد بنادقهم الجديدة، قرأ أحدهما ملصق التصنيع بصوت عال: «صنع فى الولايات المتحدة الأمريكية!!»..
نحن لا نرى نشأت أبدا خلال الفيلم، ولكن من المؤكد أنه حاضر فى عمق فكرته وهدفه وروايته، يقول منصور ذات مرة عن المخرج الوثائقى: «إذا كانت نواياه سيئة فسوف يموت قريبا».. «ويقول جندى آخر «هذا الشيطان الصغير يصورنا.. آمل ألا يجلب لنا العار». نعم تبحث حركة طالبان عن مساعدتهم فى إعلان لما يعتبرونه روعتهم، كهمزة وصل تعلن عودتهم إلى المدينة بقوة لقد دعوه فى أواخرعام 2021 لمتابعة وتصوير عامهم الأول فى السلطة وكان السؤال الصعب هل كانوا سيعترضون على المنتج النهائى لن يسمح لنشأت بمتابعة أى شخص آخر، ولا يمكنه أن يحول عدسته إلى معاناة الشعب الأفغانى بشكل واضح. وبدلا من ذلك، قام المخرج بتحويل القيود التى فرضتها طالبان عليه إلى مصدر قوة: فالحدود التى طالبوا بها تكشف مدى محدودية، ومدى انقسامهم، ومدى انفصال الأصوليين أنفسهم عن الأشخاص الذين يحكمونهم. تم تصوير فيلم «هوليوود جيت» على مدى أكثر من عام ــ والذى سمى على اسم بوابة أكبر قاعدة سابقة لوكالة المخابرات المركزية فى كابول. الفيلم يكشف عن طالبان بشكل لم يسبق له مثيل، ويؤكد إلى حد كبير مخاوف الغربيين بشأنهم، دون أن يكون لنشأت بالضرورة رأيه.
يبدأ الفيلم الالمانى الامريكى بتتبع منصور أثناء قيامه بجولة فى قاعدة وكالة المخابرات المركزية، بعد وقت قصير من الإخلاء، ويجد مقاتلو طالبان بعض الاشياء الخاصة بالامريكيين يقوم أحدهم بالبحث فى الثلاجة التى عليها لافتة «البيرة ليست مجانية» ويتفحص زجاجات الويسكى والجونى ووكر وأجهزة كمبيوتر محطمة متناثرة عبر المساحات المكتبية الجاهزة، تبدو هذه كماليات مستحيلة ــ حتى لو كان عقيدتهم الأصولية تمنعهم من الشرب ــ ومع ذلك، فإن كل طالب لديه هاتف ذكى، والعديد منها عبارة عن أجهزة آيفون، ومعظم الضوء الذى نراه يأتى من الأجهزة وحدها، حيث إن القليل من المبانى، على الأقل فى أعقاب الانسحاب مباشرة، تتمتع بالطاقة.
طالبان خلال عامهم الأول فى حكم أفغانستان مرة أخرى. وفى البداية، أظهر منصور وهو يقوم بجولة فى حظائر الطائرات المليئة بالطائرات الأمريكية المحطمة. إنها إحدى المرات القليلة فى الفيلم التى تظهر فيها مقطوعة موسيقية لفولكر بيرتلمان: الفائز بجائزة الأوسكار عن فيلم «All Quiet on the Western Front» يستخدم البيانو والتشيلو للحصول على صوت مشئوم ولحن حزين. ويبدو الأمر قرب نهاية الفيلم أيضا، حيث ترتفع الأوتار بقلق بطىء، حيث نرى، بشكل مدهش، أن طالبان أصلحت معظم الطائرات وجعلتها قابلة للطيران، وبلغت ذروتها فى عرض عسكرى للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لاستقلالها.
وفى مرحلة أخرى من الفيلم، يأخذ أحد المقاتلين نشأت إلى كهف فى منطقة مهجورة ووعرة حيث اختبأ أثناء الحرب. يشير إلى أن جميع أعداء طالبان فى أفغانستان خلال الحرب كانوا من اليهود ويصرخ: «يا يهود! لقد خسرت الحرب!» ــ وعندما يقول إن طالبان ستحكم العالم لو امتلكت التكنولوجيا الأمريكية، حيث يبدو الأمر مضحكا.
وفى موقف آخر يقدم أحد رجال طالبان استعارة عن سبب رغبتهم فى ارتداء النساء للبرقع. يقول: قم برمى قطعتين من الشوكولاتة على الأرض، إحداهما عليها غلاف، والأخرى لا. أى واحدة تريد أن تأكل؟
ومع نهاية فيلم «هوليوود جيت»، يهدد منصور، فى مكالمة هاتفية مع وزارة الدفاع فى طاجيكستان، بغزو الدولة المجاورة. أو على الأقل أن طالبان سوف تؤوى أعداء طاجيكستان. لقد شاهدنا للتو العرض العسكرى، الذى يحتفل بمرور عام على الانسحاب الأمريكى، مع إصلاح جميع تلك الطائرات الآن ــ وتلمس طالبان بشكل فريد مثل عرض «كتيبة فرق انتحارية» ــ ومبعوثين من روسيا وإيران وباكستان والصين فى الحضور.
يبدو أسلوب نشأت فى التصوير والمونتاج غير مرئى تقريبا، وكأنه يقدم ما يراه حقا دون تعليق. من المفيد أنه يترك المشاهد الطويلة تتكشف دون تعديلات، ويمكنك أيضا التقاط صورته فى المرايا أثناء قيامه بالتصوير حتى يدرك الجمهور كيف قد يؤثر وجوده على سلوك طالبان.
غالبا ما تكمن قوة صناعة الأفلام الوثائقية فى اكتشاف طبقات من الإنسانية تجرى حتى فى أحلك البيئات.
لكن التأثير الكبير الذى أحدثه فيلم «هوليوود جيت» يأتى من قيام المخرج ابراهيم نشأت المولود فى مصر ونشأ ببرلين، بالتحديق فى الدائرة الداخلية لقيادة طالبان لمدة عام ولم يجد حتى أى بصيص من الخير، وهو يقول فى «هوليوود جيت» إنه انجذب إلى إنتاج فيلم عن طالبان لأنه يتذكر الناس من حوله فى شبابه وهم يعتقدون أنهم أبطال، وأنه شكك فى هذه الفكرة. إن فيلمه يغوص فى الفجوة بين ما شاهده وما أرادت طالبان أن يراه.