ولنا فى تظاهرات ١٩٧٧ عبرة وعظة - عمر الشنيطى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ولنا فى تظاهرات ١٩٧٧ عبرة وعظة

نشر فى : الجمعة 1 أبريل 2016 - 10:35 م | آخر تحديث : الجمعة 1 أبريل 2016 - 10:35 م
أشهر معدودات تفصلنا عن الذكرى الأربعين لتظاهرات يناير ١٩٧٧. فبعد عقدين من الاشتراكية، بدأ التحول الاقتصادى للرأسمالية وتحرير الأسواق. حينئذ اتخذ الرئيس السادات وهو فى أوج شعبيته بعد حرب ١٩٧٣ قرارا حاسما برفع الدعم الحكومى عن السلع المختلفة. كان الرئيس السادات واثقا من أن شعبيته وإنجازه التاريخى سيقنعان الشعب بانتظار ثمار الانفتاح الاقتصادى حتى تتساقط عليهم. لكن بشكل غير متوقع خرج الناس للشوارع معترضين على ارتفاع الأسعار. عمت الفوضى واعتبر الرئيس السادات ما حدث «انتفاضة حرامية» لكنه اضطر للتراجع عن قرارته وعاد الدعم مرة أخرى.

تظاهرات ١٩٧٧ كانت علامة فارقة حيث ترسخ منذ يومها أن رفع الدعم عن الفقراء خط أحمر لا يقربه عاقل حتى إن الرئيس مبارك لم يوافق على رفع الدعم لثلاثة عقود على الرغم من توصيات المؤسسات العالمية بذلك. لكن ذلك الدرس القاسى لم يثنِ الحكومة فى العامين الماضيين عن اتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة كان مجرد الحديث عنها سابقا دربا من دروب الخيال. تلك الإجراءات لها أثر كبير على ارتفاع الأسعار. ويمكن تسليط الضوء على أربعة أوجه رئيسية لتلك الإجراءات.

الأول: رفع الدعم

مع انطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادى، جاء التركيز على خفض عجز الموازنة برفع الدعم عن المحروقات تدريجيا، بدأت الموجة الأولى منه فى صيف ٢٠١٤ وكان من المفترض أن يشهد الصيف الماضى موجة أخرى إلا أن انخفاض أسعار البترول أعفى الحكومة منها. لكن مع ارتفاع أسعار البترول أخيرا، فإن الحكومة ستستكمل برنامج رفع الدعم وسيشمل ذلك البنزين والسولار والكهرباء. ولن يقتصر رفع الأسعار على موجة واحدة فقط فى الأشهر القادمة ولكن سيعقبها موجات أخرى مستقبلا. وعلى الرغم من أن البرنامج يعد بعدم المساس بمحدودى الدخل إلا أن التجارب السابقة تشير إلا أن رفع الدعم ينعكس على ارتفاع أسعار السلع والخدمات المختلفة فى الاقتصاد.

الثانى: تخفيض الجنيه

شهدت السنوات التى أعقبت ثورة ٢٠١١ عجزا بين الصادر والوارد للاقتصاد من العملة الصعبة مما أدى للضغط على الجنيه. دافع البنك المركزى باستماتة عن الجنيه باستخدام احتياطى النقد الأجنبى. ومع تآكل الاحتياطى اعتمد البنك المركزى على الدعم الخليجى لكن مع انخفاض أسعار البترول، انحصر ذلك الدعم مما زاد الضغوط على الجنيه وأدى لاشتعال السوق الموازية. على الرغم من التأكيدات أن تعويم الجنيه أو تخفيضه بشكل كبير ليس فى الأفق إلا أن البنك المركزى لجأ أخيرا لتخفيض الجنيه بقرابة ١٤٪. يعتقد البعض أن ذلك لن يؤدى لارتفاع الأسعار لأن تدبير العملة للاستيراد كان يتم من السوق الموازية، لكن ذلك التخفيض سيؤدى بالتأكيد لارتفاع الأسعار حيث إن السلع التى كانت تستورد بناء على السعر غير الرسمى هى السلع غير الأساسية. أما السلع الأساسية، فكانت عملية تدبير العملة تتم من خلال البنوك على السعر الرسمى. كما أن الجمارك على جميع المنتجات يتم حسابها على السعر الرسمى للدولار.

الثالث: قيود الاستيراد

فى محاولة لتخفيض الضغط عن الجنيه، فرض البنك المركزى بالتعاون مع الحكومة قيودا على الاستيراد بهدف الحد من استيراد المنتجات غير الأساسية مما أدى لنقص فى توافر العديد من المنتجات الأساسية ومنها الدواء فى بلد يستورد ثلاثة أضعاف ما تصدره وحتى ما تصدره أو تنتجه محليا يدخل فى تصنيعه العديد من الخامات المستوردة. مع نقص المعروض، فإن الطلب على تلك المنتجات وبالتالى سعرها ارتفع تحسبا للمزيد من النقص فى المعروض مستقبلا.

الرابع: طباعة النقد

مع تفاقم عجز الموازنة فى السنوات الأخيرة، لجأت الحكومة لتمويل العجز محليا عن طريق الاقتراض من البنوك حتى أصبح إجمالى ما تقرضه البنوك للحكومة أكبر مما تقرضه للأفراد والشركات. لكن ذلك لم يغطِ الفجوة التمويلية مما دفع البنك المركزى للتوسع فى طباعة النقد واستخدامه لشراء السندات الحكومية لتمويل عجز الموازنة، حيث تضاعف استثمار البنك المركزى فى السندات الحكومية خلال العام الماضى وهذا التوجه ما زال مستمرا مما يزيد من المعروض من النقد ويؤدى لزيادة أسعار السلع والخدمات المختلفة.

***

كل من الأوجه الأربعة له أثر مباشر على ارتفاع الأسعار وهو ما يصعب إنكاره. لكن الجديد فى الأمر هو التأثير التراكمى للأربعة أوجه مجتمعين وهو ما سيؤدى فى الفترة القادمة لزيادة مضطردة فى الأسعار. لكن دخول الأفراد والعائلات لا تزيد بنفس المستوى بسبب التباطؤ الاقتصادى مما يؤدى لتسارع انخفاض القوة الشرائية بشكل كبير. يؤثر ذلك على تراجع إنفاق الطبقات المتوسطة على الكماليات بينما يؤدى لعدم قدرة الطبقات الفقيرة على الوفاء باحتياجاتها الأساسية ونزول جزء أكبر من المجتمع تحت خط الفقر.

تتبنى الحكومة بعض البرامج الاجتماعية لتخفيف الأثر السلبى على محدودى الدخل سواء من خلال التوزيعات النقدية المباشرة أو زيادة المجمعات الاستهلاكية وتنويع الأغذية فيها بأسعار مخفضة. وتلك إجراءات محمودة لكنها تقف عاجزة أمام الأثر التضخمى للأربعة أوجه مجتمعين. وقد تدفع تلك الموجة التضخمية فئات مختلفة من المجتمع للخروج للشوارع، ليس طلبا فى التغيير السياسى ولكن طلبا فى لقمة العيش. فتظاهرات ١٩٧٧ جاءت كردة فعل لموجة حادة ومفاجئة فى ارتفاع الأسعار. أما ارتفاع الأسعار الآن فيحدث تدريجيا لكن الأثر النهائى لذلك التدرج أكبر من موجة ١٩٧٧ بسبب تزامن الأوجه المختلفة لارتفاع الأسعار.

تمضى الحكومة قدما ببرنامج الإصلاح الاقتصادى لتخفيض عجز الموازنة وتحسين بيئة الاستثمار متبنية، بالتنسيق مع البنك المركزى، توجهات اقتصادية صارمة لإنقاذ الاقتصاد الآيل للسقوط. لكن توسع الحكومة فى تلك الإجراءات الحرجة وتزامنها له آثار اجتماعية كبيرة قد تتطور لرد فعل سياسى من مختلف طبقات المجتمع على غرار ما حدث فى تظاهرات يناير ١٩٧٧، غير أن من يدير دفة الحكم يبدو أنه قد نسى ما حدث منذ أربعين عاما ولا يدرك أن حتى شعبية ونصر ١٩٧٣ لم يغنيا عن صاحبهما شيئا فخرج الناس للشوارع حينما ضاقت بهم الحياة، مما يجعل من الضرورى إعادة النظر فى الإصلاحات الاقتصادية المتبعة وسرعة تطبيقها وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعى بشكل أكبر.
عمر الشنيطى المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار
التعليقات