السؤال الصيني في عالم مضطرب! - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الإثنين 8 سبتمبر 2025 7:20 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

السؤال الصيني في عالم مضطرب!

نشر فى : الأحد 7 سبتمبر 2025 - 6:30 م | آخر تحديث : الأحد 7 سبتمبر 2025 - 6:30 م

لم يكن سؤال الدور الصينى ومستقبله فى بنية النظام الدولى جديدا، أو مستجدا.

 


إنه سؤال ضاغط بقدر وطأة افتقاد التوازن فى العلاقات الدولية.
يطرح نفسه من وقت لآخر كلما طرأ تطور جوهرى، أو رمزى، يومئ إلى تحول ما محتمل فى العلاقات الدولية.
السؤال طرح نفسه مجددًا بإلحاح ظاهر إثر استعراض القوة العسكرية الصينية فى قلب أشهر ميادين العاصمة بكين «تيان آن مين».
الرسائل السياسية تصدرت المشهد العسكرى.
لم تكن خافية على أحد فى طلب التوازن بالعلاقات الدولية.
بصياغة الرئيس الصينى «شى جين بينج»: «تواجه الإنسانية مرة أخرى خيار السلام أو الحرب.. الحوار أو المواجهة» داعيا إلى «ضرورة بناء نظام دولى جديد متعدد الأقطاب.. يوازن بين النفوذ السياسى والاقتصادى ويمنح الدول النامية فرصا أكبر للتأثير».
أراد أن يقول إن بلاده جاهزة ومتأهبة للخيارات جميعها.
التاريخ حاضر فى خلفية الاستعراض العسكرى، لكنه ليس موضوعه.
بإيقاع السنين فإن مرور ثمانين سنة على انتصار المقاومة الشعبية الصينية على الاحتلال اليابانى بالحرب العالمية الثانية يستدعى مراجعة التاريخ دون استغراق فيه.
الحاضر ماثل بكل تحدياته وسؤال المستقبل يطغى على ما سواه.
الاستعراض العسكرى صمم بصورة مقصودة حتى يكون واضحًا أمام اللاعبين الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، أنه لا يمكن تجاهل الدور الصينى ومصالحه وتطلعاته لتوحيد كامل أراضيه.
استعادة تايوان إلى الوطن الأم هدف استراتيجى ووجودى كامن فى الاستعراض العسكرى الضخم.
هذه المسألة بالذات تدخل فى صلب صراعات المستقبل على القوة والنفوذ بشرق آسيا، وتمثل تهديدا مباشرا للاستراتيجيات والمصالح الأمريكية والغربية.
تبدت فى الاستعراض العسكرى مستويات القوة، التى وصلت إليها بكين فى إنتاج الأسلحة المتقدمة من طائرات ودبابات وصواريخ باليستية عابرة للقارات.
كان ذلك تحديا معلنا للتحالف الغربى كله، الذى ينتابه ضعفا وتفككا غير مسبوق ومستقبل حلف «الناتو» نفسه معلق على مجهول.
لم يتردد الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» فى الإعراب عن ضيقه البالغ من التحدى الصينى المستجد، كأنه استهدفه هو بالذات، كما قال حرفيا!
بشىء من السخرية المريرة قال مخاطبا الرئيس الصينى «شى»: «أبلغ تحياتى للرئيس الروسى بوتين والرئيس الكورى الشمالى كيم لمشاركتهما فى المؤامرة على الولايات المتحدة»!
استبعد «بوتين» حديث المؤامرة بداعى حاجته الاستراتيجية إلى تعاون ما مع «ترامب» لإنهاء الحرب الأوكرانية بما يوافق المصالح الروسية.
الأمريكيون والأوروبيون فى حاجة إلى بعضهما الآخر لمواجهة التحدى الصينى، غير أن شخصية «ترامب» وخياراته السياسية والاستراتيجية تجعل من الصعب التوصل إلى تفاهمات مشتركة.
بالنظر الأوروبى فإن الاستعراض العسكرى يؤسس لمرحلة جديدة فى آسيا، ويمثل بالوقت نفسه أخطر تحد للنفوذ الأمريكى والغربى.
كان لافتا مشاركة رئيس الوزراء الهندى «ناريندرا مودى» فى اجتماعات منظمة «شنغهاى» للتعاون، وحضوره الاستعراض العسكرى مع زعماء وممثلى نحو (25) دولة.
الاقتراب الصينى الهندى بذاته تطور بالغ الأهمية بوزنيهما السكانى والاقتصادى والاستراتيجى.
إنه مشروع انقلاب إقليمى، له ما بعده فى الشرق الآسيوى.
كان إفراط «ترامب» فى حروبه التجارية مع خصومه وأصدقائه على قدم المساواة داعيا إلى شرخ لا يستهان بخطورته فى علاقاته مع الهند.
كانت عودة نيودلهى بقوة رد الفعل إلى شراء النفط والغاز الروسيين بأسعار تفضيلية شرخا آخر.
ثمة شىء جوهرى يتغير فى بنية النظام الدولى المتهالك، أكبر من تجاهله وأقل من إصدار أحكام أخيرة.
رغم تراكم المال والسلاح إلى مستويات قياسية فإن الصين ليست فى عجلة من أمرها للعب أى أدوار عظمى، كأنها تجلس بصبر على حافة النهر فى انتظار جثة عدوها طافية.
سياسة النفس الطويل من مقومات الحكمة الصينية، كما صاغها فيلسوفها الأكبر «كونفوشيوس» فى العهود الغابرة.
فى أقل من (50) سنة بنيت الصين من جديد على أسس حديثة، حركة الاستثمار تمضى بكامل قواعد الإدارة الرأسمالية فى إطار مخطط الدولة، التى أتاحت للمنتجات العالمية الشهيرة من وجبات الطعام السريعة إلى السيارات والملابس والأجهزة الإلكترونية أن توجد فى سياق صينى محكم، يراكم الخبرة بالحداثة ويتيح لمواطنيه من أبناء الطبقة الوسطى ذات مستوى ما يتمتع به نظراؤهم فى العواصم الغربية.
هدمت أغلب أحياء العاصمة وبنيت من جديد، ناطحات سحاب تستولى على مشاهدها كأنها تنافس نيويورك، ومترو أنفاق يفوق نظيره الباريسى، وشوارع فسيحة تنتظم فيها حركة المرور بسلاسة، رغم الكثافة السكانية باستثناء فترات الذروة.
يمكن وصف التجربة الصينية بـ«رأسمالية الدولة».
يصعب نسبتها إلى أفكار «ماو تسى تونج» إلا بقدر تراكم التجربة، فقد فتح الباب واسعا للتغيير ونقل البلد كله من حال إلى آخر، من التخلف المفرط وحروب الأفيون ومستوطنات الذباب إلى القرن العشرين وحقوق مئات الملايين فى العدالة والتنمية والحياة بكرامة.
الانتساب إلى «ماو» مسألة شرعية، غير أن الماوية، من حيث هى أفكار وتصورات وسياسات تكاد أن تكون قد طويت.
دأب الصينيون على مدى سنوات طويلة أن يقولوا: «لسنا دولة عظمى»، لا يتداخلون فى الأزمات الدولية الكبرى إلى بحساب مشروع طويل الأمد، لكنه لا يتوقفون عن بناء القوة إلى حدودها القصوى الممكنة.
هذا خيار استراتيجى يحكم الصين، ويحكم أية إجابة على سؤال المستقبل.