ورسب جمال مبارك فى الجولة الأولى - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ورسب جمال مبارك فى الجولة الأولى

نشر فى : الأربعاء 1 سبتمبر 2010 - 10:35 ص | آخر تحديث : الأربعاء 1 سبتمبر 2010 - 10:35 ص

 شهد شهر رمضان الكريم فيضا من المسلسلات شغلت أجهزة الإعلام المرئية والمقروءة، ووفرت للصائمين والمفطرين مادة يلوكون بها ألسنتهم دون أن يفطر الأولون بالضرورة ودون أن يشبع الأخيرون.

غير أننا جميعا، على امتداد المليون كيلومتر مربع، تابعنا مسلسلا جرت أحداثه على الطبيعة، اقتطع بدوره نصيبا فى أجهزة الإعلام تبدل فيه الرأى والرأى المعاكس ــ على حد تعبير من يرون أن هذه هى الوظيفة الأولى للإعلام الحر، فهى بالتالى من القواعد الأساسية فى مجتمع ديمقراطى، حتى ولو انحصر نصيبه من الديمقراطية فى خضوعه لحزب ينعت نفسه بهذه الصفة التى هى منه براء. وكان البطل فى هذا المسلسل هو السيد الأمين العام المساعد أمين السياسات لذلك الحزب، والذى عرف منذ مدة بأنه بطل مسرحية ذات شخص واحد، تشتهر باسم التوريث.

الطريف فى الأمر أن السيد الأمين ظل يراوغ ويناور فى الإجابة الصريحة عن ما إذا كان قد وضع عينه على التركة، حتى لا يتركها تذهب إلى أغراب.

غير أن الحملة التى شنها أنصار التغيير والتى فشلت معاول الهدم والتنديد والاستنكار فى ضعضعة أركانها، وبات واضحا للعيان أنها ليست وقفا على شخص له مشاغله الخاصة إلى جانب عزيمته القوية للمضى فى الطريق الذى وهبه جل اهتمامه، ليتضح للعيان أن فى الأفق ما يبشر بتصاعد عزيمة التغيير وتحولها من رغبة إلى قدرة. كما اتضح أن من أسباب نجاحها أنها صادفت هوى فى نفوس الغالبية التى كادت تفقد الهوية، حيث انتشلتها من مستنقع ألاعيب الأحزاب التى تعرض نفسها كمعارضة، ليجد الحزب الوطنى نفسه لأول مرة يواجه تيارا شعبيا اجتمع على قلب رجل واحد، لا تفرقه ملة أو حرفة، وهذا بذاته أول الدرب فى الرحلة إلى الديمقراطية. فهى ليست منّة من حاكم يهبها شعبا تشغله فى كفاحه أمور خارجية، كالنضال من أجل الاستقلال، وهى ليست صدقة تجود بها قوى خارجية ولا يجرى الاستقواء بها للحصول عليها.. فالتاريخ يشير إلى أن البناء الديمقراطى يتشكل فى أتون تلاحم اجتماعى، يدرك كل من أطرافه ما يصبو إليه، ويتفاهم الأطراف على الصيغة التى تتوافق فيها مصالحهم كافة فى إطار صالح عام، فيكون الجميع على استعداد للذود عنه والحفاظ عليه وتطويره بالتراضى لتبقى متمسكة بهويتها المشتركة، ومعتزة بمشاعر الانتماء، التى نجح النظام الجاثم على الصدور طيلة أربعة عقود فى طمسها.
القضية إذن تخرج عن نطاق التمديد والتوريث، وهى بالضرورة لا تقف عند حد التداول، وكأننا فى صالة عرض تتعاقب فيها الوجوه، هذا يمين مرة وذاك يسار أخرى وثالث يقف فى الوسط قدم هنا وقدم هناك. هى ليست قضية من يحكم ويقول دستور يا مباركين، بل هى قضية شعب يمتلك رؤية نهضوية يقيّم بموجبها ما يطرحه المرشحون من برامج، وتجرى محاسبتهم على ما أوفوا به. وعليه فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو: طالما أننا بصدد انتخابات تشريعية، وأن قضية الترشيح للرئاسة موعدها منتصف العام المقبل، فما هو السبب فى هذه الهبة أو الهوجة، التى انطلقت تنشر صورا مكبرة للسيد/جمال وكأن حسن الصورة وبهاء الطلعة هما الطريق إلى القلوب، ومنها إلى العقول؟ وما معنى أن يقود الحملة شخص له انتماء سياسى معروفة مبادئه لتتوالى بعد ذلك أحداث اللصق والنزع، ويجرى ترتيب مهرجانات لا يحضرها أحد؟ إذا كان الغرض هو الترشيح للرئاسة فهو أمر مخالف للدستور المصاغة مواده ذات العلاقة «بحرفية شديدة»، دون ذكر اسم الحرفة التى تحسب على الترزية، وهم منها براء لأنهم يعملون من أجل كسوة البشر وليس لنزع الأمخاخ. لعل إدراك هذه الحقيقة هى التى جعلت السيد المرشح يظل صامتا.. فأصبح صمته عنوانا على رسوبه فى أول خطوة نحو الكرسى الذى يتطلع إليه.

لو أنه عند أول بادرة التزم بما سبق أن أعلنه كبار الحزب من أنه لم يحن أوان الترشيح بعد، وأنه يعبر عن عميق شكره لمن أرادوا إظهار عواطفهم نحوه، ويرجوهم أن يحترموا الدستور، الذى جرى تفصيله لمثل حالته، لقدرنا له كياسة فكره السياسى، وتغليبه شأن مؤسسات الدولة التى ينادى به رئيسا عليها. ولكنه كان على ما يبدو شغوفا بتلك الخطوة، آملا فى أن تنال زخما يفرض اسمه على حزبه.

وراجت شائعات بأن بعض أعضاء الحزب رصدوا الملايين، ربما من الأرصدة المخصصة لأعمال البر والتقوى، لعل ثوابها يكون مضاعفا فى الأرض، لأنها لا تملك مقومات الصعود إلى السماء.
ويبدو أن القيادات الأخرى فضلت أن تتريث لترى ما سيؤول إليه المسلسل. فمن قائل إنه كأى مصرى له حق الترشيح، ومن قائل إن المرشح الطبيعى هو الرئيس الذى يلاحق القذافى بعقد رابع، فإذا لم يرغب فلا مانع من ترشيح نجله.

ورغم أن أدوات القمع دائما جاهزة، فإن استمرار الحملة كان يعنى رغبة فى كشف مدى إمكانية إكمال مسلسل التوريث.

ولكن ما إن تداعت الحملة حتى شعرت القيادات بأن الأمور تسير فى طريق فيه وبال على الحزب بظهور تدنى شعبية أمين سياساته.

ومهد السيد أمين الإعلام للأمر بالقول إن الابن هو مرشح محتمل إذا أراد الأب الاعتزال، ليتلوه الأمين العام بتأكيد بقاء الوضع على ما هو عليه. وهكذا أسدل ستار على فشل الحملة ليس لوضوح الرفض الجماهيرى، وإنما احترام لتوجيهات السيد الرئيس.

أعتقد أن موقف السيد أمين السياسات من هذا المسلسل دليل قاطع على ضرورة إيكال أمر السياسات فى الحزب إلى من لديه القدرة على التحرك فى الوقت المناسب.. ناهيك عن تسليمه مفتاح المحروسة.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات