منذ قامت الثورة المصرية فى 25 يناير 2011 على أكتاف رجال ونساء مصر واستمرارا للجهد الخارق الذى تبذله نساء مصر بجميع أطيافها وبجميع أعمارها فى كل الميادين من أجل الحفاظ على مسيرة الثورة لتحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لكل المواطنين بدون تفرقة بسبب الجنس أو العرق أو الديانة أو العقيدة نجد أن القائمين على حكم مصر من المجلس العسكرى ورؤساء الوزراء المتعاقبين يبذلون أقصى جهدهم مرات لإقصاء النساء عن مواقع اتخاذ القرار ومرات أخرى لتخويفهم وترويعهم من المشاركة فى الاستمرار فى الثورة والحفاظ على مسارها السليم مع ثوار مصر. الأمثلة على ذلك كثيرة فقد استبعدوا المرأة المصرية من الحوارات القومية والمجالس المهمة وقللوا عددهن فى المناصب الوزارية ولم يسمحوا لهن باعتلاء مناصب هامة مثل محافظ واكتفوا مؤخرا بوضع عدد صغير جدا من النساء فى المجالس مثل المجلس الاستشارى حيث يمثلن نسبة لا تعبر من قريب أو بعيد عن وزنهن الجغرافى وهى نسبة تمثل أيضا إنكارا لكفاءات المرأة المصرية وفضلوا أيضا إعمال نظام للكوتا النسائية فى الانتخابات لا ينتج عنها أى مشاركة تذكر للنساء فى مجلس شعب قادم ذكورى من الطراز الأول ومن مظاهر هذا الإقصاء أيضا إصرار المجلس العسكرى وإصرار الحكومة على الاستبقاء على مجلس للمرأة لا ينطق بكلمة فى حق نساء مصر ولا فى حق اللاتى استشهدن أثناء الثورة ولم يستنكر كشوف العذرية التى أجريت على بنات مصر الثائرات ولم ينبذ بأى استنكار للهجوم الوحشى من جانب عساكر وضباط الجيش بهمجية لا تضاهيها الوحشية النازية والفاشية على أشرف شرفاء مصر من النساء والرجال ومن العجيب أن رئيس الوزراء الحالى قد ذكر عقب مظاهرة حرائر مصر أنه كان ينوى إعادة هيكلة هذا المجلس ولكنه لم يشر بكلمة عن متى وكيف؟ ونحن الآن وبعد عام منذ اندلاع الثورة هل مازال هذا المجلس بالذات دونا عن كل المجالس الأخرى يمثل معضلة لا يمكن المساس به أمام كل من المجلس العسكرى وأيضا الوزارات المتعاقبة ؟ هذا بالرغم من أن كثيرا من الباحثات والناشطات وعضوات المجتمع المدنى قد قدموا لرئيس وزراء مصر السابق دراسات واقتراحات بكيفية إعادة هيكلة هذا المجلس لكى تكون هناك آلية حكومية وأيضا خطاب رسمى واضح يعبر عن دور نساء مصر وقضايا المساواة فى المواطنة أسوة بكل بلاد العالم.
●●●
ويظهر ترويع نساء مصر على أيدى من يحكمون الآن أنهم يتصورن أن الأسهل لهم أن يحكموا نصف الشعب بدلا من أن يحكموا كله ولذا فقد امتنعوا عن أن يوضحوا موقفهم بالنسبة لنصف المجتمع. أن ثورة 1952 كمثال وبعيدا عن تقييم محاسنها ومساوئها فقد أعلن القائمون بها آنذاك أن مصر ستبنى على أيدى نسائها ورجالها ولذا فقد أعلنوا وشجعوا النساء على الالتحاق بالتعليم وبالعمل على أسس من المساواة التامة وضمنت الثورة أيضا وشرعت حق المرأة فى التصويت والترشح قبل أن تفعل ذلك كثير من البلاد التى كانت أكثر تقدما منا وأعلن قائدها بشجاعة ما يفيد أن ملبس المرأة حرية شخصية لا مساس بها.
وفى تونس أيضا فور فوز حزب النهضة بحوالى 40 فى المائة فى انتخابات الجمعية التأسيسية أعلن الغنوشى انه لا مساس بحقوق المرأة التونسية ووضعت تونس كل الضمانات التى لن تمس بقانون الأحوال الشخصية الذى يعتبر أكثر قانون أسرة حفاظا على حقوق النساء والرجال فى البلاد العربية ولكن يبقى من يحكم مصر الآن مفضلا إنكار دور نساء مصر العظيم منذ اندلاع الثورة ودورها أيضا على مدار العصور غير موضحا نواياه أو سياسته تجاه مسائل تمس قضية جوهرية وهى المساواة فى المواطنة.
ولنا أن نتساءل عن سبب هذا الصمت هل هو نتيجة لصفقة قد تمت بين التيارات الإسلامية التى تسعى جاهدة وسريعا لتحكم مصر على أساس فهمهم الأوحد للشريعة الإسلامية التى يتصورون انها تبيح لهم التحكم فى الحريات الشخصية للمواطنات والمواطنين من جهة وبين من يحكمون مصر الآن؟ وهى صفقة تعمل على التحكم والسيطرة على نساء مصر وترويعهم حتى يمكثن فى بيوتهن ليأتمرن بأوامر رجالهن وأوامر أولى الأمر أم أن من يحكمونا الآن هم فى الحقيقة أناس يعتبرون المرأة هى إنسان فى مرتبة أدنى ودورها الأساسى فى المنزل ويمكن السماح لها بالقيام ببعض الأعمال التى يحددها لها الرجال؟ هل هذه عقيدتهم بالفعل؟ أى أنهم غير مقتنعين بدور النساء ولا بالمساواة بين الجنسين التى هى أهم دعائم المواطنة اللازمة لبناء الديمقراطيات؟ أن كلا الفرضين مصيبة كبرى، ولكن ما لا يعلمون به أن كلا الاحتمالين لن يثنيا نساء مصر من استكمال مشوارهن العظيم لتحقيق المساواة والكرامة لهن ولكل الشعب المصرى الذى قام بأعظم ثورة فى التاريخ المعاصر.
●●●
إن المصرية العظيمة التى سحلتها أبشع ممارسات الجنود فى شارع قصر العينى وعند مجلس الوزراء، وسميرة محمود وغادة كمال وخديجة الحناوى وهبة محمود وهند بدوى هن أسماء لن ينساها التاريخ ولا الحركات النسائية فى العالم كله. أن كثيرات غيرهن أيضا مثل الناشطات فى مجموعة لا للمحاكمات العسكرية ومثل طبيبات مستشفيات الميدان اللاتى لم يغفل لهن جفن منذ اندلاع الثورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أعمال وحشية قد أصابت أشجع وأنبل شبابنا. هؤلاء النساء اللاتى لم يعبأن الضرب والسحل والاعتداء الجنسى والتهديد وتعرضن لوحشية لم تتعرض لها نساء مصريات حتى على أيدى جنود الاحتلال الإنجليزى مستمرون مع رجال مصر فى مشاركتهن فى الثورة وفى بناء مصر الجديدة الحرة التى ستبنى على المساواة فى المواطنة رغم أنف المعارضين.