بينما أغادر منصبى كرئيسة لمكتب شكاوى المراة هذا الأسبوع يهمنى أن أعتذر لجميع السيدات اللائى قمت أنا وزملائى بخدمتهن واسترجاع حقوقهن من خلال المكتب عن عدم قدرتى على الاستمرار فى خدمتهن عبر المجلس القومى للمرأة.
لقد شرفت بإنشاء مكتب الشكاوى عام ٢٠٠٢، وكنت مديرته حتى عام ٢٠٠٦، ثم مرة أخرى خلال العامين الماضيين بناء على استدعاء من السيدة ميرفت التلاوى رئيسة المجلس القومى للمرأة، وهى الجهة التى يتبعها مكتب الشكاوى. وقد قبلت تكليف السيدة رئيسة المجلس القومى بإحياء المكتب بعد ثورة يناير ٢٠١١ لإيمانى بأهمية ذلك.
شرعت فور تكليفى فى إعادة بناء المكتب، ووضعه مرة أخرى على الخريطة المجتمعية، وخلق علاقات قوية مع اجهزة الدولة المعنية. وكان أكثر ما حرصت عليه فى مرحلة اعادة البناء هذه وجود المكتب بين النساء الفقيرات فى المناطق العشوائية والمهمشة، مثل عزبة الهجانة والحوتية وإمبابة ومنشية ناصر، والعمل على إيجاد حلول للكثير من المشكلات المعروضة على المكتب فى هذه المناطق بشكل خاص، بحيث أصبح المكتب فى الكثير من الأحيان الملاذ الوحيد للمرأة البسيطة والفقيرة منتكهة الحقوق. وحين قامت السيدة رئيسة المجلس بتقليص ميزانية المكتب لعدم إعطائها أولوية لمشكلات المرأة الفقيرة، استطعت تعويض هذا الأمر بالحصول على منح متعددة من الأمم المتحدة، وغيرها من الجهات المانحة لكى يقوى المكتب ويستمر فى خدمته للمجتمع.
بنى مكتب الشكاوى عمله على أساس الدراسة العلمية والموضوعية لكل حالة، ومناقشة المشكلات مع الجهات المسئولة بالمنطق والحجة، فعومل بالاحترام الذى يستحقه، حيث لم يلجأ أبدا للهجوم غير الموضوعى والديماجوجية على طريقة السيدة السفيرة حين طردت مسئولى الاتحاد الأوروبى من الاجتماع العام الذى كانت ترأسه بدار الأوبرا المصرية عوضا عن تفنيد ما جاء فى تقريرهم بالنقاش وبالحجة. وعلى الرغم من أن شجاعة السيدة السفيرة خانتها فأنكرت فى اليوم التالى قيامها بطرد المندوبين الأوروبيين، فإن الإعلام فضحها عندما تداول الجميع تسجيلا للواقعة على اليوتيوب تظهر فيه، وهى تصرخ وتسب بمظهر غير لائق لها أو للمجلس.
لقد بدا واضحا لى، وبعد سنتين من رئاستى للمكتب، أن الظهور الإعلامى هو أكثر ما يهم السيدة رئيسة المجلس القومى، حيث يساعدها ذلك فى الاستحواذ على أكبر عدد من المناصب والانفراد بكل المهمات. هذا وقد تمكنت السيدة الرئيسة من تسخير طاقات المجلس لمساندتها فى هذه المهمة، وعندما أبى مكتب الشكاوى أن يكون جزءا من هذه الزفة، ناصبته العداء، واستنكرت أن يتخذ المكتب المصلحة العامة هدفا له، فقررت أضعافه ووضعه تحت سيطرتها الكاملة، فأنكرت الكثير من اختصاصات وظيفتى وسعت لإيقاف أى تمويل تمكنت من الحصول عليه بمجهوداتى الشخصية، وأخيرا قامت بتغيير مسئوليات المكتب ومسئوليات إدارته، ونجحت فى تعيين إحدى عضوات مجلس الأمناء كمديرة جديدة للمكتب، وهو الخبر الذى لم أعلم به إلا من خلال عدد «الشروق» الصادر فى ٤ أكتوبر الحالى.
وأنه لمن العجيب أن تعين رئيسة المجلس كمدير تنفيذى لمنظمة المرأة العربية، وتتمسك بالبقاء فى منصبها كرئيسة للمجلس القومى للمرأة. ومن أشد العجب أن تقوم ثورة تتلوها ثورة، وينادى المجتمع بالتغيير، وتظل السيدة ميرفت التلاوى التى تخطت الثمانين من عمرها تتولى جميع المناصب الحكومية المهمة المسئولة عن قضايا المرأة، بينما تتمسك بأسلوبها القديم فى الإدارة الذى يتلخص فى أن المصلحة الشخصية لرئيس المؤسسة والبقاء الدائم فى المنصب يأتى قبل أى مصلحة عامة أخرى. ولعل ذلك ما أدى إلى استقالة عدد من عضوات مجلس أمناء المجلس بعد توليها رئاسته بفترة وجيزة، حيث أدركن صعوبة العمل تحت رئاستها، وفى ضوء هذه التوجهات.
لطالما طالبنا كمهتمات بقضايا المراة بضرورة وضع النساء فى مواقع صنع القرار، إلا أننا لم نكن نتوقع أن تستحوذ السيدة التلاوى على جميع الوظائف، وأن تعمل على استبعاد أى امرأة أخرى تثبت كفاءتها ومقدرتها، مستخدمة التهديد أحيانا وذكر مؤسسة الرئاسة أحيانا أخرى. وبينما أترك وظيفتى كرئيسة لمكتب الشكاوى، أحمد الله أننى لم أنحنِ يوما للرغبات الشخصية لرئيسة المجلس، ولم أسمح باستخدام المكتب فى عهدى إلا لأصحاب المصلحة الحقيقية ممن لم يكن لهن سند إلا الله وهذا المكتب. هؤلاء سأظل فى خدمتهن من خلال قنوات ومنظمات أخرى جادة تعمل لوجه الله والوطن.