شروط الإبداع التليفزيونى والتنمية الثقافية - نسمة البطريق - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 8:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شروط الإبداع التليفزيونى والتنمية الثقافية

نشر فى : الخميس 2 يوليه 2020 - 9:20 م | آخر تحديث : الخميس 2 يوليه 2020 - 9:20 م

لعل أهم الأهداف فى تناول شروط الإبداع التليفزيونى خاصة فى دولة كمصر لها هذا التاريخ الممتد فى مجالات الإنتاج الثقافى والفنى والعلمى والإبداعى بالكلمة المطبوعة والمسموعة والفيلمية هو للتأكيد على ما يميز مصر من تكامل فى مقومات الإنتاج الفكرى والفنى، وما اكتسبته من إتقان فى شروط الإبداع والتعامل مع تلك اللغة الحديثة المرئية المسموعة. واستطاعت من خلال هذه اللغة جذب المشاهد المصرى والعربى مستفيدة من تلك الفترات المضيئة من تاريخ نهضة مصر الحديثة فى مجالات العلوم المختلفة والفنون والثقافة المتنوعة، وتميزت بقدراتها على نشرها بأشكال متعددة من الوسائل المطبوعة من مقال صحفى وأدب قصصى وروائى وشعر متنوع، ومؤلفات عديدة فى مختلف العلوم والآداب، أضافت العديد من الإمكانيات الفنية والتعبيرية للمعانى الاجتماعية والثقافية بالكلمات المنطوقة والمطبوعة. كل ذلك كان له مردوده على تميز اللغة العربية الإعلامية فى مصر بوسطيتها إلى جانب انتشار اللهجة المصرية الكلامية بسهولتها وقدرتها على توحيد العالم العربى حول العديد من المفاهيم والقضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية. وأصبح الإنتاج الثقافى والفكرى الأساس الذى انطلقت منه شعبية الفيلم والأغنية المصرية. واستطاعت اللغة العربية فى مصر التعبير والإجادة عن أدق المشاعر الإنسانية والوطنية والعاطفية فى أوقات الأزمات والحروب كما فى أوقات السلام والأمن الاجتماعى.
هذه القدرات العديدة التى امتلكتها مصر كدولة عربية كان لا يمكن تحقيقها بتلك القوة والكثرة وتعدد المعانى والأفكار والتعبير عنها بالكلمات المقروءة والمسموعة الإذاعية والفيلمية فى غياب طبقة واسعة من مثقفى ومبدعى مصر والعالم العربى، فى مختلف مجالات التأليف والإبداع الصحفى والأدبى والمسرحى والسينمائى والإذاعى والغنائى، استفاد من تلك الذخيرة الفكرية والفنية الهائلة التليفزيون المصرى الناشئ منذ أواخر الخمسينيات من القرن الماضى.
واستطاع التعبير والإجادة فى تقديم برامج بالصورة والكلمة تسعى وراء المعانى لوضع تفسير للمواقف والأحداث والقضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية والإنسانية، هادفة من وراء كل ذلك التنمية الفكرية والثقافية إلى جانب المتعة فى المتابعة، مستفيدة من هذا التراث الفكرى المتعدد الاتجاهات.
***
ولعل ما نقصده بشروط الإبداع ليس الإبداع البصرى بالصورة الفيلمية وجمالياتها، بقدر ما نهدف إلى التأكيد على شروط الإبداع الفكرى، والسعى لتحقيق الرقى الاجتماعى وتنمية الطاقة الإيجابية الاجتماعية والثقافية لأفراد المجتمع المصرى والعربى. ولعل حصر أهم هذه الشروط وربطها بالتنمية الاجتماعية والفكرية هو اقتناعنا بأهمية ما تمتلكه الثقافة المصرية من قدرات واسعة، لمناقشة العديد من قضايا التنمية ومعالجة ما يعانى منه المجتمع من قضايا فكرية متعددة خاصة فى عصر العولمة والتحديات المتعددة التى تواجه المجتمع العربى ومصر فى زمن تعدد وسائل الاتصال الفضائى الدولى والوسائل الالكترونية الحديثة، وما يمكن أن تطرحه من أفكار قد تسير فى عكس الأهداف التنموية والثقافية والفكرية.
ولعل توغل العولمة والقطاع الخاص فى مجالات الإنتاج الثقافى والفنى بكل قوتهما خاصة منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضى وما أحدثاه من تأثير فى العديد من شروط التميز والإبداع الفكرى والفنى وتأثيرهما الواضح فى الإنتاج الثقافى وبدأت مفردات الإبداع فى العديد من ألوان الإنتاج السينمائى والتليفزيونى والمسرحى وأيضا فى الأغنية المصرية وطرق إلقائها وتلحينها بتلك الموسيقى الخاصة التى أحببناها جميعا ولاقت هذا النجاح والشهرة بمعانيها وكلماتها المبدعة بأصوات كبار نجوم الغناء فتأثرت سماتها وضاعت كلماتها ومعانيها وسط تعبيرات السوق و«الجمهور عايز كده».
ولعل اهتمامنا بعلوم الدلالة والاجتماع واللغة الفيلمية، منذ بدايات الثمانينيات فى العديد من المؤلفات الأكاديمية والمقالات وتأكيدنا على ضرورة استغلال تلك الإمكانيات الفنية والفكرية العديدة والتى تمتلكها الثقافة المصرية خاصة من خلال لغة الفيلم والمسلسل والبرامج التليفزيونية فى تحقيق التنمية الاجتماعية والثقافية والفكرية.
ويمكن التأكيد على أهم تلك الشروط الإبداعية فى الآتى:ــ
أولا: أهمية العناية بالكلمة خاصة فى مجالات كتابة النصوص التليفزيونية، فشروط الإبداع تبدأ دائما من الكلمات الموحية والمؤثرة وطرق إلقائها، فهى التى تفجر المعانى والأفكار وأصول التعبير باللقطات والمشاهد، فهى تتطلب الموهبة والكثير من الثقافة المتعددة حتى يمكن الإتقان فى اختيارها وتوجيه معناها، آخذين فى الاعتبار الأول رسالتها الثقافية والتنموية. فالاهتمام بالمفاهيم التى تعبر عنها الكلمات لها خطورتها الكبيرة خاصة فى أوقات الفراغ التى تملأ حياة الشباب المصرى والعربى ــ فالفيلم والمسلسل والبرامج التليفزيونية تكاد تكون الوسيلة الوحيدة فى مجتمعاتنا النامية والتى تتصدر أوقات الفراغ خاصة بسطاء التعليم، وذلك لأن الصورة الفيلمية لها جاذبيتها بالنسبة للمتلقى المشاهد ولكنه قد يصعب فهمها بسهولة فى غياب الكلمات المناسبة، فهى التى تحدد المعانى وتؤكد عليها. فالكلمة فى الحوار أو التعليق هى التى ستؤثر فى فهم المواقف وتحديد معناها الحقيقى فى السينما والتليفزيون ومن هنا ضرورة اختيار الكلمات التى تعبر عن المعانى.
وكان من دواعى التأكيد على خطورة الكلمة وضرورة اختيارها خاصة فى شهر رمضان المعظم، حيث تجتمع الأسر المصرية والعربية حول الشاشة الصغيرة لمتابعة أحداث المسلسل والبرامج المتعددة كعادة اجتماعية تعودنا عليها منذ فترات بعيدة للاستمتاع بالكلمات الراقية والمؤثرة والموسيقى والغناء المبدع.
وأحداث المسلسل والبرامج التى من المفترض أن تنمى تلك الطاقة الاجتماعية والثقافية الإيجابية وتضاعف من المتعة. ومن المؤسف أننا شاهدنا بدلا من كل ذلك أعمالا درامية تستعرض مشاهد عديدة من تعاطى المخدرات بكل تفاصيلها، والقتل وسفك الدماء والخيانة والانتقام، وكلها لا تقدم سوى قيم سلبية، تعارضت مع ما تدعو إليه البرامج الدينية فى هذا الشهر الكريم، والتى أكدت قيم التسامح والحب والاحترام والإتقان فى العمل والنهى عن المنكر والمخدرات والسرقة بكل أنواعها والبعد عن الأحقاد والرذائل والغيرة القاتلة وكلها أحاديث شريفة تدعو إلى إعلاء شأن القيم الإنسانية الراقية.
ولم تبتعد برامج التسلية والترفيه فى هذا الشهر عن تلك المشاهد التى تدعو إلى العنف اللفظى والجسدى.
ولم يستثنِ من هذا الإنتاج الهائل سوى عدد قليل ويتقدمهم هذا العمل الدرامى «الاختيار» الذى وضع المشاهد أمام حالات من البطولة والفداء للوطن بتلك الشجاعة والإقدام، والذى نحتاج إلى أهدافه السامية خاصة فى تلك الفترات الصعبة التى يمر بها العالم العربى ومصر من تحديات متعددة.
ثانيا: احترام أصول المشاهدة الآمنة. من المفترض أن تكتمل متعة المشاهدة وفهم ما تتضمنه من أحداث بالتتابع المنطقى للأحداث حتى نتفهم مقصدها وما تتضمنه من معانٍ وأفكار.
ومن الأهمية معرفة أن المعانى المقدمة بتلك اللغة المرئية المسموعة تفترض حدا من الاستنتاج الهادئ للمعانى المقدمة للأفكار الإنسانية والثقافية سواء من خلال المسلسلات والأفلام أو البرامج المختلفة.
تلك الخصوصية تفرض حدا من الممارسات المنطقية لدى المشاهد لتلك المضامين المقدمة والتى لا يمكن توافرها واكتسابها وتقديمها بدون ثقافة وإبداع كتاب النصوص التليفزيونية حتى يكتسب المشاهد المعرفة المتعددة التى ينتمى إليها المجتمع وأيضا تساعد على ترتيب أفكار الأفراد الملتبسة حول المفاهيم والموضوعات العديدة فى زمن العولمة والعديد من أفكارها التى قد يتلقاها الأفراد بالوسائل الحديثة الإلكترونية للتواصل الاجتماعى والوسائل التقليدية المرئية المسموعة والتى تتصف فى أحيان كثيرة بعدم الموضوعية والصدق. ولعل ما تخلل الأعمال الكثيرة فى هذا الشهر من إعلانات تجارية وإعلانات التبرعات وما أحدثته من تشتت وخروج عن المتابعة الآمنة فى فترات متقاربة ومتعددة والتى ساعدت على عدم إعطاء فرصة لاستنتاج المعانى المختلفة واحترام هذا التوازن المفترض بين المعانى المقدمة وأصولها وبين إعطاء الفرصة لفهم ما تعنيه تلك المشاهد المتناثرة ــ مستخدمة ألفاظا وتعبيرات وطرقا للإلقاء ضاعفت من الشعور بعدم الرضى عن هذا الإنتاج التليفزيونى.
***
هل يمكن التأكيد فى هذا الصدد على أن ما شاهدناه خرج عن الأهداف العديدة والشروط الإبداعية وأيضا الفكرية والتى ميزت فى الماضى صناعة الدراما المصرية فى السينما والتليفزيون والبرامج المتعددة، وما قدمته من أفكار وكلمات داعمة للتنمية والتنوير الاجتماعى والفكرى. مما يجعلنا نتساءل عن أسباب هذا التراجع خاصة أن مصر يتوافر لديها العديد من مبدعى هذه الوسائل فى الكتابة والإخراج والتمثيل والفنون العديدة، القادرة على تفضيل الربح الاجتماعى والثقافى عن الربح المادى المتخم بأفكار العولمة.

نسمة البطريق دكتورة بكلية الإعلام جامعة القاهرة
التعليقات