هل تنجح مساعى سوريا لحل الأزمة العراقية - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تنجح مساعى سوريا لحل الأزمة العراقية

نشر فى : الإثنين 2 أغسطس 2010 - 10:03 ص | آخر تحديث : الإثنين 2 أغسطس 2010 - 10:03 ص
دخلت سوريا على مسار حل أزمة تشكيل الحكومة العراقية حيث رتبت لقاء بين إياد علاوى رئيس حزب القائمة العراقية ومقتدى الصدر زعيم التيار الصدرى الذى يمثل الكتلة الرئيسية فى حزب الائتلاف الوطنى الشيعى، فى تطور يمكن أن يغير من المسار السياسى للأحداث ويثير عددا من التساؤلات حول طبيعة المشهد العراقى الحالى وتوقيت التحرك السورى وأبعاده.

لقد انحصر المشهد العراقى منذ اجراء الانتخابات فى توجه يستهدف التوصل إلى صيغة وسط لنظام سياسى يرتكز على أسس غير مذهبية، ويسعى لمشاركة سياسية تعددية حقيقية، إلا أن رئيس الحكوة وقف ضد هذا التوجه، وسعى لتأخير إعلان نتائج الانتخابات لمدة ثلاثة أشهر، وتعددت زيارات كبار المسئولين من ائتلاف دولة القانون وحزب الائتلاف الوطنى بزعامة عمار الحكيم إلى طهران، كما تعددت زيارات كبار المسئولين الإيرانيين إلى بغداد بهدف التوفيق بين الحزبين الشيعيين، إلا أن موقف مقتدى الصدرى كان العقبة الرئيسية حيث يرفض أن يتولى المالكى رئاسة الحكومة.

وفشل الحوار بين الحزبين الشيعيين رغم مباركة المرجعيات الدينية العليا لذلك ورغم الضغوط الايرانية المكثفة.

كما تزايدت الحركه الأمريكية لترتيب الأوضاع لمرحلة ما بعد الانسحاب، ومحاصرة النفوذ الإيرانى المتزايد وقد قام نائب الرئيس الأمريكى بزيارتين إلى بغداد لهذا الغرض، وركزت واشنطن على محاولة التقريب بين اياد علاوى والمالكى وضرب التحالف الشيعى الدينى، مستفيدة من العلاقات الطيبة مع الأكراد لدعم هذا التوجه واقترحت تولى المالكى وعلاوى رئاسة الحكومة بالتناوب لفترات محددة واستثناء التيار الصدرى الموالى لإيران إلا أن هذه الجهود لم تحقق النجاح المطلوب.

وقد وقف الأكراد على مسافة واحدة من الكتل السياسية المتنافسة مؤكدين استعدادهم للتحالف مع أى تكتل يلبى مطالبهم، ولدى الأكراد قلق كبير من عدم حسم هذه القضايا قبل الانسحاب الأمريكى من العراق ويتخوفون من أية تحالفات يمكن أن تكون على حسابهم، وهو ما دفعهم لمطالبة واشنطن بدور أكبر فى حل الأزمة ونشر قوات أمريكية فى كردستان بعد الانسحاب.
وجاء التحرك السورى فى ظل هذا المشهد العراقى المأزوم، وفى توقيت ملفت للنظر، حيث انتظر تعثر الجهود الايرانية لصياغة التحالف الشيعى، وكذلك فشل الجهود الأمريكية لترتيب الأوضاع العراقية بما يتوافق مع مصالح واشنطن، وجاء هذا التحرك متعدد الأوجه، استهدف فى وجهه الأول التاكيد على دخول لاعب جديد بقوة فى الساحة العراقية، وسعت دمشق من خلاله لاستثمار ما تملكه من أوراق لتأكيد حضورها والمشاركة فى إعادة تشكيل التحالفات الداخلية.

ولا شك أن الوساطة السورية لتحقيق تفاهم بين مقتدى الصدر واياد علاوى، يطرح متغيرا جديدا فى المعادلة السياسية العراقية، ويفوت الفرصة على المالكى.

والوجه الثانى إقليمى حيث حرصت سوريا على استدعاء تركيا للمشاركة فى هذا الحدث، رغم تضاؤل الدور التركى فى التفاعل السياسى الجارى فى العراق، إلا أن ذلك يمكن تفهمه بالنظر إلى الحرص السورى الدائم على تأكيد وجود تحالف ثنائى تركى ــ سورى ويتفق مع التوجه السورى لجذب القوى الاقليمية ذات الأهمية للتفاعل مع ملفات المنطقة، وتأكيد حضورها داخلها بما يدعم الموقف السورى ويتيح لدمشق دورا اقليميا أوسع، كما أن هذا الاستدعاء يمنح تركيا مساحة حركة تسعى إليها ويمكن لدمشق استثمارها مستقبلا، سواء على المستوى الثنائى، أو لتضييق مساحة الحركة أمام دول عربية ليست على وفاق معها.

والوجه الثالث يتعلق بإيران ومن الواضح أن التحرك السورى لا يبدو حتى الآن متناقضا مع التحرك الايرانى فى العراق، بل إن دمشق حرصت على أن تتحرك فى المساحة التى لا تتصادم فيها مع الأهداف الايرانية، فقد قلقت ايران من الضغوط المكثفة من جانب واشنطن وبعض الدول الإقليمية الأخرى للتقريب بين علاوى والمالكى، فشجعت مقتدى الصدر على لقاء علاوى ولما تحفظ الأخير على الذهاب إلى ايران جاء الصدر إلى مقابلته فى دمشق برضا من طهران، التى ترى أن صياغة تحالف يضم التيار الصدرى يعنى استمرار النفوذ الإيرانى، ويؤكد أن التيار الصدرى سوف يكون نقطة الارتكاز الأساسية لطهران فى العراق فى المرحلة القادمة بما يمتلكه من جناح عسكرى قوى وزخم شعبى وفى ظل تراجع نفوذ الأحزاب الشيعية الأخرى، وهو ما يعيد إلى الأذهان، نموذج حزب الله فى لبنان، الذى يمكن أن تلتقى عنده المصالح الايرانية والسورية.

وإذا كانت إيران تتفهم نسبيا المعارضة السورية لتولى المالكى رئاسة الحكومة، إلا أنها لا تتفق تماما مع المساندة السورية لعلاوى إلا من خلال حكومة يكون للمكون الشيعى المرتبط بها نفوذ مؤثر داخلها ولا تكون محسوبة على واشنطن بصورة كبيرة، الأمر الذى يدفع للتساؤل هل سيستمر التفهم الإيرانى لهذا التحرك السورى أم تستخدمه طهران كورقة ضغط على المالكى لقبول التوجه الايرانى لصياغة التحالف الشيعى.

والوجه الرابع للتحرك السورى يتعلق بالتعامل مع الولايات المتحدة، التى تراجعت عن تطوير علاقتها معها مؤخرا تحت دعاوى مختلفة، وتسعى من خلاله للتأكيد لواشنطن أنها تمتلك القدرة على التفاعل مع التطورات العراقية، وأن دورها لم يعد محصورا فى عملية ضبط الحدود، وإذا كانت واشنطن ترغب فى تحقيق انسحاب آمن من العراق فعليها الحوار مع دمشق وهو ما يرجح ان يؤدى التحرك السورى فى النهاية إلى امتلاك دمشق عناصر مساومة فى العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك بين دمشق وواشنطن.

هذه إذن ملامح التحرك السورى والسؤال الآن ما الذى تم الاتفاق عليه بين علاوى ومقتدى الصدر وهل سيوافق علاوى على تشكيل حكومة يكون للصدريين نفوذ داخلها بصورة ترضى طهران.
لقد أوضح مقتدى الصدر أن هناك اتجاها لدى القائمة العراقية للتنازل بعض الشىء وأنه لمس مرونة من علاوى، فما هى الأشياء التى يتجه علاوى للتنازل عنها وهل سيكون ثمن حصول علاوى على رئاسة الحكومة كافيا لتقديم تنازلات فى مواقف حصل بسببها على الدعم الشعبى، وما موقف واشنطن من كل ذلك وهل تنجح القائمة العراقية فى شق التحالف الشيعى أم تنجح ايران فى إعادة صياغة ذلك التحالف مرة أخرى.

الواضح إذن أن المعادلة السياسية التى على أساسها سيتم تشكيل الحكومة القادمة فى العراق لا تزال غير واضحة، وتنفتح على العديد من السيناريوهات، وإذا كانت إيران وأمريكا هما الأكثر تأثيرا فى تلك المعادلة حتى الآن، فإن دخول سوريا بهذا الشكل يعنى زيادة للحضور العربى بصورة أو بأخرى، فهل تتواصل الحركة السورية.
محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات