مفارقات من المونديال! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 3:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مفارقات من المونديال!

نشر فى : السبت 3 يوليه 2010 - 10:35 ص | آخر تحديث : السبت 3 يوليه 2010 - 10:35 ص

  مع اشتداد قيظ الصيف، وازدياد حمى المنافسة على كأس العالم وهى تدخل مراحلها الحاسمة، تزداد المتعة والإثارة، وتظهر المفارقات التى تكشف عن ثقافات الشعوب وأنماط سلوكها وانفعالاتها، وانحيازاتها لفريق دون آخر.. وهى اللحظات التى تمتزج فيها السياسة مع الرياضة، ولا يصبح هناك معنى للحديث عن الروح الرياضية أو القبول بالنصر والهزيمة، حتى وإن خيم الحزن والحداد على شعوب بأكملها بسبب خروجها غير المتوقع من المنافسة.

فى هذه المناسبات، يبحث الناس عما يمكن أن يثير لديهم الضحك والسخرية. فلا يجدون أمامهم غير الفتاوى المضروبة فى أصقاع متخلفة من الشعوب الإسلامية، كما حدث فى الصومال التى تسيطر على جزء منها جماعة إسلامية متطرفة. فرضت حظرا على مشاهدة مباريات كأس العالم، بدعوى أن الإسلام يحض الناس على الانتفاع بأوقاتهم. «وليس بمشاهدة رجال شبه عراة يقفزون ويركضون وراء شىء منتفخ».

وكانت هذه الجماعة قد حظرت على الناس سماع الأغانى والموسيقى، ومنعت على النساء لبس حمالات الصدر، إلى جانب إلزام الرجال بإطلاق اللحى وغير ذلك من لوازم الجهل والإغراق فى التعصب. وشكلت جماعات لاقتحام البيوت للقبض على من يضبط متلبسا بمشاهدة كرة القدم.. مما كان سببا فى نزوح أعداد كبيرة من الصوماليين إلى مناطق لا تخضع لنفوذ هذه الحكومة. ولا أحد يعرف كيف كانت السلطات تفتش على حمالات صدر النساء. ولكنها من المفارقات التى يصعب تفسيرها.

ولا يستطيع المرء أمام مباريات كرة القدم أن يعفى نفسه من الانحياز ولا أن يتخذ موقفا حياديا مجردا، حين يشاهد مثلا منتخب غانا الأفريقية يصمد أمام منتخبات أربع دول أوروبية.. هنا تتحرك مشاعر التأييد لشعب أفريقى يتحكم فيه تاريخ طويل من القهر والعبودية التى عانت منها شعوب أفريقية أخرى رافقتها فى مرحلة التحرر. بينما لم يثر خروج فرنسا وإيطاليا مبكرا شعورا بالأسف أو التعاطف لدى الشعوب العربية.. التى ما برحت تقيس تأييدها لبعض دول أوروبية بمدى تعاطفها أو وقوفها إلى جانب القضايا العربية والفلسطينية، وحين لعب الإنجليز ضد الألمان لم يُخْفِ كثير من العرب كراهيتهم للغرور الإنجليزى.

وكان الانقسام واضحا فى التحمس للفريق الألمانى الذى مازالت تحركه روح التحدى ضد الهزيمة التى ألحقها الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية ضد الجيوش الألمانية.. نفس الحلفاء الذين يخوضون الآن حربا استعمارية ضد العراق وأفغانستان وباكستان وإيران.

ولكن هذا لا يمنع من أن يشفى العرب غليلهم بعد انتصارات الجزائر. وتمنى الفوز للبرازيل لو صعدت إلى النهائيات ضد ألمانيا. فمازال تعاطف الدول اللاتينية إزاء قضايا العالم العربى أقوى من أى مجموعة دولية أخرى. إذ كانت هذه الدول ملجأ وملاذا لألوف المهاجرين واللاجئين من فلسطين ولبنان وسوريا.

وبغض النظر عمن يصل إلى دور التصفيات النهائية. فقد ظهرت أفريقيا وكأنها الرابح الأول فى مباراة القضاء على التفرقة العنصرية وسياسة الأبارتهايد التى ورثتها إسرائيل. وكان انعقاد مباريات كأس العالم على أراضيها السوداء فرصة لاسترداد كرامتها واستعراض ثقافتها وفنونها ورقصاتها ومناظرها الطبيعية الساحرة.

نحن نتهكم أحيانا على الآخرين الذين يقودهم التعصب الكروى إلى الشطط. ولكنك تسمع أوباما وهو يستشيط غضبا من حرق الأعصاب أثناء المباراة بين أمريكا وغانا. وتشتد دهشتك حين يستدعى البرلمان الفرنسى مدرب فريقه القومى دومينيك ليحقق معه فى أسباب الهزيمة التى لحقت بفرنسا.. مما استدعى احتجاج الفيفا.

أخلاق الحكام من أخلاق الشعوب.. تكشف عن نفسها بكل عيوبها وعوراتها. ولكن أسوأها بغير شك هو ما يلحقه بعض المسلمين بأنفسهم من حظر وقمع كما فى الصومال.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات