عن أكراد العراق و«دولتهم» المعزولة: أحوالهم هى الأفضل بين سائر أشقائهم فى المحيط - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن أكراد العراق و«دولتهم» المعزولة: أحوالهم هى الأفضل بين سائر أشقائهم فى المحيط

نشر فى : الثلاثاء 3 أكتوبر 2017 - 10:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 أكتوبر 2017 - 10:15 م
كلما افترض «المواطن العربى» أن أحوال أمته العريقة، بدولها العديدة، قد بلغت قعر الهاوية، سياسيا واقتصاديا، ثقافيا وعسكريا بدل التقدم بما يليق بتاريخها، انتبه ــ فجأة ــ أن للقعر قعرا ثانيا وثالثا ورابعا... إلخ، وأن عصر النزول لمّا ينتهِ.
أين وكيف يمكن تحديد بداية التدهور؟

تختلف الآراء باختلاف الهوى السياسى أو الغرض أو الأحقاد المختزنة أو الآمال والطموحات المجهضة..

فمن قائل إن البداية كانت فى استيلاء العسكر على الحكم إثر نكبة فلسطين فى عام 1948، وقد بدأت بسلسلة الانقلابات فى سوريا، قبل أن تتفجر ثورة يوليو (1952) فى مصر، ثم ثورة العراق بقيادة عبدالكريم قاسم فى العراق (1958)، ثم الانقلاب الذى أودى بوحدة مصر وسوريا فى عام 1961، ثم بعد ذلك ثورة اليمن (1962) التى أنهت حكم آل حميد الدين، وانتهت بثورة القذافى ورفاقه الضباط فى ليبيا الذين أنهوا حكم الملك السنوسى (1969)، من غير أن ننسى استيلاء حزب البعث بواجهة عسكرية أيضا على السلطة فى العراق (1968).

إلى قائل: بل إن البداية كانت فى الخامس من يونيه 1967، أو «النكسة»، كما سُمِّيَت تخفيفا من وقع كلمة « الهزيمة»، إلى قائل: بل هى فى 28 سبتمبر 1970 موعد رحيل القائد العربى العظيم جمال عبدالناصر.. وقبلها مباشرة المذابح التى نظمت ضد المقاومة الفلسطينية فى الأردن فرحلت بمن سَلِم من مقاتليها إلى لبنان بعنوان بيروت.

.. إلى من يجزم ويؤكد أن الهزيمة الشاملة قد وقعت حين أوقفت «حرب أكتوبرــ رمضان ــ المجيدة» فى أكتوبر1973، والتى أعقبتها زيارة الراحل أنور السادات إلى فلسطين المحتلة وخطابه أمام الكنيست الإسرائيلى، وصولا إلى معاهدة كامب ديفيد.
.. إلى من يقرر مؤكدا: بل هى مغامرات صدام حسين التى بدأت بإعلانه الحرب على إيران الثورة الإسلامية بقيادة آية الله روح الله الخمينى، وهى الحرب التى امتدت غزيرة الدماء عظيمة الكلفة لمدة سبع سنوات عجاف... ثم غزوة صدام حسين الكويت فى 2 أغسطس 1990 والتى انتهت بتدمير العراق، بجيشه أساسا، فى عام 1991 ــ 1992.

.. من غير أن ننسى الحرب الأهلية فى لبنان والتى شارك فيها، بالقصد أو بالتورط معظم العرب، حتى لا نقول جميعهم، والتى امتدت وتمددت مراحلها ما بين 1976 و1990، وقد تخللتها هدنات كثيرة، أولها بعد الغزو الإسرائيلى للبنان بعاصمته وسراى الحكم فيه فى أوائل يونيه 1982 ولشهور طويلة تم له خلاله بالتعاون مع بعض القوى السياسية اللبنانية ارتكاب مجزرة فى المخيمات الفلسطينية، عند باب بيروت (صبرا وشاتيلا).

ولقد حقق الغزو الإسرائيلى للبنان إجلاء المقاومة الفلسطينية عنه وإجلاء قيادتها إلى تونس فى حين تم ترحيل المقاتلين إلى أقطار عربية عدة، لا سيما إلا بعد منها عن فلسطين.

***** 

ها نحن أمام مواجهة أخرى كانت المصلحة، كما المنطق، تفترض إمكان تجنبها، وهى تلك التى تسببت بها الخطوة المرتجلة التى أقدم عليها مسعود برزانى والتى تضرب مشروع وحدة العراق واستعادته الحد الأدنى من عافيته، بعد القضاء على «داعش» وإسقاط دولتها فى الموصل ومتابعة استئصال تفرعاتها فى مختلف أنحاء العراق، وصولا إلى سوريا.

صحيح أن المسألة الكردية متشعبة، ومعقدة، نتيجة عوامل جغرافية وتاريخية قبل أن تكون سياسية أو عنصرية.. ذلك أن قدر الأكراد جعلهم يتوزعون، جغرافيا، على أربع دول على الأقل هى: العراق، إيران، تركيا وسوريا. والحقيقة أن الأكثرية المطلقة من الأكراد موجودة فى تركيا وعديدها يزيد على 18 مليونا، ثم هناك نحو خمسة ملايين كردى فى إيران، ونحو أربعة ملايين فى العراق إلى نحو المليون كردى أو أكثر قليلا فى سوريا.

وليس من باب التعصب «القومى» القول إن الأكراد فى الدول العربية، ولا سيما العراق، قد حظوا ــ وتحديدا بعد إسقاط حكم صدام حسين ــ بمعاملة أكثر عدالة مما يعامل بها الأكراد فى سائر البلاد الأخرى (تركيا خاصة)، علما بأن أوضاع أكراد سوريا أفضل بما لا مجال لمقارنته بأوضاعهم فى البلاد غير العربية. يكفى التذكير بأن أربعة على الأقل من رؤساء الدولة فى سوريا، فى مرحلة الانتداب الفرنسى ثم فى العهد الاستقلالى الأول كانوا من الأكراد.. وكذلك كان من بين أكراد العراق مسئولون كبار ووزراء.. إلخ

***** 
يمكن القول إن العلاقة بين النظام فى بغداد وأكراد العراق قد مرت بمراحل متعددة، بلغت أحيانا حدود التفاهم شبه الكلى، على نوع من الصيغة الاتحادية، ثم تفجرت صدامات تلتها معاهدات، وتوافق على الحكم الذاتى تلتها حرب مدمرة شنها صدام حسين وارتكبت خلالها مجازر بشعة أشهرها فى حلبجة التى صارت رمزا للقهر واستخدام القوة المفرطة فى مواجهة مطلب سياسى لأقلية قومية.

على أن تلك القوة المفرطة قد استخدمها حكم صدام حسين مع أكثرية الشعب العراقى، لا سيما الشيعة، والمعارضين من السنة قبل الأكراد وبعدهم.

وإذا كان الأمريكيون قد رعوا ــ كقوة احتلال ــ تسليم السلطة، بأكثرية مقاعدها الرفيعة، إلى الشيعة، باعتبار أنهم كانوا أصحاب ظلامة طوال المدة بين دخول الاحتلال للعراق فى عام 1920 (وبعد الثورة الشعبية العظيمة فيه) وبين سقوط صدام حسين على أيدى الاحتلال الأمريكى فى عام 2003.

ولقد أساءت القيادة السياسية للشيعة كما للسنة، استخدام السلطة، وتصرفت بجهل ومن دون حكمة وبشبق إلى السلطة والمال (لا سيما معظم من شغل منصب رئيس الوزراء الذى أعطى صلاحيات رئاسية شبه مطلقة... بينما أعطى الأكراد منصبا شرفيا، إلى حد بعيد، هو رئيس الجمهورية إضافة إلى عدد من الوزارات المهمة (الخارجية، المالية.. إلخ) فى حين أعطى أهل السنة منصب رئيس المجلس النيابى، وهو مهم ولكنه أضعف الأطراف فى دائرة القرار الذى يتحكم به رئيس الوزراء.
أعد دستور جديد، نص على أن يكون لأكراد العراق حكم ذاتى وبرلمان منتخب فى مناطقهم، فضلا عن حصة موازنة فى الحكومة المركزية والمجلس النيابى.

كان «الحكم الجديد» معتلا، منذ اللحظة الأولى... والأصوات ترتفع بالشكوى من استشراء الفساد والطائفية، وتدهورت سمعة الحكم على الرغم من التبديل المتكرر للحكومات، وذاع صيت الرشاوى بشكل غير مسبوق وبحجم يتجاوز أى تقدير..
لم ينفع تبديل الحكومات فى ظل الاستقطاب الطائفى والتدخل الدولى.. وعلينا أن نتذكر دائما أن فى العراق قوات أجنبية عديدة، أعظمها وجودا وأقواها هى القوات الأمريكية ومن معها من دول الغرب (بريطانيا وأستراليا.. الخ). هذا فضلا عن النفوذ الإيرانى.

***
فى هذه الأثناء كان مسعود برزانى ومن معه يسحب وزراءه الأكفاء من الحكومة المركزية فى بغداد ويستكمل الاستعداد لإعلان «دولته»، مستفيدا من السمعة السيئة ونقص الكفاءة فى حكومات بغداد، فضلا عن النعرات الطائفية والمذهبية.. محاولا فى الوقت ذاته التوسع على الأرض (ضم كركوك)، وتقديم نفسه باعتباره حامى حمى الأقليات القومية والعرقية والدينية (الأزديين، الصابئة، التركمان، السريان والكلدان)، مع الإشارة إلى أن العراق هو متحف حى للأعراق والقوميات والإثنيات السابقة على التاريخ المعروف..

وبطبيعة الحال فقد ووجه هذا التفرد، بل هذا التجرؤ على «الدولة المركزية»، برفض عراقى شامل، وبعدم اعتراف دولى تساوت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وسائر الدول الغربية.. ولم تجرؤ أى دولة عربية على خرق هذا الاجتماع والتعامل مع «الأمر الواقع» الجديد الذى فرضه مسعود برزانى الذى يشبهه البعض بـ«السلطان».

والأزمة خطيرة، ولا تبدو فى الأفق أى تباشير لحلها، خصوصا وأن العالم كله يرفض ــ علنا ــ تقسيم العراق، ويدعو إلى حل سياسى لهذه الأزمة التى يأمل الجميع ألا تطول وألا تنحدر إلى المستنقع الدموى لتفسد الأخوة عبر التاريخ بين العرب والأكراد بعنوان صلاح الدين الأيوب»!
طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات