بلكونة باتساع وطن - خولة مطر - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بلكونة باتساع وطن

نشر فى : الثلاثاء 4 فبراير 2014 - 5:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 4 فبراير 2014 - 5:15 ص

هو ذات السؤال يعاد تكراره.. هذه المرة على نساء ورجال واطفال.. شيوخ وشباب.. متدينين وربما بعض الشىء علمانيين أو حتى فقط غير متدينين لا لشىء إلا لأن اوطانهم ربما كانت تسمح بعض الشىء بأن تكون انت كما انت.. هو ذات السؤال بعد الرحيل القصرى من غرفتك وبيتك وشارعك وحارتك ومدينتك ووطنك.. السؤال هو ما أكثر شىء تشتاق له هناك حيث كنت؟ الاجابة تتنوع ربما يقول احدهم لبيتى أو اهلى الذين بقوا هناك واخرين لغرفتى، للنبتة المزهرة فى شرفة بيتنا، لبياع الحلوى فى آخر الشارع، لقهوة أمى أو حتى لرائحة قهوة جارتنا أم مريم، لسماع أذان الفجر يغازل نور الصباح، لقرع اجراس الكنائس فى سكون يوم الاحد المشمس، لكعك يوم العيد، للعب على ناصية الرصيف، للجلوس فى حضن الياسمينة ببلكونة شقتنا الضيقة التى كانت باتساع بلد.

•••

كثيرة هى الاجابات وكلها حقيقى، بل ربما من باطن القلب، واكثرها ما قاله ذاك الشيخ وربما كرره شيوخ اوطاننا الممزقة.. اشتاق لكرامتى فى بلدى.. هناك رغم الفقر و «التعتير» والعذاب اليومى واحيانا العوز والحاجة وكثير من السكوت عن الحق، رغم كل ذلك كان لى بعض من كرامة لأنه رغما عن كل ديكتاتوريى الكون تبقى الاوطان تحفظ للبشر بعضا من الكرامة.. ثم كان وان رحل الجميع.. اصبح العربى يتوق لقطعة الخبز المغمسة بزيت الزيتون المعطر بعرق من عصره ومن قطعة الخبز الشهية تلك.. راح العربى يتجول من مدينة إلى اخرى.. ذاك الذى كان الاول فى الهجرة..ذاك الذى حمل مفتاح بيته وراح ينظر من بعيد ويردد سنعود يوما.. سنعود يوما.. كره الخيمة اولا ثم اصبحت هى الوطن!!! راح اليوم يتوق لخيمة برائحة الوطن.. رغم ان الخيام لا تصبح اوطانا ابدا.. الخيام هى الصيف الحار فى صحراء لا ظل لطير فيها.. وشتاء قارس لا يرحم قدم طفل صغير من برودة مياه المطر التى تحولت إلى بحيرة جليد تحت نفس تلك الخيمة.. الخيمة ليست وطنا حتما اسألوهم اسألوا القادم من بيسان أو ذاك المتعلق بأطراف البحر عند عكا.. ها انتم اليوم كثرتم ولم يصبح هو الوحيد المستحوذ على لقب لاجئ. كثر اللاجئون فى بقاع الكون وكلهم من هناك من حيث كانت اوطان برائحة البرتقال والزعتر والياسمين.

•••

تنوعت الهجرات بعضها خاف ان يعبر الحدود فلا يعود ابدا فأصبح لاجئا فى بلده من مدينة إلى اخرى.. من بيت اخ إلى بيت ابن عم عندما اصبح للبيت سكان يفوق عددهم جدرانه... تحولت البيوت إلى حضن لكل القادمين ولكن حتى متى؟ يبقى هو السؤال ايضا؟ حتى متى؟ كثر اللجوء فى هذه المنطقة فلم يعد لقب لاجئ مقتصرا عليه.. على صديقى ذاك الذى لا يزال يتذكر رائحة خبز امه الشهية وهو عائد من المدرسة إلى خيمتهم التى جمعته واخوته واخواته.. يتذكر ذلك بشهية تبدو صعبة التخيل على من لم يعش ذاك الاغتراب.. ويعيد تذكار طعم قطعة الخبز الصغيرة حصته من خبز امه الذى يتوزع بالتساوى على الاخوة والاخوات، تلك القطعة وهو يغمسها فى زيت الزيتون ثم فى الزعتر الجاف.. كان يقول ذاك طعم الوطن.. للوطن طعم ورائحة قال الآخر القادم الجديد على قائمة اللاجئين.. عندما سئل ما الذى تحن اليه من بلدك؟ قال رائحة مدينتى ورائحة بلدى.. حينا وشارعنا وناسنا.

•••

تنوع اللجوء خلال السنوات الثلاث الاخيرة حتى اصبح للعربى تعريف واحد وهو لا ثان له اللجوء إما هربا من القمع أو القتل أو الدمـار أو العنف القادم حديثا باسم الدين والطائفة أو ... أو ... أو تنوع الموت والخوف فكان لا مكان سوى الرحيل.. اصبح للجوء اسم مرادف هو ان تكون عربيا قادما من احد الفصول الاربعة التى لم تأت بعد.. انتشر الاصدقاء على ارصفة المدن الباردة.. صديقى الآخر رحلت جدته الاقرب إليه ولم يستطع ان يذرف دمعة على قبرها أو يضع وردة محمدية فوق ترابه.. أو ان يتذكرها مع اهله.. هو الآخر يحمل لقب لاجئ بتعريفاته المتنوعة.

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات