تبدو للبعض مجرد إجراء روتينى أو بروتوكول تقليدى، فى الوقت الذى تعد فيه اليمين الدستورية بمثابة ممارسة دستورية وسياسية، كفيلة بإلزام رئيس البلاد عبر عدة قرارات يقسم عليها، ويتعهد من خلالها، باحترام الدستور والقانون ورعاية مصالح الشعب، والأهم استقلال الوطن وسلامة أراضيه، وعلى هذا الأساس تكون البلاد قد اجتازت أهم استحقاقاتها السياسية والقانونية، فى مواكبة حقيقية للنظم السياسية المتقدمة، عبر حلف اليمين وتعهد الرئيس سياسيا وقانونيا.
قانونيا بما نصت عليه الدساتير، وبموجب المادة 144، ووفقًا للدستور المصرى، يتعهد رئيس البلاد وعقب انقضاء مدته الرئاسية، وقبيل البدء فى الولاية الجديدة وتولى مهام منصبه، بأداء اليمين الآتية: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه»، وسياسيا بحكم تعهد رئيس البلاد بموجب منصبه، ومن منطلق إتمام أبرز آليات وصور النظم السياسية الديمقراطية، بل والأهم التعهد أمام الرأى العام والجماهير برعاية ملفات وثيقة الصلة بل ذات أبعاد سياسية واقتصادية، ومجتمعية أيضا.
ربما ما يتماشى وتصورات الجمهورية الجديدة، والتى تسعى بدورها أن تتوافق والنظم السياسية الديمقراطية، هو أن يلحق أداء اليمين الدستورية، إعادة هيكلة النظام السياسى أو تحديثه بمختلف سلطاته سواء تنفيذية أو تشريعية، مع استقلال السلطة القضائية طبعا، وهنا المقصود تحديدا الموقف من الحكومة الحالية، فإما أن يتم تجديد الثقة فيها، أو أن يتم إحداث بعض التغيرات عليها، وهنا يبرز دور مجلس النواب، وفى إطار ما يعرف بالتوازن بين السلطات، فيكون للمجلس الحق بقبول برنامج الحكومة الحالية، ومن ثم التجديد لها، أو عدم القبول، وعلى هذا الأساس، يجرى تشكيل حكومة جديدة يعين رئيسها السيد رئيس الجمهورية، عبر اختياره من حزب الأغلبية بالبرلمان، أو أن يتم انتقاء شخصية معينة تكون مهمتها تشكيل مجلس الوزراء، وقد تكون الحكومة تكنوقراط، أى حكومة كفاءات وخبرات، أو حكومة سياسية لها طابعها السياسى، أى أن يلتحق بها الممتهنون للعمل السياسى، والقادرون على إدارة العملية السياسية.
ولعل عدة من الملفات تنتظر الحكومة الفترة القادمة، والتى وجب أن تعمل بنفس الوتيرة والتى تتحرك من خلالها القيادة السياسية، تلك الملفات والتى ما زالت تشكل الهاجس الأكبر لدى الرأى العام، يتقدمها الملف الاقتصادى وهو الذى يحتاج إلى إعادة هيكلة ومراجعة واضحة، ليس فقط على صعيد المؤشرات الاقتصادية سواء المتعلقة بمؤشرات النمو أو حتى محاربة التضخم، كيفية تقليص الدين العام، بحث آليات توفير العملة الأجنبية عبر عدة من السياسات الدقيقة المصرفية والنقدية، لكن أيضا من قبل المنظور البسيط والذى يقتضى التركيز على خفض الأسعار ومراقبة الأسواق، وبما يخدم على احتياجات المواطِنة والمواطن البسيط، خصوصا السلع الاستراتيجية، ومستلزمات الأسر.
وتبرز الملفات السياسية أيضا والتى قد تتلامس مع الملفات الخارجية، من قبيل السياسة الخارجية ومتطلباتها، سيما ما يتعلق بأمن البلاد القومى، وفى ضوء التوترات المتصاعدة تجاه مفاوضات سد النهضة وربما التى اقتربت من معاصرة نفاذ الأوراق الدبلوماسية المصرية، وعلى خلفية تعنت الجانب الإثيوبى. أيضا ازدياد حدة المناوشات على الحدود وإشكالية غزة، والتى أصبحت أكثر تعقيدا بالرغم من الجهود المصرية، ومفارقات القدر والتى كشفت مؤخرا عن عدة من المتغيرات خصوصا الشقاق الإسرائيلى ــ الأمريكى، والتحولات الأوروبية، بالإضافة إلى الداخل الإسرائيلى الملتهب وصعود الحريديم كطائفة مجتمعية متطرفة كفيلة بإحداث التوتر المطلوب على إثر قرار تجنيدها.
غير أن خطاب الرئيس السيسى وخلال حفل التنصيب، أبرز عدة من المحاور المهمة، على عكس معظم الخطابات الرئاسية المعتادة، والتى طالما يتجه من خلالها الرؤساء والزعماء إلى إيضاح التوجهات والقناعات، إلا أن الرئيس هذه المرة تحدث بشكل محدد، موضحا آليات عبور المرحلة عبر التماسك والاتحاد، غير أن مستهدفات العمل الوطنى والتى أعلن عنها، اعتبرت بمثابة خارطة سياسية قادمة، بل بالأكثر أحدثت حالة من الطمأنة لدى المواطن والمواطِنة، سيما ما خدًم منها على احتياجاتهما، وفى المقدمة منها الملف الاقتصادى، سواء حديث الرئيس عن تحركات الدولة القادمة بخصوص نمو الاقتصاد وتعزيز مرونته، أو استمرارية الضخ للدفع بخدمات الحماية الاجتماعية، وما يتوازى أيضا وبنفس القدر من الأهمية حماية الحدود وأمن البلاد القومى، عبر إدارة متزنة لكل هذه الملفات الخارجية.