غض الطرف عن الفساد والمفسدين - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غض الطرف عن الفساد والمفسدين

نشر فى : الإثنين 4 يوليه 2016 - 8:50 م | آخر تحديث : الإثنين 4 يوليه 2016 - 8:50 م
مصطلحات كثيرة تداولها التونسيون أثناء المسار الانتقالى الذى كان من المفروض أن ينقل النظام السياسى التونسى من الاستبداد إلى الديمقراطية، منها المساءلة والشفافية والحوكمة الرشيدة والعدالة الاجتماعية وغيرها، وهى مصطلحات حلم التونسيون بأن تكون وسيلتهم فى تغيير الواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى. وظل التونسيون يراقبون ويضغطون من أجل تحويل هذه المصطلحات من مجرد شعارات توشى الخطاب السياسى لعدد من السياسيين إلى ممارسات يعاينون أثرها فى واقعهم اليومى. ولكن ما الذى تحقق؟

لقد استبدل الاستبداد بتفشى الإرهاب ومع الإرهاب اكتشف التونسيون العلاقة العضوية بين التهريب والإرهاب، ورفعت كل الحكومات المتعاقبة شعار مكافحة الإرهاب وجعلت الحكومة الحالية التصدى للإرهاب على رأس الأولويات والالتزامات. بيد أن المتابع للأوضاع يدرك أن السياسة التى اتخذتها وزارة الداخلية لمواجهة الخطر الإرهابى لم تعبر عن الربط المتوازى بين الحد من الخطر الإرهابى من جهة، والتصدى لأباطرة الفساد من جهة أخرى. ونجم عن هذه السياسة «العرجاء» تحقق النجاح على مستوى العمليات الاستباقية التى تفكك الخلايا النائمة وفى المقابل اتساع رقعة التهريب وتوالد خليات زعماء التهريب. ولم يتوقف الأمر عند التهريب بل تضاعفت عمليات الفساد لتشمل كل المؤسسات بما فيها المؤسسة التعليمية والمؤسسة الأمنية والمؤسسة الثقافية وغيرها. وبرزت أسماء شخصيات اقترن اسمها بالفساد منها من ينتمى إلى عالم السياسة وعالم الاقتصاد وعالم الإعلام وعالم الدين وأفضى كل ذلك إلى اعتلاء تونس أعلى درجات «الارتقاء» فى درجات الفساد.

***

من المفارقات التى يعيشها التونسيون اليوم هو هذا التأرجح بين مشاعر متضاربة: الإحساس بالفخر والزهو والانتشاء بحلاوة النصر وتحقيق الانجازات التى جعلتهم فى مقدمة قاطرة بلدان «الربيع العربى» ورفعت ذكرهم لاسيما بعد حصولهم على جائزة نوبل للسلام، وفى المقابل الشعور بالإحباط واليأس بسبب استفحال داء الفساد وبروز شخصيات عرفت بمسئوليتها عن تنامى الفساد لا تتورع عن إعلان رغبتها الصريحة فى احتلال مواقع صنع القرار.

وبالرغم من ارتفاع الأصوات المنددة باستشراء الفساد وتحرك بعض مكونات المجتمع المدنى وانطلاق حملات فضح المرتشين ووعى فئة من التونسيين بمقتضيات المواطنة الفاعلة والتشاركية، فإن الواقع السياسى يثبت بما لا يدع مجالا للشك غياب الإرادة السياسية والصادقة لمكافحة الفساد. فالدولة إلى حد الآن لا تقر بمسئوليتها المباشرة عن مكافحة الفساد، ومعنى هذا أن الحد من الفساد الذى يهدد المسار الانتقالى لا يمثل أولوية من بين أولوياتها وهو أمر مفهوم باعتبار أن الحكومة الحالية جاءت فى سياق تفشى فيه الصراع من أجل الاستحواذ على النفوذ وبرزت فيه المحاصصة الحزبية بين التنسيقية الحاكمة وتورط فيه عدد من نواب الشعب فى عمليات فساد.

يغيب تشخيص الوضع ويفشو الإفلات من العقاب بالنسبة إلى مرتكبى الجرائم الاقتصادية وغيرها، وتغيب تبعا لذلك الخطة الوطنية والاستراتيجية لمحاربة الفساد التى تمثل البنية التحتية لبناء ورشات فعلية للتصدى للفساد أخلاقيا وتربويا وإعلاميا. وليست المسألة فى تقديرنا، مرتبطة بالقرار السياسى فحسب بل هى مسألة ذات صلة بالسياسة الإعلامية. فإلى حد الآن لم تبرز مؤشرات تبرهن على انخراط الإعلام فى الخطة المنددة بمظاهر الفساد والمنبهة إلى مختلف أشكاله والدالة على وعى وسائل الإعلام بالدور المنوط بعهدتها. ومادام مالكو القنوات الفضائية والإذاعات والصحف يشكلون جزءا من المنظومة الراعية للفساد فإن الأفق سيظل مسدودا.

الفساد مثله مثل الإرهاب منظومة مركبة ومعقدة يعسر تفكيكها وتتطلب عملية الحد من مخاطرها توفر شخصيات سياسية تتحلى بفضائل متعددة منها الجرأة على اتخاذ القرار والقدرة على تحمل المسئوليات والتبعات، والشجاعة الأدبية والقدرة على السير ضد التيار وطالما أن هذه الشخصيات نادرة فى سوق السياسة فلا مجال للحديث عن التصدى للفساد والإرهاب.
التعليقات