ما هى أولويات إيران؟ - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما هى أولويات إيران؟

نشر فى : الأربعاء 4 أغسطس 2010 - 10:22 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 أغسطس 2010 - 10:22 ص

 حينما يذكر اسم إيران يتبادر إلى الأذهان ثلاثة أمور: الملف النووى، والاضطرابات التى تثيرها فى الشرق الأوسط متذرعة بمخاطر أمنية تتهددها، وبخاصة من إسرائيل، والفوضى التى تشيعها فى الخليج الذى تصر على تسميته بالفارسى والإصرار على احتلال الجزر الإماراتية. وفى نفس الوقت تتعاون تعاونا وثيقا مع الشيطان الأكبر، قاصدة به الولايات المتحدة، بأن تستكمل الإجهاز على العراق وتأمين التبعية المذهبية كأساس للتبعية السياسية التى تسلخه عن وطنه العربى، وإعداده كساحة لمعركة أو معارك تخوضها مستقبلا بعضها عسكرى وأغلبها سياسى أمنى. هذه الأبعاد المختلفة تندرج تحت عنوان واحد هو منظورها لأمنها القومى، رغم أنه أصبح المدخل الفسيح لتدخلات من القوى المهيمنة على الأوضاع السياسية والأمنية الدولية، تجلت فى تصعيد مستمر للحصار الذى يكتسب شيئا فشيئا مزيدا من القبول العالمى، ويصبح مصدرا لفرض ضغوط على دول المشرق العربى لتندرج فى نطاق استعدادات عسكرية مضادة لتجد نفسها شريكة فى أعمال لا يبررها أمنها القومى ولا تتفق وأولوياتها فى استخلاص الحقوق من الكيان الصهيونى الدخيل. وإذا بها تنتهى إلى تقمص شخصية صدام حسين قبيل اجتثاثه، فتنذر بإحراق تل أبيب لو هاجمت إسرائيل منشآتها النووية، وتظهر عضلاتها بتدريبات على 40 نوعا من الطائرات.

وكأى دولة نامية كان يفترض فيها أن تعبئ جميع إمكاناتها وتوجه كل اهتمامها لقضية التنمية التى تتوالى الشواهد على أنها أكثر تعقيدا مما كان يعتقد فى بدايات معالجاتها، وأن التطورات العالمية المتسارعة تزيد من مصاعبها.

إن الانشغال بالأمور السابقة جذب الأنظار بعيدا عن منهج التنمية الذى يفترض أنه يكتسب تميزا فى دولة أرادت أن تصلح أحوالها بالتخلص من استبداد الشاه وهيمنة الغرب ورفع راية الإسلام. وإذا كانت حرب الخليج الأولى قد دفعتها لتكثيف تعزيز اقتصادها، خاصة فيما يتعلق بالشئون العسكرية، وساهم فى ذلك مواطنون يعارضون النظام المستجد ولكنهم هبوا لنجدة الوطن وقت الشدة، فإن الآلة الإنتاجية استمرت فى الدوران فى المجالات العسكرية، لتحرز تقدما ملموسا، لا سيما فى تطوير الصواريخ خاصة بعيدة المدى، وهو الأمر الذى يزعج إسرائيل وحلفاءها.

غير أنه فى الوقت الذى ينشغل العالم فيه بتداعيات مشكلة السكان على التنمية ويعقد مؤتمرات عالمية حولها آخرها فى 1994 بالقاهرة، إذا بأحمدى نجاد يؤكد أن تحديد النسل رجس من عمل الغرب، ويتبنى خطة لرفع عدد السكان، فيهب كل مولود وديعة قيمتها 950 دولارا، يضاف إليها 95 دولارا سنويا لحين بلوغه 18 سنة، لتكون سندا له فى الدراسة أو الزواج عند بلوغه العشرين.

والسؤال من وجهة نظر التنمية هو: هل البشر أعداد تتكاثر، أم أنفس جديرة بحياة كريمة تحصل على ما تتيحه المعرفة من رفاهية، وتضيف إلى تلك المعرفة. لعلنا نجد مدخلا إلى الإجابة فى تأمل مؤشرات التنمية البشرية التى يواظب البرنامج الإنمائى على متابعتها سنة بعد الأخرى منذ 1990، والتى يواصل التعمق فى أبعادها ومقارناتها للتعرف على العوائق التى تحول دون وصولها المنشود للعديد من دول العالم وأقاليمه. ولسنا بحاجة للتذكير بالجدل الذى يدور حول التقارير التى تصدر بشأنها عن مصر أو العالم العربى بمجمله.

وإذا كان التخلف يؤدى إلى هيمنة ثالوث «الفقر والجهل والمرض»، فإن التنمية تعنى تحقيق التقدم فى هذه الأبعاد الثلاثة معا. ولذلك فإن دليل التنمية البشرية يتطلب توفير الغنى والتعلم والصحة. ويقدر تقرير التنمية البشرية للعام 2009 (عن بيانات 2007) أن مقياس الصحة لإيران وهو توقع الحياة عند الميلاد يبلغ 71.2 سنة، وهو أعلى قليلا عن نظيره لمصر (69.9) ولكنه دون مستواه فى السعودية (72.7)، وهى جميعا دون 82.7 المسجلة لليابان. ويبدو أثر البترول واضحا بالنسبة لمقياس الغنى الذى يعبر عنه نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى مقوما بالقوة الشرائية، فهو يبلغ 10955دولارا متجاوزا ضعف نصيب الفرد المصرى وهو 5349، ولكنه أقل من نصف نصيب السعودى البالغ 22935 دولارا، ومن ثمن نصيب الفرد فى ليختنشتاين (85382) وهى إمارة غير بترولية.

يبقى الركن الثالث والأخطر وهو الخاص بالتعليم، وهو الآفة الكبرى لإيران والوطن العربى معا. فإذا نظرنا إليه من زاوية الإلمام بالقراءة والكتابة للبالغين الذين تجاوزوا مرحلة التعليم الأساسى أى تزيد أعمارهم على 15 سنة، فإن نسبتهم تبلغ 82.3% لإيران مقابل 85.8% للسعودية و66.4% لمصر بعيدا جدا عن نسبة 100% التى سجلتها جورجيا. أما من زاوية توفير خدمة التعليم للصغار والشباب فإن مؤشر معدلات القيد فى مختلف مراحل التعليم بالنسبة للفئات العمرية المناظرة يضع إيران فى المؤخرة بنسبة 71.2% مقابل 76.4% لمصر و78.5% للسعودية. وأين هذه النسب من 114.2% فى أستراليا التى تهيئ فرصة لمن فاتهم القيد حتى لا يقضوا باقى سنين الحياة فى جهل أو نقص فى التعليم.
إن هذا التعامل مع القضية السكانية يمثل استمرارا فى الأسلوب الذى اتبعته الثورة الخومينية بدفع الأطفال أمام قواتها فى حرب الخليج ليعملوا ككاسحات ألغام. ومحاولة اكتساب رضا الجماهير بتحويلات مالية يوفرها البترول والغاز هو تغبير صارخ عن قصور المنظور التنموى، وتبرير التبذير على تسليح يصل مداه إلى النووى، يهدم القاعدة الأساسية أن الأمن والإنماء صنوان لا ينفصلان. ولعل دروس باكستان وغيرها من بؤر الصراع مثل الصومال والسودان وأفغانستان تؤكد أن المغالاة فى مخصصات الأمن على حساب الإنسان تنتهى بالدول إلى زوال. وربما كان هذا هو ما ينتظر إسرائيل، قصر الوقت أو طال.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات