الهاجس الأول: بعد عزل الدكتور محمد مرسى، بتدخل من الجيش جاء فى سياق موجة غضب شعبى، يحق لنا أن نشعر بقلق حقيقى بشأن الإمكانية الفعلية لإدارة العلاقات المدنية العسكرية على نحو ديمقراطى.
الأصل فى الدول الديمقراطية الحديثة هو تداول السلطة بين مدنيين منتخبين عبر صندوق الانتخابات وبالتزام كامل بسيادة القانون، ويتأسس عليه خضوع المؤسسات العسكرية والأمنية فى فعلها وممارساتها وموازناتها لرقابة المدنيين المنتخبين كممثلين للإرادة الشعبية. منذ 1952، ومصر بعيدة عن هذا الأصل الديمقراطى ولم تقترب منه إلا قليلا بعد يناير 2011 واليوم تعاد عقارب الساعة إلى الوراء.
الهاجس الثانى: لم نحتكم فى مصر إلى صندوق الانتخابات لتغيير رئيس منتخب قبل أن تنتهى فترته الرئاسية. لم نستند أيضا إلى إجراءات قانونية لعزله، والتى لا يقلل من أهميتها حقيقة تجاوز الدكتور محمد مرسى قبل عزله للأطر الدستورية والقانونية.
ميزان الديمقراطية بمعناها الانتخابى وميزان سيادة القانون بمعنى مشروعية الإجراءات يعانيان اليوم من اختلالات شديدة، ومعها يحق لنا أن نشعر بالقلق بشأن قابليتنا كدولة ومجتمع للعودة إلى مسار ديمقراطى به مشاركة شعبية واسعة فى صندوق الانتخابات لاختيار حكام منتخبين وبه التزام بالأطر القانونية الاعتيادية التى تحدد السلطات والصلاحيات وآليات الرقابة والمحاسبة والتغيير لكل مسئول منتخب أو معين، لكل مؤسسة وجهاز وإدارة.
الهاجس الثالث: تدمر تشوهات النقاش السياسى فى مصر الوعى العام. اليوم أصبح الدفاع عن حقوق الإنسان ورفض فض الاعتصامات بالقوة خيانة وطنية.
اليوم أصبحت المطالبة بالتحقيق فى انتهاكات حقوق الانسان وبحلول سياسية للأزمة الراهنة فى مصر بتفعيل المحاسبة والعدالة الانتقالية والحوار والمصالحة ورفض الإقصاء جريمة وطنية.
اليوم أصبح مجرد توجيه الانتقاد للتعويل الأحادى على الأدوات الأمنية والمطالبة بإلزام الجهات التى توظف هذه الأدوات لمواجهة العنف (المؤسسات الأمنية اعتياديا والعسكرية فى حالات الضرورة والاستثناء) باحترام القانون وحقوق الإنسان عمالة للولايات المتحدة والغرب. اليوم أصبحت المساحة الإعلامية مسيطر عليها وبصورة شبه كاملة من قبل أصوات لا ترى فى يناير 2011 ثورة ولا فى الديمقراطية ضرورة ولا فى الشعب المصرى القدرة على ممارسة حرية الاختيار.
وحصاد كل هذا تشوهات مدمرة، ومعها يحق لنا أن نشعر بالقلق بشأن إمكانية تبلور ثقافة ديمقراطية تدفع بمصر باتجاه احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وقبول التعددية فى إطار مواطنة الحقوق المتساوية.