معركة شُقْحب (1-2) - محمد سليم العوا - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 9:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معركة شُقْحب (1-2)

نشر فى : السبت 4 سبتمبر 2010 - 10:22 ص | آخر تحديث : السبت 4 سبتمبر 2010 - 10:22 ص

 شُقْحب موضع فى بلاد الشام بين مرج راهط ومرج الصُفر جرت فيه فى رمضان سنة 702هـ موقعة عظيمة بين التتار والمسلمين انتصر فيها المسلمون نصرا مؤزرا.

ذلك أن التتار، الذين يسميهم بعض المؤرخين فى هذه المرحلة بـ(المغول) على الرغم من هزيمتهم فى عين جالوت، ثم فى بيسان، لم يكفوا عن الإغارة على بلاد المسلمين المرة بعد المرة، يحاولون بتلك الغارات محو مرارة الهزيمتين الكبيرتين، وإشعار المسلمين أنهم لايزالون على حالهم من القوة والقدرة على غزو بلادهم ونهبها وإذاقة أهلها هوان الهزيمة ومذلة الاحتلال.

وقد بدأت غاراتهم التى انتهت بموقعة شُقْحب، فى سنة 700هـ فهاجموا عددا من الثغور الشامية وهددوا دمشق عدة مرات، وفى شهر رجب سنة 702هـ قويت الأخبار بعزم التتار على دخول دمشق، وكانوا قد وصلوا إلى حمص وبعلبك، وعاثوا فيهما فسادا، وخاف الناس من ذلك فنزلوا مرج الصُّفر يريدون الاحتماء هناك من التتار، وشرع كثير من الناس فى الهرب إلى الديار المصرية والحصون المنيعة فى البلاد الشامية.

فاستعد سلطان مصر وأمراؤها للخروج إلى دمشق لحمايتها ورد التتار عن سائر بلاد الشام.
وكان المثبطون فى الشام وفى مصر يوهنون عزائم المقاتلين ويقولون لا طاقة لجيش الشام ولا جيش مصر بلقاء التتار. ووقف فى مواجهة هذا التيار العلماء وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية يردون على هؤلاء المُرْجفين ويتصدون لما يروجونه من الشائعات. وسافر ابن تيمية من دمشق إلى القاهرة لمقابلة السلطان الناصر محمد بن قلاوون وإقناعه بالخروج إلى الشام لإنقاذه، وكلمه بكلام طويل قوى، كان منه قوله للسلطان: «إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطانا يحوطه ويحميه فى زمن الخوف، ويستغله فى زمن الأمن، ولو قُدّر أنكم لستم حكام الشام ولا ملوكه واستنصركم أهله، وجب عليكم النصر، فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه، وأهله رعاياكم؟ فاستجاب السلطان وأمراؤه لهذا الكلام المؤثر، وأجمع أمرهم على الخروج بجيش مصر إلى الشام.

فرجع شيخ الإسلام ابن تيمية من فوره إلى دمشق، يتابع تشجيع الناس على الصبر للقاء العدو، ومعاونتهم على حسن الاستعداد للقائه، وإلهاب عواطفهم وإذكاء حماسهم، وتهيئتهم لخوض معركة فاصلة مع هؤلاء التتار.

ووصل إلى دمشق مدد من حماة فخرج إليهم شيخ الإسلام ابن تيمية فاجتمع بهم، فى موضع يسمى القطيفة، وأخبرهم باتفاق أمراء الشام وأمراء مصر على مواجهة العدو فأجابوا إلى ذلك، وحلفوا للشيخ فى ملأ من الناس أنهم معهم فى مواجهة التتار والدفاع عن أهل الدار.

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يصنع كما صنع سلطان العلماء العز بن عبدالسلام مع الملك المظفر فيحلف للأمراء أنهم منصورون. فيقولون له: «إن شاء الله»، فيقول: «إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا». ويتأول فى ذلك آيات من كتاب الله تعالى كقوله سبحانه: ‭{‬ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ‭}‬ وعندما بلغ ذلك الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد، وهو قاضى مصر يومئذ، وبلغه أنه قال للسلطان الناصر إياكم والتخلى عن نصرة الشام وأهله فإن الله تعالى يقول: ‭{‬وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْما غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ‭}‬ ويقول: ‭{‬إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابا أَلِيما وَيَسْتَبْدِلْ قَوْما غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ‭}‬ استحسن ابن دقيق العيد ذلك جدا وأعجبه وأيد الشيخ فيه، وذكر للناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية على الحق، وأن تأوله هذه الآيات تأول صحيح.

وتوافدت العساكر من مصر ومن مدن الشام إلى دمشق وكانت الجيوش كلها تحت قيادة السلطان الناصر محمد بن قلاوون الذى طلب من شيخ الإسلام ابن تيمية أن يقف معه فى المعركة فقال له: «السنة أن يقف الرجل تحت راية قومه، ونحن من جيش الشام فلا نقف إلا معه»!

محمد سليم العوا الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
التعليقات