هيلارى كلينتون.. إلى أين؟ - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 12:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هيلارى كلينتون.. إلى أين؟

نشر فى : الجمعة 4 سبتمبر 2015 - 7:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 4 سبتمبر 2015 - 7:30 ص

بعد نجاح أوباما فى انتخابات الرئاسة الأمريكية ولفترتين على التوالى، فإنه من المنطقى أن يقع الدور على المرأة هذه المرة. ولم لا تنجح المرأة فى الفوز فى الانتخابات الأمريكية القادمة؟ فمن الممكن لهيلارى كلينتون أن تستأثر بعدد يعتد به من أصوات الناخبين من الإناث اللاتى عادة ما يفوق عددهن عدد الناخبين من الرجال، فقد كان الفارق بين الإناث والرجال فى انتخابات عام 2012 عشرة ملايين صوت، حيث كان عدد أصوات الإناث يفوق الـسبعين مليونا بقليل مقابل واحد وستين مليون صوت للناخبين من الرجال. فهذا وحده كفيل بمنح هيلارى دفعة فى مواجهتها لمنافسيها من الرجال.

ولم لا تفوز حقا هيلارى كلينتون فى الانتخابات؟ فهى فى نظر الكثيرين امرأة دءوب، مثابرة، صلبة، متبصرة وجسورة. فكم من مرة نجحت فى حساباتها وتصديها لمصائبها بقوة وشراسة من أجل مصلحتها، بل وقامت بتحويل هذه المصائب إلى قصص نجاح يتحاكى بها. وقد نكتفى هنا بالتذكير كيف وقفت شامخة أمام فضائح زوجها النسائية فى البيت الأبيض. وقبولها منصب وزير الخارجية، وهو ثانى المناصب أهمية فى الترتيب بعد رئيس الجمهورية، بعد ما مُنيت بالخسارة أمام أوباما. غير أن هيلارى كلينتون ستخوض الانتخابات هذه المرة باستماتة، فهى فرصتها الأخيرة لتدخل البيت الأبيض كرئيس، وهو الأمر الذى تحملت الكثير والكثير من أجله، ومنذ البداية اتجهت كلينتون إلى سياسة الترعيب، فسبقت الجميع فى ترشيح نفسها، لعل ذلك يسهم فى تراجع المرشحين من حزبها عن الترشح، ويبدو أن هذه الاستراتيجية نجحت إلى حد بعيد، فحتى كتابة هذه السطور هناك خمسة ديمقراطيين مرشحين للرئاسة فقط، مقارنة بالسيرك الجمهورى الذى نتمتع بمشاهدته حاليا. غير أنه ما يحسب للحزب الجمهورى هو قيام قيادته بتنظيم اثنى عشر مناظرة بين كبار المرشحين لتعريف الشعب بهم، فى حين أن الحزب الديمقراطى لم يعمل على تنظيم سوى ست مناظرات بين مرشحيه خلال الفترة من أكتوبر 2015 إلى مارس 2016. ويصب هذا فى مصلحة هيلارى كلينتون، لأنها أكثر المرشحين شهرة ولا تحتاج إلى تعريف أسوة بمنافسيها الأربعة الآخرين، وهم برنى ساندرس، جيم ويب، مارتن أومالى، ولينكولن شافى.

***

وينظر الكثيرون إلى كلينتون على أنها سياسية متمرسة تتمتع بالحنكة والدهاء بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ. فملف كلينتون لا يخلو من فضائح والتى بدأت تظهر واحدة تلو الأخرى، فضائح التمويل، فضائح البريد الإلكترونى، فضيحة تحيزها لإسرائيل، فضيحة مؤسسة زوجها ورصيدها المشبوه وفضيحة زواج ابنتها من يهودى سبق أن تم حبس والده خمس سنوات فى السجن بتهمة الاحتيال. فضائح جمة وعنيفة وكلينتون ماضية فى حملتها وكأن هذه الفضائح لا تخصها فى الأساس. وظهر منافس من حزبها برنى ساندرس، سيناتور ولاية فرمونت، الذى يوصف بأنه اشتراكى ديمقراطى ويحظى بأصوات اليسار فى الحزب. أراد ساندرس فى أول هجوم له على كلينتون وأمثالها أن يوجه رسالة عامة للشعب الأمريكى ضد المرشحين المميزين بالثراء الفاحش، بقوله «لا يمكنكم الحصول على كل شىء»، بعبارة أخرى «اتقوا الله فى حق الشعب الأمريكى».

وطرق ساندرس على الحديد وهو ساخن، حيث ازدادت الانتقادات التى وجهت إلى كلينتون على أنها قريبة جدا من أغنياء هوليوود وفطاحل وول ستريت وبعيدة عن عامة الشعب. بل إنها فى الواقع لا تكترث بهم كثيرا. ويتعين علينا أن ننبه هنا أن تصنيف كلينتون داخل الحزب الديمقراطى لا يعدو أن يكون 37% وفقا للإحصائيات الأخيرة، مما يعنى أنها لا تحتكر ترشيح حزبها لها بعد وأن الأمر ما زال مفتوحا أمام آخرين لدخول حلبة السباق.

***

وأحد لا يشك فى حنكة كلينتون، فعلى الرغم من أن ملفات السياسة الخارجية لا تشغل بال المرشحين فى المرحلة الحالية، فإنها أقدمت على خطوة محسوبة ومخططة لإعادة تأمين أصوات اللوبى اليهودى، خاصة بعد أن فقد حزبها الكثير من التأييد اليهودى على يد أوباما. فقد أشارت صحيفة الجارديان فى مقال لها بتاريخ 7 يوليو الماضى إلى قيام كلينتون بتوجيه بريد إلكترونى إلى رجل الأعمال والبليونير حاييم سابان أحد زعماء الجماعات اليهودية وقطب من أقطاب هوليوود لاستشارته فى كيفية التصدى لمنظمة تدعى «حركة مقاطعة إسرائيل» تتزعمها مجموعة من المفكرين الفلسطينيين فى الولايات المتحدة. وتطالب هذه الحركة كبريات الشركات مقاطعة إسرائيل إلى حين إنهاء احتلالها للأراضى الفلسطينية. وتزعم كلينتون فى بريدها الإلكترونى أن هذه الحركة تضر بمصلحة إسرائيل وتعهدت بالتصدى لها ولمحاولاتها المساس بشرعية إسرائيل ومحاولة عزلها. ولهذه الخطوة مغزاها كما تحمل فى طياتها أكثر من رسالة. أولا: تحقيق سبق على سائر المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين، للحصول على تأييد الجماعات اليهودية، ثانيا: قد يكون تقربها للجماعات اليهودية بغية فتح قنوات جديدة مع القيادة الإسرائيلية وإن كانت تعتبر نفسها صديقة لنتنياهو، ثالثا: توجيه ضربة قاسية إلى الإدارة الحالية لعدم اتخاذها مواقف مؤيدة لإسرائيل فى مناسبات عديدة. وإن كان فى تقديرى أن المواقف التى اتخذتها الإدارة الأمريكية أقل ما يمكن وصفها أنها مواقف مريبة ومتخاذلة، بالنظر إلى قيام نتنياهو بإهانة الرئيس الأمريكى فى أكثر من مناسبة، رابعا: تعلن ضمنيا أنها لن تبدأ بداية أوباما بمطالبة القيادة الإسرائيلية بوقف المستوطنات فى الأراضى المحتلة أو حتى محاولة إقناع إسرائيل ببدء عملية التفاوض مع الفلسطينيين حول إقامة دولة فلسطينية، والتى ما كان لأوباما سوى أن يتراجع أمام صلف نتنياهو ووقاحته. ولا شك أن زواج ابنتها من يهودى بواسطة الحاخام سوف يسهم فى مضاعفة الأصوات اليهودية المؤيدة لكلينتون. وذهبت بعض الجماعات اليهودية إلى مطالبة كلينتون بالتصويت ضد اتفاق إيران لإثبات ولائها، وإن كان يبقى على كلينتون اليوم اقناع إسرائيل والجماعات اليهودية بأن هذا الاتفاق سوف يساهم فى عدم تمكين إيران من تطوير سلاح نووى وأنها شخصيا سوف تعمل على عدم اقتناء إيران سلاحا نوويا ليس فقط خلال فترة الاتفاق ولكن إلى أبد الآبدين. ومما يذكر، أن هذا التحيز المنفرد وغير المبرر لكلينتون والمساند للجماعات اليهودية لا يبشر بالخير لمستقبل القضية الفلسطينية والمنطقة بأكملها.

***

وتنفرد كلينتون بمواقفها داخل الحزب الديمقراطى، فإن برنى ساندرس أحد منافسيها من الحزب الديمقراطى ــ وهو يهودى الأصل وتعرضت عائلة والده إلى الهولوكوست ــ تتسم مواقفه بقدر أكبر من التعقل تجاه إسرائيل والتوازن تجاه القضية الفلسطينية والتى أعرب عنها فى مناسبات سابقة. ويؤمن ساندرس بالتسوية على أساس الدولتين، ووقف بناء المستوطنات غير المشروعة فى الأراضى المحتلة. وكان ساندرس من بين الديمقراطيين الذين قاموا بمقاطعة كلمة نتنياهو فى الكونجرس، منتقدا الرئيس الإسرائيلى على أساس أنه ليس من حقه إقحام نفسه فى حوار سياسى أمريكى بحت كما أنه ليس من حقه انتقاد الرئيس الأمريكى.

ويلتقى المرشحان ساندرس وويب من الحزب الديمقراطى فى مواقفهما ضد كلينتون بالنسبة لاستخدام الحرب كوسيلة للسياسة الخارجية. وسوف يؤخذ على كلينتون أنها كانت من بين الحالات الديمقراطية النادرة التى قامت بالتصويت فى الكونجرس لصالح الحرب غير المشروعة فى العراق ضد موقف حزبها، وإن كانت سارعت بالاعتذار عن موقفها وأعلنت صراحة أنها أخطأت فى تصويتها، وهذا ما قد يحسب لها بين ناخبيها. غير أنه من المعروف أيضا ما مارسته من ضغوط مباشرة على الرئيس أوباما أثناء توليها وزارة الخارجية لشن هجوم على ليبيا مستندة إلى قرار الأمم المتحدة المعنى بمسئولية الدول فى حماية المدنيين. ولا شك أن منافسى كلينتون سوف يستخدمون هذه المواقف ضدها، خاصة أن ساندرس بالفعل تعالت انتقاداته على قيام الإدارات الأمريكية بإنفاق البلايين على حروب فى حين تتذرع بأنه ليس لديها الموارد الكافية للإنفاق على الحاجات الأساسية للشعب الأمريكى.

ومع ذلك، فإن هذا المقال ليس الغرض منه الإنقاص من مكانة كلينتون داخل حزبها. فالاعتقاد السائد ــ وحتى كتابة هذا المقال ــ أن هيلارى كلينتون ما زالت تتصدر قائمة مرشحى حزبها. ويبقى المجال مفتوحا بالنسبة لمن سيفوز عن الحزب الجمهورى ليكون غريمها الرئيسى.

ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات