على عبدالخالق.. شغف السينما ويأس الفراق - خالد محمود - بوابة الشروق
السبت 11 مايو 2024 3:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على عبدالخالق.. شغف السينما ويأس الفراق

نشر فى : الأحد 4 سبتمبر 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : الأحد 4 سبتمبر 2022 - 8:30 م
أعترف أننى تأثرت كثيرا برحيل المخرج على عبدالخالق، ليس فقط لأننا فقدنا مبدعا كبيرا فى السينما ورمزا «أصيلا» لها، لكن أيضا لرحيل إنسان عاش حياته فى حالة صدق خالص، وروح «طبيعية» لم تعرف لحظة طريق الادعاء، حالة خاصة توحد فيها الإنسان والمبدع معا، كل لحظات التوهج والنجاح والتألق لم تنل من إنسانيته وشغفه، لكن أيام من اليأس هى التى نالت منه، فلم يكن يتخيل أنه سيبقى بعيدا عن ممارسة شوقه الأول «السينما» سنوات، حتى هزمته آلام الفراق.
كان على عبدالخالق صاحب رؤية طرحت نفسها منذ بدايته وسط جيل أمن بطموحه وأحلامه وقدرته على صناعة تيار يمكنه أن يطرح أفكاره ويجدد ويجذب الجمهور إليه، اختار المخرج الكبير أن يطرح عبر أفلامه ثالوثا اجتماعيا يجسد صراعات متعددة، تارة بين العلم والدين، وتارة بين الحلال والحرام، وثالثة فى مواجهة تسيد قيم الفهلوة، وتندرج تحت هذا الصراع أفلام مثل: العار، جرى الوحوش، البيضة والحجر، الكيف، ولعل أجمل مايميزه قدرته على طرح لهذه القضايا بروح جماهيرية، جعلت الجمهور بمختلف طبقاته يقبل عليها، وذلك يكمن فى سر توليفته الخاصة وصورته الفنية التى أحدثت حالة من التوازن البصرى والفكرى، وقد توحدت رؤيته والمؤلف الراحل محمود أبو زيد وتمكنا من الاستحواذ على شباك التذاكر واستقطاب كبار النجوم.
قدرة عبدالخالق على تقديم أبطاله على نحو مغاير ومفاجئ محققا لهم جماهيرية مختلفة، كان لها نصيب وافر فى تاريخ هؤلاء الأبطال لتفتح أمامهم آفاقا جديدة فى مشوارهم، أعتقد أن فيلم «البيضة والحجر» كان مرحلة فارقة فى مسيرة أحمد زكى ما بين الأفلام الميلودرامية واكتشاف قدراته كممثل كوميدى، كما فى «أربعة فى مهمة رسمية»، كذلك يحيى الفخرانى الذى حقق له فيلم «الكيف» جماهيرية فى السينما، كما أن الخطوة الكبرى فى تاريخ محمود عبدالعزيز واكتشافه كنجم كوميدى وميله للغناء تحققت له فى «العار» و«جرى الوحوش» ولا يزال الجمهور يردد عباراته التى جاءت ضمن حوار هذه الأفلام.
كما أن فيلم «الحقونا» الذى تعرض بطله لسرقة إحدى كليتيه، والذى كان من أوائل الاعمال التى تناولت بواقعية شديدة قضية سرقة الاعضاء البشرية والاتجار بها، وفيلم «الحب وحده لا يكفى» الذى عكس أزمة خريجى الجامعة فى عصر الانفتاح، وقدمه بنعومة شديدة دونما افتعال أو تعال على الجمهور، كشف أبعادا جديدة فى مسيرة نور الشريف بطل العملين.
والحق ان أبطال المخرج الكبير عاشوا فى عباءة على عبدالخالق بأداء تمثيلى حديث الطابع جعل جميع الشخصيات تخرج من عالم الشاشة الفضية لتعيش معنا حتى الآن ربما ب«شيزوفرينيا» السلوك البشرى التى جاءت بمعظم الأعمال ومنها على سبيل المثال «العار» بشخصيات الاب «الحاج عبدالبديع» ومن الابناء «شكرى» رئيس النيابة، و«اعدام ميت» بشخصية «ابو جودة»، وبئر الخيانة بشخصية «جابر»، والبيضة والحجر بشخصيتى «مستطاع».
سيبقى على عبدالخالق مخرجا مميزا بالوعى الذى طرح به قضايا اجتماعية مؤرقة فى صيغة جماهيرية ناجحة، واعتقد أنه وصل لهذه الصيغة بعد لقائه بالمؤلف محمود أبو زيد.
لم يكن على عبدالخالق، الذى ينتمى إلى جماعة السينما الجديدة، صداميا مع الجمهور، حتى فى أكثر أعماله جدية، لكنه كان يضع يده على موطن هواجسه وحيرته وجرحه، ربما يؤلمه المشهد، لكنه كان أيضا يأخذ بيديه لتناول جرعات تداوى الروح بعد أن نكتشف موطن الخلل.
أتذكرون باكورة أعماله الروائية الطويلة «أغنية على الممر»، كان بحق صورة تعكس تحديا ضد الهزيمة، غنينا معه الامنا بمرارة، أراد الفيلم أن يصف ما حدث فى موقع معين خلال حرب 1967 عندما وجد خمسة جنود مصريين أنفسهم منعزلين عن باقى الجيش المصرى الذى انسحب من سيناء أو دمرته المقاتلات الإسرائيلية فى تلك الحرب الدامية.. أنشودة حزينة عن تجربة إنسانية متمثلة فى فيلم عن الحرب انطلق أبطالها من واقع محبط وانتهوا إليه أيضا، وبقيت التساؤلات التى طرحتها الصورة عقب العرض لتشكل انتفاضة وجدانية ضد اليأس، إيمان بحب تراب هذا الوطن والدفاع عنه واستعادة الأرض والروح مهما كان الثمن، وهو ما حدث تاريخيا فيما بعد.
ويبقى العمل محطة مهمة فى تاريخ السينما المصرية والعربية عموما بنماذج أبطاله التى أتت من أعماق المجتمع المصرى، جغرافيا ووطنيا وأخلاقيا.
خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات