إيه رأي حضرتك في اللي انتشر علي السوشيال ميديا؟ - رانيا الرزاز - بوابة الشروق
الإثنين 12 مايو 2025 9:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

إيه رأي حضرتك في اللي انتشر علي السوشيال ميديا؟

نشر فى : الأربعاء 4 أكتوبر 2023 - 10:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 4 أكتوبر 2023 - 10:55 م
يكاد لا يخلو أى لقاء مع أحد المشاهير من ذلك السؤال المتكرر المذكور فى عنوان المقال. فمع انتشار شبكات التواصل الاجتماعى، أصبح أى خبر أو حدث متاحا على الإنترنت وأصبحت أى صورة أو فيديو عابر لشخصية مشهورة متاحا لكل من يملك محمولا به كاميرا وباقة إنترنت لنشرها. كنا قديما نرى تلك الأشياء من خلال «الباباراتزى» فقط، أى مطاردى المشاهير من المصورين، بحيث يلاحقونهم من مكان لآخر بُغية الحصول على بعض الصور لبيعها لوكالات الأخبار والمواقع المهتمة. أما الآن فقد أصبحت الكاميرات فى يد الجميع دون أى روابط أو قيود أخلاقية وتضاءلت المساحة الشخصية للمشاهير إلى حد كبير.
• • •

وقد تسارعت وتيرة ظهور منصات مختلفة للسوشيال ميديا فى بدايات الألفية الجديدة وامتدت لتشمل مواقع مثل اليوتيوب والفيسبوك وتويتر والانستجرام والتيك توك. ولاقت تلك الظاهرة الكثير من الاهتمام وتم بحثها وبحث آثارها طويلا، وربما أعظم أثر لانتشار تلك المنصات هو انعدام الخيال عن المشاهير والزعماء لدى الجمهور العام. فقد عرفنا فى الماضى زعماء سياسيين مفوهين وقادة لهم الكثير من الهيبة والاحترام مثل ونستن تشرشل وفرانكلين روزفيلت ونيلسون مانديلا. كل كلمة أو تصرف يصدر منهم بحساب ولا ينتشر إلا ما يريدون هم أن يصل للجماهير العريضة، فلم يكن هناك الكثير من الهفوات التى قد تؤثر على صورتهم العامة.
• • •
فماذا لو كان انتشر فيديو لتشرشل وهو يغالب النعاس أو يقول جملة بلا معنى من تأثير التعب كما نرى حاليا للكثير من الزعماء الحاليين؟ ماذا لو رأينا شابا صغيرا يرشق روزفلت بالبيض كما رأينا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون؟ أعتقد أن تكرار تلك المشاهد أثر فى الهالة التى كانت تحيط بالزعماء فيما مضى، وأصبح الجميع يراهم أناسا عاديين يخطئون ويصيبون ولا يتمتعون باحترام مبالغ فيه بل يستطيع أى شخص أن يحط من شأنهم على وسائل التواصل الاجتماعى الخاصة بهم.
• • •
ويعتبر أول رئيس يتواصل مباشرة مع العامة من خلال منصات التواصل الاجتماعى هو الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب. كان يستيقظ مبكرا ليغرد من خلال «تويتر» عن أى شىء يخطر بباله ــ لا يوجد فلتر أو شخص ما يراجعه فى ما يريد قوله. لم يكن يثق ترامب بوسائل الميديا التقليدية وكان يراها ضده وتحت سيطرة الحزب الديمقراطى ولذلك خلق منصة مباشرة مع جماهيره، حتى إن عقابه الأشد كان عندما منعته تلك المنصات من استخدامها بتهمة «التحريض على العنف» فى أثناء أحداث اقتحام مبنى «الكابيتول هيل» الشهيرة.
• • •
بالمثل يستخدم معظم الفنانين الحاليين منصات مثل الفيسبوك وتويتر والانستجرام للتواصل المباشر مع الجماهير، وهى ظاهرة أُشبهها بالسلاح الحاضر فى اليد طوال الوقت. فبعد أن كان للفنانين مواعيد لقاءات محددة مع وسائل الميديا التقليدية كالصحافة والتليفزيون، أصبح فى يدهم محمول يعبرون به عما يسرون فى التو واللحظة، فصرنا نرى خلافاتهم بين بعضهم البعض وخلافاتهم الشخصية عقب أى علاقة فاشلة. ومعظم تلك «البوستات» متسرعة لا تتيح للإنسان الهدوء قليلا والتفكير فى تداعيات ما يريد الإعلان عنه كما كان فى السابق قبل انتشار تلك المنصات. بل تجاوز الأمر لنرى رأى عائلة الفنان أو الفنانة جميعها فى حدث ما انتشر على السوشيال ميديا من أم وأب وأخت وزوج أخت! ومثل الزعماء السياسيين، أثر ذلك على حالة الغموض التى كانت تحيط بالفنانين قديما وحالة الحلم التى كان يشعر بها الجماهير المحبة.
• • •
هنا يجب أن نذكر ونراعى أن ما نراه على السوشيال ميديا ليس بالضرورة حقيقيا خصوصا مع ظهور برامج الذكاء الاصطناعى والتى تحاكى ما نراه حولنا. فالصور والفيديوهات منذ عقود قليلة كانوا أدلة قوية على وقوع حدث ما، أما الآن فقد نرى فيديو مخلقا بالكامل وقليلون من يستطيعون التفرقة بينه وبين الحقيقة. بل إن عدد الإعجابات على أى بوست ليس بالضرورة حقيقيا أيضا بعد أن انتشرت الشركات التى تعمل على الدعاية وزيادة الزخم حول منتج ما. وقد جاءتنى شخصيا رسالة من إحدى الشركات التى تعمل فى مجال الدعاية تدعونى إلى العمل معهم على الإعجاب بالفيديوهات المستخدمة فى الدعاية مقابل مبلغ عن كل إعجاب، مع التلميح لى بأنى قد أحصل على ثمانية آلاف جنيه يوميا! وهو مبلغ مغر قطعا خصوصا للشباب الصغير حيث لا عمل إطلاقا إلا زيادة «الريتش» حول منتج، أى خلق شىء مرغوب من العدم.
• • •
ومع تغير علاقة المشاهير بالعامة وأفول نجم الكثيرين، انتشر نوع آخر من الشهرة على السوشيال ميديا وظهر ما يطلق عليهم «المؤثرين» و«صانعى المحتوى» وهم من يتابعهم مئات الآلاف أو الملايين من البشر، وهم يتقاضون مقابلا ضخما عند الإعلان عن شىء على صفحاتهم ولا تخلو حملة دعاية حالية من الاستعانة بهم مثلهم مثل الفنانين تماما. معظم هؤلاء من صغيرى السن الذين يستطيعون التحدث والوصول إلى جيل مختلف كل علاقته بالميديا هى السوشيال ميديا. وهناك ظاهرة تقديم «اللاشىء» مثل بعض السيدات اللاتى يستخدمن اليوتيوب والتيك توك فى فيديوهات عن الطبخ أو التحدث عن علاقاتهن العائلية ومع ذلك يشاهدهم الملايين ومن ثم يتقاضون مقابلا ماديا مغريا من الإعلانات.
• • •
هناك قصة طريفة حول محاولة إحدى «المؤثرات» استخدام شهرتها على السوشيال ميديا فى الإقامة مجانا فى فندق بأيرلندا مقابل أن تقوم بالدعاية له. وقد جاءها رد قاس من مالك الفندق بأن طلبها يتطلب الكثير من الشجاعة إن لم يكن القليل من احترام الذات والكرامة وأنه إذا سمح لها بالبقاء مجانا، فمن سيدفع أجور الموظفين الذين يقومون على خدمة النزلاء؟ هل سيرتضون عرضهم فى فيديو دعائى لها بدلا من أجورهم المعتادة؟ ونصحها المالك فى النهاية بأن تعرض على الفنادق مستقبلا مردود الدعاية من جانبها، ربما يساهم ذلك فى ترقية إقامتها فى جناح بدلا من غرفة مثلا حيث سيُظهر هذا المزيد من احترام الذات كما سيكون أقل إحراجًا بالنسبة لها. واختتم المالك الرسالة التى نشرها على موقعه بالفيسبوك: «الرد هو لا».
• • •
وفى كلمة أخيرة، من الواضح أن شكل الحياة ككل وحكمنا على الأمور تغير بسبب توغل السوشيال ميديا فى حياتنا، تغيُّر قد لا تستوعبه أجيالنا إلا بدرجات متفاوتة وبعين غير راضية. ولكن المؤكد أن ذلك هو شكل الحياة العادية للأجيال الجديدة بل ستكون أكثر تعقيدا بتطور تقنيات الذكاء الاصطناعى وتسليح منصات السوشيال ميديا به. وفى ذلك أقول «ربنا معاهم ومع أولياء أمورهم».

 

رانيا الرزاز باحثة في الشئون الاجتماعية
التعليقات