السياسة الخارجية النسوية السويدية.. هل ستسود! - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة الخارجية النسوية السويدية.. هل ستسود!

نشر فى : الثلاثاء 5 فبراير 2019 - 12:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 5 فبراير 2019 - 12:15 ص

نشرت صحيفة الفورين بوليسى مقالا للكاتبين RACHEL VOGELSTEIN& ALEXANDR BRO، يتناولان فيه ما أعلنته السويد صراحة عن تبنيها لسياسة خارجية نسوية، وقيام العديد من الدول بسن تشريعات لضمان المساواة بين الجنسين.
فى 18 يناير الماضى، صدق البرلمان السويدى على بقاء رئيس الوزراء «ستيفان لوفين» لولاية ثانية. ولم يكن ذلك سهلا حيث إن البرلمان فى وقت سابق صوت ضد بقائه فى السلطة لولاية ثانية، لقد جاء ذلك بعد أربعة أشهر من الجمود السياسى. وبينما تحدد حكومته الجديدة أجندتها السياسية للسنوات الأربع القادمة، ينبغى على لوفين أن يضمن أن واحدة من أكثر الاستراتيجيات الحاكمة إثارة للجدل فى السويد لا تزال ثابتة ألا وهى السياسة الخارجية «النسوية».
فى عام 2014، أصبحت السويد أول بلد فى العالم يتبنى علانية ما يطلق عليه صراحة «سياسة خارجية نسوية»، بما يضع تعزيز المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة فى صميم جدول أعمالها الدبلوماسى. وتتألف هذه السياسة من ثلاثة حقوق جديرة بالثناء تعمل على تعزيز قضايا المرأة، وتشمل مكافحة العنف والتمييز على أساس الجنس، قضية تمثيل المرأة ويتضمن ذلك دعم مشاركة المرأة على جميع مستويات عملية صنع القرار، من البرلمان إلى مجالس القطاع الخاص إلى النظام القانونى؛ وضمان التوزيع العادل للموارد بين الأفراد من الجنسين، سواء فى الميزانيات الحكومية أو مشاريع التنمية.
فى حين أن هذه السياسة تستند إلى تاريخ السويد الطويل فى دعم التعددية الحزبية للمساواة بين الجنسين، فإن تبنى الحكومة الصريح لكلمة «نسوية» لوصف منهجها السياسى كان توجها جديدا ــ وراديكاليا ــ للحكومة، وهو اتجاه قوبل فى البداية بالشكوك حتى داخل السلك الدبلوماسى السويدى. تصف وزيرة الخارجية «مارغو والستروم»، فى معرض حديثها مع صحيفة نيويوركر فى مارس 2015، ما الذى يمكن أن تبدو عليه السياسة الخارجية النسوية، وهو ما يعنى «الوقوف فى وجه الخضوع المنظم والعالمى للنساء».
لكن إعلان والستروم وحديثها عن السياسة الخارجية النسوية لم يكن مجرد خطاب، بل كان أيضا استراتيجية. حيث أقرت الحكومة أن المساواة بين الجنسين أمر بالغ الأهمية لأهداف السياسة الخارجية «الأوسع» للسويد، والتى تتضمن أيضا التنمية الاقتصادية وتحقيق الازدهار والرفاهية والأمن.
***
لقد أظهرت العديد من الأبحاث والدراسات أن هناك علاقة بين «دمج» المرأة وعدم تهميشها وتحقيق الاستقرار. حيث أظهرت دراسة أجراها المعهد العالى للدراسات الدولية والإنمائية فى عام 2015 أنه عندما تشارك النساء فى عمليات واتفاقيات حفظ السلام، فمن المرجح أن تستمر هذه الاتفاقيات. كما أن تحسين وضع المرأة أمر لا بد منه لتحقيق النمو الاقتصادى. فى دراسة أجريت عام 2015، حسب معهد ماكينزى العالمى أن الفائدة المحتملة من سد الفجوات بين الجنسين فى القوى العاملة تبلغ معدلا مذهلا يصل إلى 28 تريليون دولار من الناتج المحلى الإجمالى العالمى بحلول عام 2025 ــ بالإضافة إلى 19 فى المائة معدل النمو فى السويد وحدها ــ إذا شاركت النساء ببساطة بنفس المعدل مثل الرجال.
قد تكون السياسة الخارجية «النسوية» خطوة راديكالية فى عام 2015، وما زالت السويد هى الدولة الوحيدة التى تعلن ذلك صراحة، لكنها لم تعد وحيدة فى نهجها الجرىء. حيث اتخذ القادة فى العديد من البلدان ــ من كندا إلى أستراليا ــ الآن خطوات لدمج التركيز على المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة فى عملهم الدولى. وحتى الآن، اعتمدت 79 دولة خطط عمل وطنية لرفع مستوى دور المرأة فى عمليات السلام والأمن. كما أن العديد من البلدان ــ بما فيها أستراليا وفنلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ــ قد أنشأت أيضا مبعوثين على مستوى السفراء لقضايا المرأة العالمية لرفع أهمية قضية المساواة بين الجنسين فى السياسة الخارجية. حيث وضعت أستراليا وفرنسا استراتيجيات صريحة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة لتوجيه برامج المعونة الخارجية. وفى العام الماضى، أطلقت كندا أول سياسة للمساعدات الدولية النسوية، وتعهدت بتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات من خلال مساعداتها الخارجية، على أساس أن ذلك هو «أفضل وسيلة لبناء مجتمع أكثر سلما وعالم أكثر ازدهارا ».
***
لا شك فى أن نهج السياسة الخارجية «النسوية» تعرض لانتقادات عديدة. ففى السويد، على سبيل المثال، قام بعض العلماء والنشطاء فى اليسار بانتقاد الحكومة بشدة واتهامها بالفشل فى الالتزام بمبادئها وطموحاتها النسوية. وفى تقرير صدر عام 2017 سلطت منظمات المجتمع المدنى السويدية الضوء على المجالات التى ناقضت فيها الحكومة أهداف سياستها الخارجية النسوية، بما فى ذلك صادراتها من الأسلحة إلى الأنظمة الاستبدادية التى لديها سجلات فى انتهاكا حقوق الإنسان وتعليقها المؤقت للحق فى لم شمل الأسرة للاجئين. وفى الولايات المتحدة، تعرضت إدارة ترامب لانتقادات لتركها منصب السفير الأمريكى المتجول المعنى بقضايا المرأة العالمية شاغرا لمدة عامين، وهو الأمر الذى أدى فعليا إلى تخفيض أولوية المساواة بين الجنسين فى أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
من السابق لأوانه إصدار أحكام على المبادرات التى تم إطلاقها أخيرا وحتى الآن فى جميع أنحاء العالم. هذه التغييرات حديثة ــ معظمها تم الإعلان عنها خلال السنوات الخمس الأخيرة ــ ولا يزال من الصعب قياس نجاحها حتى الآن. علاوة على ذلك، لا يوجد اتفاق عالمى حول كيفية تحديد سياسة خارجية نسوية. هناك حاجة إلى المزيد من العمل لتحديد واختبار ودراسة السياسة الخارجية النسوية على المسرح العالمى.
ومع ذلك، فإن النتائج الإيجابية المحتملة للتطبيق على نطاق أوسع لاستراتيجيات السياسة الخارجية النسوية تعد كبيرة ــ وهناك تغييرات مهمة جارية بالفعل.
خلال عضويتها فى مجلس الأمن الدولى، على سبيل المثال، أصرت السويد على مشاركة المرأة فى مناقشات حاسمة ومهمة فى مجلس الأمن، وزيادة عدد ممثلى المجتمع المدنى. وفى كندا، دعت وزيرة الخارجية، كريستيا فريلاند، إلى إطلاق سراح اثنين من نشطاء حقوق المرأة اللاتى ما زلن محتجزين لدى الحكومة السعودية، حتى بعد طرد المملكة العربية السعودية للسفير الكندى من الرياض. وعلى الرغم من بقاء النساء فى السجن، استمرت حكومة جاستين ترودو فى الحديث عن حقوق المرأة فى المملكة، حيث منحت حق اللجوء إلى امرأة سعودية أخرى هربت من عائلتها. وفى عام 2018، خصص مكتب الشئون الخارجية والكومنولث فى المملكة المتحدة تمويلا كبيرا لدعم جهوده لمنع العنف الجنسى المرتبط بالنزاعات، وهى مسألة بالغة الأهمية للنساء حول العالم.
***
لن تتم الإجابة على الاختبار الحقيقى للسياسة الخارجية للمساواة بين الجنسين فى السويد والجهود الوطنية الأخرى إلا بمزيد من التنفيذ والتقييم، الأمر الذى سيتطلب دعما ثابتا ومستداما. مع تصارع الحكومة المقبلة فى ستوكهولم للتفاوض حول جدول أعمالها الجديد، ينبغى عليها الحفاظ على التزام البلاد بتعزيز المساواة بين الجنسين من خلال السياسة الخارجية. ولن يؤدى القيام بذلك إلى تعزيز سياسة السويد الخارجية فحسب، بل سيكون بمثابة نموذج للبلدان الأخرى بشأن كيفية تجنب إهمال مواهب ومساهمات 50 فى المائة من السكان. حتى الدول مثل الولايات المتحدة ــ التى من غير المرجح أن تتبنى سياسة خارجية «نسائية» صريحة فى ظل إدارة أشرفت على التخفيف من حقوق المرأة ــ تقوم بسن قوانين وتشريعات لضمان دمج المرأة.. بعد عقود من الإقصاء، لقد مضى وقت طويل لمعرفة ما يمكننا تحقيقه عندما تكون المرأة فى قلب الشئون الدولية.

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
المقال الأصلي

التعليقات