نقطة.. فى نص السطر - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نقطة.. فى نص السطر

نشر فى : الأحد 5 أبريل 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الأحد 5 أبريل 2015 - 9:30 ص

أول بلد سافرتها كانت فنلندا. وعلى متن الطائرة التى ركبتها إلى هلسنكى، وجدت فى مجلة الخطوط الجوية الفنلندية، خريطة العالم وعليها مسارات سفر الشركة.

أثار استغرابى وقتها أن توزيع القارات كان مختلفا عما تعودت رؤيته. والنقطة المركزية فى الخريطة لم تكن مصر. مركزها كان بالقرب من هلسنكى فى شمال الكرة الأرضية.

بعدها أدركت أن الأرض، لأنها مثل الكرة، يمكن أن يكون مركزها فى أى مكان لو بسطناها فى شكل ثنائى الأبعاد. المسألة تتوقف على طريقة قطع الكرة!

مع كثرة الأسفار لاحظت الحكاية نفسها فى مجلات كل شركات الطيران. مركز الخريطة يختلف حسب مكانك وبلدك وزاوية رؤيتك.

النقطة المركزية لأى شيء هى نقطة مرجعية reference point. هى ليست نقطة مطلقة أو «طبيعية» أو «ربانية». اختيارها يكون اتفاقا بين مجموعة من البشر، ومن الممكن، فى حالة الخريطة، أن يتفقوا على وضع المركز فى هلسنكى، أو القاهرة، أو حتى سيدنى.

النقاط المرجعية فى حياتنا يمكن أن تكون نقاطا فى الجغرافيا أونقاطا فى الزمن.

رأس السنة المالية مثلا التى بدأت فى بريطانيا هذه الأيام، ليست نقطة بداية حقيقية فى الزمن. وقد اخترنا فى مصر ان تكون بدايتها فى شهر يوليو. الزمن مستمر. كل يوم يماثل ما قبله، ولا يبدأ يوم من الأيام وعليه علامة تقول إنه أول يوم فى أى تقويم.

هذا الكلام ينطبق على كل ما نراه «معتادا» أو «طبيعيا» أى الـNorm بالإنجليزية. كلها فى الأغلب نسبية واختيارية واتفاقية، سواء كانت موروثات أو عقائد أو حتى عادات ثقافية وبيئية.

طعامنا مثلا، قد نعتقد انه يمكن أن يكون مقبولا ومحبوبا من أغلب الشعوب. والحقيقة قد لا تكون كذلك. هناك من يفضلون السحالى، أو الضفادع، أو حتى مخ القرود. البيئة التى ولدوا فيها كان لها دور فى تحديد العادات الغذائية «الطبيعية» بالنسبة لهم. مثلنا تماما. ومحبو الضفادع قد يستغربون جدا لو عرفوا اننا نأكل الحمام أو الأرانب.

النقطة المرجعية أو القياسية، هدفها أن تسهل لك معرفة موقعك وفهمه مقارنة بالآخرين. لكنك لن تستطيع أن تجزم بأنها اختيار مبنى على كونها «حقيقة» مركزية أو وسطية، أو معتدلة، أو لأنها بالضرورة «النقطة الصحيحة» التى لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها (يدى النقطة).

انت اخترتها لأنها الأقرب لك، أو لأنك وجدت اتفاقا عليها بين من حولك أو من سبقوك للاختيار، أو لأنك تعرفها اكثر من غيرها.

مهم انك تعى هذا وتعلمه لأولادك. مهم أن تعرف أن نقاطنا الارتكازية كلها تصورات ذهنية وأفكار قبل أن تصبح إطارا مرجعيا حديديا لا يمكن انتقاد وضعه، أو التفكير فيه، او بحثه، أو تغييره.

«الاعتدال والوسطية» ليسا بالضرورة حكرا على رؤانا وأفكارنا مقارنة بغيرنا، باعتبار أن رؤيتنا أو ثقافتنا أو تفسيرنا للحياة هو «الفهم الصحيح» القياسى، العيارى، المرجعى، وما عداه يكون «شذوذا» أو شططا.

ما يحمى من التطرف ليس أن تغرس فى أذهان الناس أن بلدهم أحسن البلدان، أو أن ثقافتهم ودينهم وعاداتهم أفضل من الغير. ما يحمى من التطرف هو أن تشرح المدرسة والإعلام ودور العبادة للناس أنهم جزء من عالم تتباين شعوبه وافكاره وعقائده. وأن حب الناس واحترام الاختلاف هو نقطة الارتكاز المرجعية للجميع، وأن نقطة المركز فى الخارطة ليست القاهرة بالضرورة.

التعليقات