الخلفية الدينية للإمبراطورية الأمريكية - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخلفية الدينية للإمبراطورية الأمريكية

نشر فى : السبت 6 يونيو 2015 - 9:35 ص | آخر تحديث : السبت 6 يونيو 2015 - 10:31 ص

تناولت بعض الصحف الأمريكية والبرامج التلفزيونية فى الآونة الأخيرة مناقشة فكرة الإمبراطورية الأمريكية. هناك من اعتبرها محاولة فاشلة لتقليد الإمبراطورية الرومانية بالذات لأنها الإمبراطورية الوحيدة فى التاريخ التى أرادت أن تسود على العالم من خلال نشر ثقافتها اليونانية «الهلينستية» والعدالة الرومانية التى طبقت القانون الرومانى فى كل أرجاء العالم، والسلام الرومانى واللغة اليونانية كلغة العلم والفلسفة فى ذلك الوقت، وكذلك الديانة المسيحية كديانة عالمية تؤمن بإله واحد للعالمين خرجت من رحم ديانة توحيدية أيضا لكنها محلية عنصرية «اليهودية». وهو ما تحاول أمريكا تقليده من خلال نشر الثقافة الأمريكية «الأدب والفن والسينما.. إلخ» واللغة الإنجليزية كلغة عالمية للعلوم وسيادة القيم الأمريكية المستمدة من الديانة المسيحية الغربية التى تساند إسرائيل.

إلا أن البعض الآخر أيد هذا التوجه وأثبت نجاحه بأن أمريكا استطاعت فعلا أن تفرض قيمها على العالم وكذلك السلام بمفهومها وحقوق الإنسان وعدالتها، بل إن الشباب فى كل العالم يلبسون الجينز والتى شيرت والكوتش ويرقصون ويغنون على الموسيقى الأمريكية.. إلخ، بما دعوه «أمركة العالم». وبغض النظر عن هاتين الرؤيتين أريد هنا أن أتحدث عن هل كان هناك عند الآباء المؤسسين خلفية دينية لتحقيق إمبراطورية أمريكية عالمية تتشابه مع الإمبراطورية الرومانية؟

 

***

عندما اضطهد المصلحون الدينيون فى أوروبا فى القرون الوسطى، قاموا بالهجرة إلى أمريكا الأرض الجديدة وقد تمثلت هذه الهجرة بخروج شعب الله المختار (العبرانيون) من مصر وعبورهم البحر الأحمر إلى أرض الموعد وعاصمتها أورشليم، فقد هرب الشعب القديم من ظلم فرعون كما هربوا هم من (جيمس الأول ملك إنجلترا). ولقد اعتبر هؤلاء أن أمريكا استثناء دينى جغرافى تاريخى وتلك الاستثنائية طبعت السياسة الأمريكية بسمات المثالية والنفعية والتجريبية، وهذا التحليل قدمه والتر ماكدوجال فى كتابه أرض الميعاد والدولة الصليبية «أمريكا فى مواجهة العالم منذ 1776» ترجمة رضا هلال، فأرض الميعاد هى العهد القديم والصليبية هى العهد الجديد والمقصود هنا صليب المسيح رمز التضحية وخلاص البشرية وليس الحروب الصليبية. لذلك كانت أمريكا تعيش العهد القديم حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما تم تحرير أمريكا من الإنجليز والعبيد واستكمال الاستيطان عام 1898، من هنا بدأوا العهد الجديد فى القرن العشرين من منطلق أن أمريكا لها رسالة لخلاص العالم بتعظيم حقوق الإنسان والمرأة والحرية والعدالة والتطور الاجتماعى والثقافى، فالعهد القديم يمثل الحرية فى الداخل والعهد الجديد يمثل الحرية للعالم من خلال النموذج الأمريكى.

وهنا حدث صراع بين الانعزالية (العهد القديم) بناء الداخل والواقعية (الانتشار) العهد الجديد بين القومية والعالمية. وهكذا يرى العالم أمريكا شريرة أحيانا وطيبة فى أحيان أخرى، فالعالم العربى الإسلامى رأى أمريكا الطيبة عندما ضرب كلينتون الصرب الأرثوذكس لأجل مسلمى البوسنة، ورأوها العرب طيبة عندما حرر بوش الأب الكويت عام 1991 من الغزو الصدامى، لكنهم يرونها شريرة عندما استخدمت الثورات العربية فى إشاعة الفوضى الخلاقة وعملها على تكوين شرق أوسط جديد تكون فيه إسرائيل رقم واحد يتلوها إيران ثم تركيا متجاهلة جميع الدول العربية وفاعلة فى تقسيم الوطن العربى إلى دويلات مستخدمة داعش وغيرها من المنظمات المتطرفة، كل ذلك مع موقفها التاريخى من إسرائيل ضد الحقوق الفلسطينية العربية وقد وصف المؤرخ آرثر شليزنجر التاريخ الأمريكى بأنه دورات بين الواقعية والمسيحيانية ووصفها كيسنجر بصراع بين المثالية والعنف.

 

***

يحكم أمريكا الآن أربعة مبادئ يعتبرونها مبادئ العهد الجديد:
الأول: أن الله اختار الأمريكيين ليقوموا بتحضير وارتقاء البشرية ونقل التقدم إلى العالم المتأخر والمتخلف وهذه رسالتهم التى كلفهم بها الله.
الثانى: أن يكون العالم أكثر سلما وديمقراطية بعد الحرب العالمية الأولى وتمثل ذلك فى النقاط الأربع عشرة للرئيس نيلسون.
الثالث: بعد الحرب العالمية الثانية ظهر المبدأ الثالث «الاحتواء» لمواجهة الشيوعية الروسية والصينية تجنبا لقيام حرب عالمية ثالثة وقد قام رونالد ريجان مع مارجريت تاتشر والبابا يوحنا بولس باحتواء وتخريب الشيوعية من الداخل والخارج حتى سقطت بدون الحاجة إلى العنف عام 1989.
الرابع: تحسين العالم، وهو ما يعنى أن تبذل أمريكا أقصى جهد ليصبح العالم أفضل سياسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، وقد كان النموذج لذلك مشروع مارشال لإعادة بناء أوروبا.

 

***

لكن كان تدخل أمريكا فى فيتنام علامة فشل ذريع لهذه المبادئ الأربعة ولقد وضح الصراع بين المثالية والواقع، بين العهد القديم والعهد الجديد بين عهدى جورج بوش الابن وأوباما، فقبل جورج بوش كان بيل كلينتون يحاول بكل جهده ألا يكرر أخطاء بوش الأب فى استخدام السلاح لحل المشكلات وكان عهده هو عهد الرخاء الاقتصادى للمواطن الأمريكى لكن جاء جورج بوش الابن ليقول إنه يستشير الله فى كل قرار وأن عليه أن يفرض الأخلاقيات والعدالة والسلام بالقوة، وعندما تحدث عن حملة صليبية لم يكن يقصد الحروب الصليبية ضد الإسلام لكن الحروب الصليبية لانتشار أخلاقيات الصليب الموت فداء المبدأ وفرض السلام بالسلاح، وهو ما لم يقله المسيح إطلاقا ولا يعبر عن فلسفة الصليب. وكان صديقه الواعظ العالمى بيللى جراهام يشاركه بآيات من الإنجيل فى كل قرار يتخذه. إنها الواقعية وهكذا تأثر بوش وكلينتون بالتناقض الأمريكى بين الواقعية والمثالية، أى بين القومية والعالمية أو العهد القديم والعهد الجديد، لكن جاء أوباما ليصحح ما فعله بوش، وأراد احتواء الإخوان المسلمين بل والتعامل مع الجماعات المتطرفة برفق.

ولعلنا نتذكر خطابه فى جامعة القاهرة الذى كان يفيض بالفهم والتفهم وقبول الآخر وقرأ آيات من القرآن الكريم أراد أن ينحاز للاحتواء «المثالية» أكثر من القوة العسكرية سحب قواته من العراق ومن المضحك المبكى أن مسلمى الوطن العربى اعتبروه متعاطفا معهم واتهمه بعض المسيحيين بأنه مسلم متخف، وقال البعض إن اسمه باراك «بركة» وأن جذوره الإسلامية أثرت عليه ولم يعلم أحد أنه يتحدث دائما وأبدا وعن اقتناع كامل عن أن الأخلاقيات الأمريكية «العهد الجديد» يجب أن يخضع لها العالم من سلام وحب والتى تنبع من الآباء المؤسسين فلا يجب أن يستخدم السلاح إلا فى حالات استثنائية نادرة لذلك حتى داعش يريد أن يحتويها.

وكما احتوى ريجان الاتحاد السوفيتى وفتته دون عنف خارجى هكذا فعل أوباما بالشرق الأوسط ومازال.

إنها المثالية الأمريكية يا صديقى ولا عزاء للمتدينين العرب سواء كانوا من المسلمين أو المسيحيين.

 

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات