أجندة الدوحة من أجل التنمية.. المنافسة على السيادة الدولية - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أجندة الدوحة من أجل التنمية.. المنافسة على السيادة الدولية

نشر فى : الأحد 6 ديسمبر 2015 - 10:25 م | آخر تحديث : الأحد 6 ديسمبر 2015 - 10:25 م
ينعقد المؤتمر الوزارى العاشر لمنظمة التجارة العالمية خلال الفترة من 15ــ18 ديسمبر الحالى فى نيروبى. ويتعين على هذا المؤتمر أن يحدد مصير جولة المفاوضات التجارية التى تم تدشينها منذ أربعة عشر عاما، وتحديدا فى نوفمبر 2001 فى الدوحة، والمتعارف على تسميتها بأجندة الدوحة للتنمية. وحتى كتابة هذه السطور، حيث يتبقى على انعقاد المؤتمر المصيرى أسبوع، لم تتوصل الدول المتفاوضة فى جنيف إلى الحد الأدنى من التوافق، الذى يمكن الدفع به فى نيروبى توصلا إلى الصفقة النهائية. بل وما يزيد الطين بلة، أنه لا تبدو بوادر نجاح فى الأفق. وتتمسك الدول بمواقفها دون حراك عنها.
وعلى الرغم من أن مكونات الحل النهائى متوافرة ومعروفة لدى الجميع، فإن الخلاف يتمثل فى نسب الخلطة المطلوبة، أى أن التوازن المطلوب لإبرام الصفقة ما زال محل نزاع. فالصفقة المطلوبة لن تخلو من مزيج من التنازلات والتوافق فى مجال القطاع الزراعى بعناصره الثلاثة، الأمر الذى يتطلب الإزالة الكلية للدعم على الصادرات الزراعية وخفض الدعم المحلى بالدول المتقدمة ودعمها لمزارعيها، وهو ما يؤدى إلى انخفاض أسعار المنتجات الزراعية بشكل تعسفى فى الأسواق الدولية ويحول دون المنافسة العادلة لمنتجات الدول النامية فى تلك الأسواق. فضلا عن مطالبة الدول النامية بقيام الدول المتقدمة بخفض تعريفتها الجمركية على السلع الغذائية والمنتجات الزراعية، التى تصل إلى مائتين فى المئة بالنسبة لمنتجات الألبان، وبما يسمح بنفاذ منتجات الدول النامية إلى الأسواق. وفى المقابل تطالب الدول المتقدمة بصفة أساسية بخفض الدول النامية للتعريفة الجمركية على المنتجات الصناعية وإجراء مزيد من التحرير فى مجال التجارة الخدمية بقطاعاتها المختلفة.
وأثبتت دول مثل البرازيل والهند قدرة فائقة على المناورة فى إطار هذه الجولة فى ضوء ما اكتسبته من خبرة فى إطار جولة أوروجواى السابقة للمفاوضات التجارية. فبعد أن نجحت البرازيل فى تسليط الضوء على المفاوضات الزراعية دون غيرها من الموضوعات فى أجندة الدوحة للتنمية فرضت اتباع طريقة التسلسل فى المفاوضات، بمعنى عدم الخوض فى التفاوض حول تنازلات أفقية فى مجالات أخرى، أى فى مجالات الصناعة أو الخدمات دون أن ترى بداءة ما سوف تقدمه الدول المتقدمة فى مجال الزراعة، وذلك لتفادى خيبة الأمل التى منيت بها إزاء نتائج مفاوضات جولة أوروجواى واستمرار سياسات الحماية المبالغ فيها من قبل دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة واليابان بالنسبة لمنتجاتها الزراعية.
وتمثل القطاعات الثلاثة الزراعة والتجارة فى الخدمات والتعريفة الجمركية على السلع غير الزراعية لب المفاوضات الجارية والمثلث الذى سوف يحسم مصير الجولة بما سيتضمنه من تبادل فى التنازلات وتحقيق التوازنات المنصفة والتى تأخذ فى اعتبارها اهتمامات الدول النامية. أضف إلى ذلك بعض الموضوعات التى من المنتظر أن تدخل فى الصفقة النهائية مثل الأمن الغذائى والصفقة الخاصة بالدول الأقل نموا وخفض الولايات المتحدة الدعم على القطن. غير أن جميع هذه الموضوعات ومصير أجندة الدوحة بل ومصير منظمة التجارة العالمية نفسها تبقى رهنا لما سوف تقدمه كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى من تنازلات فيما يخص سياسات الدعم الزراعى لديها.
***
وبينما هذا هو الواضح والمتداول بالنسبة للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف، فإن ما خفى كان أعظم. فإنه بقدر ما تدور تلك المفاوضات حول الدعم الزراعى، فإنها تستهدف وبدرجة أكبر التحول المستتر فى النظام التجارى الدولى ككل وتحديث قواعد نظم الحكم السائدة وإدارة مؤسساته على الصعيدين الإقليمى والدولى بقدر أكبر من التوازن والمشاركة. فإنه بعد أن دخلت الدول النامية حلبة القتال فى الثمانينيات فى أولى مفاوضات تجارية شاملة، وهى ما عرفت بجولة أوروجواى، لتصبح جزءا لا يتجزأ من النظام التجارى الدولى متحملة أعباءه وجنى ثماره، فهى اليوم وبعد اكتسابها الخبرة المطلوبة وتطوير إنتاجها وتكثيف قدرتها على المنافسة بشكل ملموس فى النظام التجارى الدولى، فهى تريد المشاركة فى وضع القواعد والقوانين الدولية. تريد هذه الدول الصاعدة – وبحق ــ أن تصبح هى الأخرى صانعة للقواعد بدلا من مجرد متلقية للقواعد التى تضعها الدول المتقدمة، بما يخدم مصلحتها بالدرجة الأولى.
تدرك الدول النامية الصاعدة أنها ما زالت تعيش فى نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، التى وضعت أسسه وقواعده الولايات المتحدة. واستمرت سيطرة الولايات المتحدة مطلقة على هذا النظام حتى مفاوضات جولة أوروجواى، التى تم التصديق على نتائجها فى منتصف التسعينيات من قبل برلمانات الدول الأعضاء. وكان من بين ما أفرزته الجولة منظمة التجارة العالمية باتفاقيات ومعايير جديدة ومبتكرة تستهدف تعديل تشريعات وقوانين الدول الأعضاء وتضمن تنفيذ ذلك من خلال نظام فض منازعات قوى يسرى على جميع الدول كبيرها وصغيرها، فلم يعد تحرير التجارة قاصرا على حدود الدولة بل يمتد ليشمل قوانينها المحلية. وشمل النظام التجارى للمرة الأولى موضوعات مثل التجارة فى الخدمات وأوجه حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة والإجراءات التجارية المتعلقة بالاستثمار. ونجحت الولايات المتحدة منفردة من خلال جولة أوروجواى فى تغيير شكل النظام التجارى ككل، والذى ارتضته جميع الدول آنذاك إيمانا منها بأن المنظمة الوليدة تعمل على أسس ديمقراطية سليمة ولكل دولة صوت واحد. غير أنه سرعان ما تبدد هذا الأمل، وأدركت الدول أن الولايات المتحدة وحلفاءها ما زالت هى الآمر الناهى فى المنظمة.
ورفضت الدول الصاعدة الانصياع. وترى أنه أصبح لها شرعية جديدة ورغبة جادة فى ألا يتم تهميشها فى عمليات صنع القرار وألا يتم إغفال مصالحها فى المفاوضات الجارية، وهى تشعر بأنها أصبحت قادرة على التأثير فى مجريات الأمور. فإن الهند استطاعت بصمودها فى المؤتمر الوزارى التاسع المنعقد فى ديسمبر 2013 فى بالى بإندونيسيا أن تفرض موقفها بالنسبة لدعم مزارعيها ودعم الطبقات الفقيرة والعمل على توفير الحبوب لها بأسعار منخفضة. كما فرضت الهند على الولايات المتحدة والمؤتمر ككل أن يستمر هذا الاستثناء فى دعمها لمزارعيها والطبقات الدنيا، دون حق مقاضاتها، إلى حين التوصل إلى حل نهائى ومقبول لهذه القضية الحيوية بالنسبة للهند.
***
فهل يمكن لهذه الدول أن تفوز فى نهاية المطاف؟ فالتوصل إلى تسوية متوازنة فى نيروبى سوف يزيد من قوة هذه الدول الصاعدة وقدرتها على المناورة، كما أنه سيعنى الوصول إلى بر الأمان لمنظمة التجارة العالمية وتجديد دورها الأساسى فى المفاوضات التجارية الذى أصبح محل تساؤل فى ضوء امتداد المفاوضات الحالية لأربعة عشر عاما. وإذا ما نجح مؤتمر نيروبى بالفعل فى التوصل إلى نتائج منصفة تكون منظمة التجارة العالمية قد نجحت فى إرساء توازن فعلى للقوى التجارية وتحقيق المشاركة فى نظم الحكم على صعيد النظام التجارى الدولى. بيد أن الولايات المتحدة تقف بكل تعنت وصلابة ضد أى مشاركة محتملة فى وضع القواعد الدولية، حيث يعنى ذلك فتح الباب على مصراعيه لإعادة النظر فى نظام مؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية برمته، الذى عفى عليه الزمن، والمساءلة عن كيفية إدارة هذه المؤسسات وهى مساءلة لها مبرراتها. ولن تقبل الولايات المتحدة مثل هذا الاستجواب، حيث تستمر هى والدول الحليفة لها فى السيطرة، من خلال نظام التصويت المرجح، على عملية اتخاذ القرار فى نظام بريتون وودز.
ويبدو أن الولايات المتحدة بالفعل بصدد التغاضى كلية عن دور منظمة التجارة العالمية – التى قامت بتأسيسها – والالتفاف حولها من خلال قيامها بالتفاوض فى إطار ما يعرف بالاتفاقيات الإقليمية العملاقة، والتى تشمل كلا من الاتفاقية المعروفة باسم اتفاقية التجارة الحرة والاستثمار عبر الأطلنطى مع الاتحاد الأوربى واتفاقية المشاركة عبر المحيط الهادى، وهو اتفاق إقليمى للتجارة الحرة بين الولايات المتحدة واستراليا وبروناى وكندا وشيلى واليابان وماليزيا والمكسيك ونيوزيلندا وبيرو وسنغافورة وفيتنام. وتستحوذ هاتان الاتفاقيتان مجتمعتين على ما يفوق نسبة ثمانين فى المئة من التجارة الدولية. وإن دلت هاتان الاتفاقيتان على شىء فإنهما دليل على أن هذه الدول سئمت عمليات الشد والجذب داخل منظمة التجارة العالمية وأنها ترغب فى المضى قدما فى التحرير وتعظيم استفادتها من التبادل التجارى. والسؤال فى النهاية هو من الفائز ومن الخاسر من إحداث مثل هذا الشلل فى منظمة التجارة العالمية وإعاقتها دون التوصل إلى اتفاق مقبول من الجميع؟
وعلينا، بعد هذا العرض عدم استباق الأحداث انتظارا لما سيسفر عنه المؤتمر الوزارى العاشر للمنظمة فى نيروبى، ولحديثنا بقية.
ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات