معضلة المدخرات الصينية - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 7:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معضلة المدخرات الصينية

نشر فى : الثلاثاء 7 فبراير 2023 - 8:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 7 فبراير 2023 - 8:10 م
نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب تشانج جون، تناول فيه أن الزيادة فى مدخرات الأسر الصينية ــ وفقا لبيانات البنك المركز الصينى التى أعلنها مؤخرا ــ تشكل خطرا على التنمية الاقتصادية الصينية طويلة الأمد؛ لذا يجب على واضعى السياسات إجراء إصلاح جوهرى للسياسة المالية ونظام الضرائب لاستعادة ثقة الأسر وتشجيعهم على الإنفاق... نعرض من المقال ما يلى.
تعاظم حجم الودائع فى البنوك الصينية العام الماضى بمقدار 26.3 تريليون يوان صينى (3.9 تريليون دولار أمريكى)، وفقًا لبيانات أعلنها مؤخرا البنك المركزى الصينى المعروف ببنك الشعب الصينى. وقد قفزت مدخرات الأسر بمقدار 17.8 تريليون يوان فى عام 2022، حيث سجلت نموا بأكثر من خمسة تريليونات يوان فى الشهرين الأخيرين من العام بمفردهما، مدفوعةً باستراتيجية الصين الصارمة لاحتواء مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد ــ 19)، التى ألغتها الحكومة فى ديسمبر.
لا شك أن الزيادة فى مدخرات الأسر العام الماضى كانت غير عادية وتعكس عدم قدرة المستهلكين على الإنفاق نتيجةً لعمليات الإغلاق الصارمة فى الصين التى استهدفت الوصول بحالات الإصابة بفيروس كورونا إلى الصفر، ما أجبر الملايين على البقاء فى منازلهم لفترات امتدت لشهور أحيانا فى المرة الواحدة. والآن وبعد أن تخلت الصين عن هذه السياسة، فُتحت الأبواب على مصاريعها، وبات منطقيا أن تتدفق تلك المدخرات المكبوتة لترفع وتيرة الاستهلاك.
لكن ليس كل فائض مدخرات يعكس كبتًا فى إنفاق المستهلك؛ إذ تعكس نسبةٌ كبيرة للغاية من الزيادة فى الودائع الطبيعة الاحترازية اختيار الأسر الادخار. فقد اعتادت الأسر الصينية الادخار فى صور استثمارات سكنية ومالية فى المقام الأول، غير أن تلك الأسر أرجأت العام الماضى عمليات شراء المساكن وانسحبت من سوق الأسهم والسندات والأصول المالية الأخرى ضعيفة الأداء وفضلت الاحتفاظ بأموالها فى ودائع مصرفية. وبحسب تقديرات عديدة، تراجعت عمليات شراء المساكن بمقدار يتراوح بين ثلاثة وأربعة تريليونات يوان تقريبا فى عام 2022، مدفوعةً فى الغالب بتوقعات المستثمرين باستمرار التراجع الاقتصادى. وحتى لو عاد الإنفاق الاستهلاكى إلى معدله الطبيعى هذا العام، فمن المرجح أن تمتنع الأسر الصينية عن وضع مدخراتها المكتسبة بشق الأنفس فى استثمارات سكنية أو أسهم نظرا لتزايد حالة عدم اليقين، ومن ثمَّ ستبقى الودائع المصرفية أعلى.
يجب على واضعى السياسات فى الصين الاعتراف بالخطر الذى تشكله المدخرات الفائضة على تنمية البلاد اقتصاديا، ومعالجة أزمة تكلفة المعيشة التى تجعل المستهلكين الصينيين راغبين عن الإنفاق. فرغم التقدم الكبير الذى حققته الصين فى مجال إعادة بناء نظام الضمان الاجتماعى على مدار الأعوام الثلاثين الأخيرة، لا يزال لزاما عليها أن توفر لمواطنيها مستوى من الحماية يتناسب مع قوتها الاقتصادية، فلا يزال السكان يكابدون من أجل تحمل التكاليف الباهظة للسكن والرعاية الصحية والتعليم ورعاية المسنين حتى فى المدن الكبرى مثل بكين وشنغهاى، التى ترتفع فيها دخول الأسر نسبيا.
إن تشجيع المدخرين على العودة إلى الإنفاق يستوجب من الصين أولا أن تجعل السكن فى المدن الكبرى أيسر تكلفة. وقد يسهم بناء معروض كاف من الإسكان الحكومى العام وتوفير إيجارات طويلة الأجل فى المناطق الحضرية وضمان استيفاء تلك الشقق والمنازل معايير الأمان والجودة العالية بجميع أنحاء البلاد فى تثبيط نزعة الادخار بين الأسر وتشجيع الاستهلاك الحالى بصورة أكبر، خاصة بين الفئات الأصغر سنا.
وبالإضافة إلى الإسكان ميسور التكلفة، يمثل تقديم الدعم المالى للأسر من خلال برامج الرعاية الاجتماعية أمرا حيويا لاستعادة ثقة المستهلكين؛ إذ يتحتم على واضعى السياسات فى الصين إعادة تخطيط الإنفاق المالى الحكومى من أجل تخفيف العبء الثقيل عن كاهل الأسر التى تكافح من أجل الوفاء باحتياجاتها الأساسية. وقد تؤدى زيادة إجراءات وصور الحماية الاجتماعية وتقديم المزيد من مزايا الرعاية الاجتماعية للأسر ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة إلى زيادة الإنفاق وإيجاد مسار أكثر استدامة للتنمية للعقود القادمة.
أما لو أحجمت الصين عن القيام بإصلاح جوهرى للسياسة المالية ونظام الضرائب، فمن الممكن أن تشكل المدخرات الفائضة للأسر عائقا أمام الآفاق الاقتصادية طويلة الأجل للبلاد. وقد اعتمدت الصين فى العقود الأخيرة على استراتيجية نمو يقودها الاستثمار وتتغذى على الائتمان لتعزيز الطلب الكلى وتعويض تباطؤ الاستهلاك. غير أن تمسك الحكومة بتلك الاستراتيجية طول العقد الماضى ساعد حتما على إيجاد فقاعة مضاربة عقارية جعلت تكلفة السكن فوق طاقة الكثيرين وأسهمت فى التباطؤ الاقتصادى الحالى الذى تشهده البلاد.
لم يفت الأوان بعد لتغيير المسار. فقد بلغ اقتصاد الصين نقطة محورية، وأضحى لدى الحكومة الموارد والقدرة الكافية لتنفيذ سياسات مالية وأخرى للرعاية الاجتماعية تستهدف الأسر بدلا من الصناعات وجعل مثل هذا النظام المالى متوافقا مع تنمية اقتصادية صحية طويلة الأمد. لكن يجب على الحكومة أولا اتخاذ خطوات فورية لزيادة الحماية الاجتماعية وزيادة الإنفاق فى مجال الرعاية الاجتماعية لصالح الأسر المنخفضة والمتوسطة الدخل. إذا زاد واضعو السياسات الصينيون الإنفاق على الأسر، فسوف يجدون استعدادا أكبر للإنفاق من جانب الأسر.

النص الأصلي

التعليقات