الحوافز «غير المالية» للاستثمار - محمد القرمانى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 6:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحوافز «غير المالية» للاستثمار

نشر فى : السبت 7 مارس 2015 - 12:15 م | آخر تحديث : السبت 7 مارس 2015 - 12:15 م

أيام قليلة تفصلنا عن مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى، الذى نأمل جميعا أن يكون بداية لانطلاقة جديدة للاقتصاد المصرى. ومن المؤكد أن تنظيم المؤتمر يعطى رسائل فى غاية الايجابية للعالم عن قدرة مصر على استضافة حدث ضخم على أرض سيناء، فضلا عن توصيل رسالة مفادها أن الحكومة المصرية عازمة على توفير اطار جاذب وداعم للاستثمار.

وقد بذلت الحكومة خلال المرحلة الماضية جهودا كبيرة فى سبيل الاعداد للمؤتمر، سواء من الناحية التنظيمية، أو فيما يتعلق بإعداد قانون الاستثمار الجديد، وأيضا طرح مشروعات فى مختلف القطاعات الاقتصادية، بما يساهم فى زيادة الاستثمار الأجنبى المباشر الذى يساهم فى توفير فرص عمل وكذا زيادة الاحتياطى الأجنبى اللازم لتمويل استيراد السلع الأساسية التى يحتاجها السوق المصرية.

ومما لا شك فيه، أن وضع مصر ضعيف بالمقارنة ببقية دول العالم، فيما يتعلق بالبيئة القانونية والاقتصادية الداعمة للاستثمار، فوفقا لتقرير ممارسة أنشطة الأعمال Doing Business الذى يصدره البنك الدولى سنويا، والذى يقيس سهولة الاستثمار فى دول العالم، تحتل مصر المرتبة رقم ١١٢، متأخرة عن دول مثل ماليزيا فى المركز ١٨، والامارات ٢٢، وتايلاند ٢٦، وجنوب أفريقيا ٤٣، والسعودية ٤٩، وقطر ٥٠، وتركيا ٥٥. ويعتمد التقرير على مؤشرات موضوعية مثل عدد الأيام المطلوبة لاستخراج التصاريح، وتسجيل الملكية، وادخال المرافق للمشروع، والحصول على التسهيلات الائتمانية وسهولة دفع الضرائب.

وعلى الرغم من أن عقلية المستثمر لا تعرف إلا لغة الأرباح، ولا يعنيها سوى وجود فرصة لنجاح المشروعات التى يخاطر برأسماله فى تنفيذها، الا أن الحوافز المالية مثل التعريفات الجمركية أو ضريبة الدخل أو الضريبة على أرباح الشركات أو رسوم التسجيل أو رخص العمالة، ليست العوامل الفاصلة فى تفضيل مستثمر لسوق عن أخرى، فقد يفضل المستثمر ضخ أمواله فى دولة تفرض ضرائب مرتفعة مثل العديد من البلدان الأوروبية، بسبب الاستقرار السياسى وتوافر عناصر أخرى تزيد من فرص النجاح والأرباح.

وبنظرة سريعة سنجد أن تدفق رءوس الأموال والاستثمارات الأجنبية المباشرة Foreign Direct Investment على مصر، يقل كثيرا عن دول تفرض ضرائب أعلى مما تفرضه الحكومة المصرية، فعلى سبيل المثال تبلغ ضريبة الأرباح على الشركات فى مصر ٢٥٪ بينما هى ٤٠٪ فى الولايات المتحدة و٣٥٪ فى اليابان و٣٤٪ فى البرازيل وفرنسا و٣١٪ فى ايطاليا و٣٠٪ فى استراليا و٣٠٪ فى ألمانيا و٢٨٪ فى جنوب أفريقيا و٢٥٪ فى ماليزيا.

أما ضريبة الدخل فيبلغ الحد الأقصى لها فى مصر ٢٥٪، فى حين تصل إلى ٥٢٪ فى اسبانيا و٥٠٪ فى فرنسا واليابان و٤٨٪ فى ايطاليا و٤٧٪ فى المانيا و٤٥٪ فى استراليا وانجلترا و٣٨٪ فى كوريا الجنوبية و٣٤٪ فى الهند و٢٩٪ فى كندا.

والحديث عن البيئة المحفزة أو الجاذبة للاستثمار، أمر لا تتسع المساحة للحديث عنه باستفاضة، لذا فسأقوم بالتركيز على أربعة حوافز أو ضمانات غير مالية، ولا تتعلق بالبنية التحتية، وينبغى على الحكومة المصرية أن تقدمها للمستثمرين خلال المرحلة المقبلة:

توافر المعلومات واتاحتها: خاصة المتعلقة بالإجراءات الحكومية، والقوانين واللوائح التنفيذية لمختلف القطاعات الاقتصادية، والتى تعد أساسية بالنسبة لأى استثمارات جديدة أو قائمة، وهى التى تمكن من اجراء دراسات السوق ودراسات الجدوى، كما يتأسس عليها خطط المبيعات والتسويق وغيرها.
ضمان تنفيذ التعاقدات وسرعة الفصل فى القضايا والالتزام بأحكام القضاء: ولهذا الغرض فقد أنشأت مصر محكمة اقتصادية متخصصة، للنظر والفصل فى النزاعات التجارية بشكل عام، الا أنه حتى الآن مازالت اجراءات الفصل فى النزاعات الاقتصادية تتطلب القيام بـ٤٢ اجراء، تستغرق ما يقرب من ثلاثة أعوام فى المتوسط (وفقا لتقديرات البنك الدولى). فضلا عن هذا تمتنع أو تماطل بعض المحاكم صاحبة الاختصاص الأصلى فى النزاع، عن اصدار صيغة تنفيذية لأحكام هيئات التحكيم، وهو الأمر الذى يزعج المستثمر الأجنبى، ويعطى انطباعا سلبيا عن مناخ الاستثمار فى مصر.

تسهيل اجراءات قيد وتسجيل الشركات الكترونيا: بدأت مصر فى تنفيذ نظام الشباك الواحد one stop shop فى القاهرة والعديد من المحافظات، والذى يتيح للمستثمر انهاء جميع معاملاته مع الجهات الحكومية فى مكان واحد، الا أن هذا ليس كافيا بالنظر إلى أن هناك أسواق منافسة أصبحت تتيح نظام الشباك الواحد الالكترونى، والذى يمكن من خلاله استخراج التراخيص وانهاء التسجيل ودفع جميع الرسوم عن طريق الانترنت (هناك ما يقرب من ٤٠ دولة حول العالم تعتمد نظام التسجيل الالكترونى للشركات). فضلا عن هذا فإن تقليل تعامل المستثمر مع الأجهزة الحكومية أصبح توجه للعديد من الدول للحد من الفساد والتعقيدات الادارية. ومن الجدير بالذكر أن مصر أصدرت منذ بضع سنوات قانون لتنظيم عملية التوقيع الالكترونى الا أنه حتى الآن لم يتم الاستفادة منه بالشكل الأمثل بسبب التخوف من عملية القرصنة الالكترونية.
حماية حقوق الملكية الفكرية: إن أشد ما يؤرق المستثمر الأجنبى، هو السطو على أفكاره وابتكاراته التى كلفته أموالا طائلة فى البحث والدراسة. وعلى الرغم من أن مصر قامت بإصدار قانون حق الملكية الفكرية عام ٢٠٠٢، ووقعت على العديد من الاتفاقيات الدولية فى هذا المجال، إلا أن سجل مصر لايزال ضعيفا، وتحتل المركز رقم ٧٥ من بين ٩٧ دولة، وفقا لمؤشر حقوق الملكية الفكرية عام ٢٠١٤ International property rights index. لذا فمن المهم والضرورى أن تتخذ الحكومة الاجراءات المناسبة لطمأنة المستثمرين بضمان حقوق الملكية الفكرية، بما فى ذلك العلامات التجارية وبراءات الاختراع والتصميمات الصناعية.

محمد القرمانى مدرس مساعد السياسات العامة بجامعة أوريجون
التعليقات